يعتبر تشدّد وصرامـة قوانين الصرف مسألة مزعجة للجميع. لقد آن الأوان لتقوم تونس بتعصير وتحديث قوانينها وبأن تنخرط في سياسات العصر. فعالمنا يتغير وتكنولوجيات المعلومات والاتصال تتطور والمال يتنقل بسهولة أكبر اليوم، والجميع يعلم أن احتياطيات النقد الأجنبي للبنك المركزي التونسي تتقلّص بينما يتزايد حجم العملات المتداولة في السوق الموازية. ورغم ذلك، فإن تونس في حالة حرب اقتصادية وتحتاج إلى سيولة وإلى العملات الأجنبية، وهي متوفرة الآن في تونس ولكن لا يمكن مساسها، لأن التشريعات الحالية لسعر الصرف لا تسمح بذلك.
وفي هذا الإطار، يمكن أن يجلب قانون تسوية مخالفات الصرف هذه العملات إلى المسالك الرسمية، ويعود ذلك بالنفع على للجميع. لهذا، آن الأوان لإقرار قانون تسوية مخالفات الصرف، الذي تم إيداعه منذ أكثر من سنة لدى مجلس نواب الشعب. لقد حان الوقت لكي يتمكن أي مواطن تونسي من الحصول على العملة الأجنبية.
وفي هذا الصدد، التقى عالم الأعمال والاقتصاد والمالية ونواب من مجلس نواب الشعب ووزراء سابقين يوم 16 ماي 2019 بمبادرة من السيد رياض عزيز، رئيس غرفة التجارة التونسية والبلجيكية واللوكسمبورغ تحت إشراف محافظ البنك المركزي التونسي السيد مروان عباسي لمناقشة موضوع: “تغيير سياسة الصرف”، وهو موضوع حاسم ودقيق للاقتصاد التونسي بشكل عام ولاحتياطي العملات الأجنبية بشكل خاص.
يرمي هذا الاجتماع إلى تسريع نسق تعصير قانون الصرف وتشجيع مجلس نواب الشعب على النظر في مشروع قانون تسوية مخالفات الصرف والمصادقة عليه.
كان من المنتظر أن تتم المصادقة على هذا القانون منذ فترة طويلة، حسب ما ذكره محافظ البنك المركزي التونسي، الذي أعرب عن رغبته في أن يتم تمريره قبل نهاية الولاية البرلمانية الحالية. وأوضح المحافظ أن قانون تسوية مخالفات الصرف سيسمح للبلاد بالحصول على احتياطات محترمة من العملة الأجنبية، من ناحية، وعلى استقرار سعر صرف الدينار، من ناحية أخرى، خاصة وأنّه تمت المصادقة على قانون التبادل الفوري للمعلومات الذي سيضع بعض الفاعلين الاقتصاديين على “قوائم المخالفات”.
وانتقد السيد الناصر الحيدوسي، رئيس مجلس الغرف المختلطة، بدوره صرامة قانون الصرف التونسي الذي يجعل بلادنا بعيدة عن الاقتصاد العالمي. فاحتياطيات النقد الأجنبي لدى البنك المركزي التونسي تتضاءل بينما تزداد كتلة النقد الأجنبي في السوق الموازية.
واعتبر السيد الحبيب قراولي، الرئيس المدير العام لبنك CAP أنّ إصدار قانون تسوية مخالفات الصرف وحده لن يكفي لحل المشكلة ولتشجيع الأشخاص الذين لديهم عملات أجنبية على التصريح بها.
وأضاف قائلا: “هناك عنصر رئيسي يجب التأكد منه قبل اتخاذ أي إجراء وهو الثقة”. إلّا أنّه تم قطع هذه الثقة وسوف يستغرق الأمر بعض الوقت قبل استعادتها. هناك شروط وشروط مسبقة، قبل الإصلاح. ومع ذلك، فإن الحكومة لا تقوم بأي شيء في هذا الاتجاه. فقبل الإصلاح واتخاذ القرارات، يجب التأكد من أن السلطة التنفيذية ستواكب المسار وتكون قادرة على تنفيذه بشكل ناجع وكفء.
ويرى السيد قراولي أنه يجب أن يتضاعف قانون تسوية مخالفات الصرف وأن يرافقه عفو جبائي وعفو جنائي (فيما يتعلق بمصدر الأموال). وهي فكرة تقاسمها معه أيمن الرايس، المستشار السابق لوزير المالية، والذي أشار إلى أن “هناك ضرورة لاتخاذ إجراءات استثنائية في سياق استثنائي. سيعمل العفو على رفع معنويات العديد من الجهات الاقتصادية الفاعلة واستعادة الثقة. بالإضافة إلى ذلك، فالتسوية ستسمح بتحسين معنويات عديد الأطراف الاقتصادية وستعمل على استعادة الثقة. وزيادة على ذلك، فالتسوية ليست قانونًا للأثرياء لأنه سيكون لها تأثير أكيد على القدرة الشرائية والتضخم والدين الخارجي كما سيكون لها تأثير على تحسين واستقرار سعر صرف الدينار.
وصرّح السيد بدر الدين والي، الرئيس المدير العام لمؤسسة Vermeg، من جانبه، إن تونس لديها أسوأ قانون صرف، مما يضمن أنّ الدينار التونسي لن يكون قابلا للتحويل”.
لا يمكن أن تكون للاقتصاد التونسي عملة لا يمكن الدفاع عنها طالما كان الميزان التجاري في حالة العجز. سوف يستمر الدينار في الانخفاض أكثر من أي وقت مضى، فنحن اليوم في ظل اقتصاد يستورد أكثر مما يصدّر مع قانون استثمار جديد يحرم حوالي 80٪ من منتجي الثروة من عديد المزايا المختلفة.
مجلة الاستثمارات ليست مشجّعة، دون اعتبار فقدان الثقة. ولاستعادة هذه الثقة، أطلق السيد بدرالدين والي ثلاثة نداءات: أولها يوجهه إلى الأطراف الاقتصادية لمواصلة التصدير؛ والنداء الثاني إلى البنك المركزي التونسي: لتيسير المسار والإطار التشريعيين؛ والنداء الثالث يوجهه إلى المشرّع لتمديد آجال التسوية إلى سنتين بدلاً من الستة أشهر التي يقترحها مشروع القانون.
ومن جانبه، أكّد السيد معز العبيدي، أستاذ العلوم الاقتصادية، على أهمية قانون تسوية مخالفات الصرف، وقال إنه لا ينبغي أن نضع الجميع في نفس الخندق. ويرى أن عقوبة نسبة 5 بالمائة التي ينصّ عليها مشروع القانون نسبة ضخمة. واقترح السيد معز العبيدي أنّه يجب تسليط العقوبات على المعاملات غير المبررة فقط، وأنّه يمكن أن يؤدي قانون تسوية مخالفات الصرف والحسابات البنكية بالعملة إلى خلق تدفق مالي يِؤدّي إلى تحقيق نتائج أفضل.
ومن جانبه، أشار السيد سليم بسباس، النائب بمجلس نواب الشعب، إلى أن أحكام قانون تسوية مخالفات الصرف أدرجت في قانون المالية لسنة 2016 وتم رفضها. لأنه، اعتبر أنها لا يمكن أن تندرج ضمن قانون المالية. ومع ذلك، لا يزال النائب يتساءل عن التأثير الحقيقي لمشروع القانون.
إذا اقترن قانون تسوية مخالفات الصرف في جميع الحالات بالعفو الجنائي والجبائي، سيعيد الثقة ويشجع الأشخاص الذين يملكون مبالغ بالعملات الأجنبية على فتح حسابات بهذه العملات، وسيمكّن من ضخ العملات في احتياطيات البنك المركزي التونسي، لتحقيق الاستقرار في سعر الصرف ولتعزيز الاستثمارات الأجنبية المباشرة.
ود