مكتبة الأدب العربي و العالمي

وردة لم تذبل (قصة قصيرة)

عامر عودة

إنها هي إذًا الّتي تقطف الورد من حديقتهم؛ فقد رآها من نافذة بيته. وأراد أن ينبّهها لينهيها عن عادتها اليوميّة تلك، إلّا إنّه تراجع في اللّحظة الأخيرة، لأنّ جمالها أبهره. فكيف يصرخ بوجهِ فتاة جميلة بعمر الورد الّذي تقطفه؟! فتركها تقطف ما تريد، وتراجع قليلًا إلى الخلف كي لا تراه. وأخذ يراقبها عن بعد، حتّى قطفت ما تريد وذهبت.
نظر إلى ساعته، فدلّت عقاربها على السّابعة تمامًا. ما زال أمامه ربع ساعة حتّى موعد ذهابه إلى العمل. وكان من عادته أحيانًا أن يروي حديقة بيتهم قبل أن يخرج لعمله، ومنذ مدة طويلة لم يروِها، فكانت أمّه هي من تفعل ذلك. لكنّ اليوم شعر برغبة شديدة لريّها، فنزل مسرعًا وبدأ برشّها بالماء، وكان الورد المزروع على أطراف الحديقة أكثر ما رواه.
في صبيحة اليومِ التّالي وقف عندَ النّافذة ينظر بلهفة إلى الخارج. وتسارعت دقّات قلبه عندما رآها، وفرح كيف تقدّمت من إحدى شجيرات الورد الجوري، الّتي سقاها يوم أمس، وقطفت منها وردة. فقال بصوت عالٍ يملأه الفرح موجّهًا كلامه لها:
– اقطفي واحدة أخرى لا تخجلي، كلّ الورد على حسابك.
فالتفتتِ الفتاة إلى مصدرِ الصّوت ولفّها الخجل، فهربت من أمام وجههِ مسرعةً باتّجاهِ الشّارع. فندم على ما قاله، وعلى جرح شعور تلكَ الفتاة الرّقيقة والجميلة… وفجأة سمع صوت إطلاق رصاص في الشّارع، وما أكثر أصوات إطلاق الرّصاص في الآونة الأخيرة، فالمظاهرات لم تتوقّف منذ إعلان الرّئيسِ الأمريكيّ عن نقل سفارة بلاده إلى مدينتهِ القدس، لكن هذه المرة كان صوتُ الرّصاص قريبًا ومخيفًا، يختلف عن باقي المرّات. فخرج منَ البيت راكضًا باتّجاهِ الصّوت ليرى ما يحدث، فرأى عددًا منَ الشّباب يركضون حاملين أحدَ المصابين على أكتافهم، ولم يكن ذلكَ المصاب إلّا “سارقة الورد”.
حاول اللّحاق بها ليرى نوعَ الإصابة، لكنّ الشّباب كانوا قد وصلوا إلى إحدى سيّاراتِ الإسعاف؛ فحملها الطّاقمُ الطّبيُّ وأدخلها السّيّارة. لكنّه استطاع الوصول قبل أن تنطلق سيّارةُ الإسعاف للمستشفى، وسأل أحد المُضَمِّدين عن وضع الفتاة، فطمأنه بأن إصابتها على ما يبدو طفيفة، لكنّها بحاجة لمستشفى. فاطمأنّ وهدأ ، وقرّر أن يسأل عنها ليزورها في المستشفى، حاملًا معه باقة ورد كبيرة من ورد حديقته، ليعتذر منها، أو… ربما…
لا هذا سابق لأوانه… لتقم بالسّلامة أوّلاً…
بعد أنِ انطلقت سيّارة الإسعاف، وجد تحتها وردة حمراء، هي تلك الوردة الّتي قطفتها من حديقتهم، فالتقطها وعاد مسرعًا إلى بيته، ليضعها داخل كوب منَ الماء لكي لا تذبل.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق