ثقافه وفكر حر

من بـــــــــــوح يراعي : فصول ” العلم ” الأربعة !

بقلم : عوني وتد

 

جلست الحاجة عائشة عند الظهيرة امام عتبة بيتها ترقب عودة حفيدها امجد من المدرسة.
وامجد ابن السابعة هو ابن ولدها الشهيد احمد، والذي طالما انتظرت عودته من العمل عند المغيب.

وصل امجد الى الحارة فاستبشرت الجدة خيراً ،
ووقفت تجر اطرافها تتلقفه بيديها المرتجفتين،
تضمه الى صدرها وتطبع على جبينه قبلة اللقاء.

– جدتي ،جدتي !
لقد تعلمنا اليوم عن فصول السنة.
– رائع يا امجد ، بعد الغداء سأحكي لك حكاية الفصول في بلادنا ، وما اجملها من فصول،
وما اجمل الوانها!
– الوانها؟
( رد امجد بدهشة)
– نعم يا امجد ، الم يخبركم المعلم بأن علمنا حِكناه من الوان فصولنا؟

ازداد شوق امجد لسماع الحكاية ، وانفرجت اساريره وقال يردد:
– لا لا .. لا يا جدتي ! لن اتناول الغداء حتى تحكي لي الحكايه ؛ بالله عليك يا جدتي، بالله عليك!

ابتسمت الحاجة عائشة ، وعادت تجلس امام عتبة البيت ترنو بعينيها نحو العلم الذي يرفرف فوق سطح بيتها، وجلس امجد في حجرها ينظر الى جدته بشوق وترقب.

– لون علمنا الأبيض يا امجد ! رسمناه من شتاء بلادنا ،فالثلوج البيضاء الناصعة تزيّن جبال الوطن،
وتكسو الروابي والبيوت !
الم تر الشتاء الفائت كيف لبست قدسنا الحبيبه حليتها البيضاء كالعروس يوم زفافها؟

توقفت الحاجة عائشة هنيهة عن الكلام ،
فقد تذكرت ابنها الشهيد ،والذي كان يلبس قميصاً ابيضاً يوم استشهاده ، وكأنه القدس الطاهرة يوم زفافها.
مسحت عينيها الدامعتين واردفت:
– اللون الأخضر يا ابن الشهيد ! هو لون الربيع،
لون السهول والجبال، لون الحقول والتلال .
ما أجملك ! وما ابهاك يا فلسطيننا الخضراء !
يوم ان نذرنا انفسنا ان نبنيك ، ونحرس روابيك.

تنفست الحاجة الصعداء، وكانها تلفظ امجاد السنين وتابعت حكايتها وذكريات الحنين:
– اما اللون الأسود يا “ولدي” !
فهذا فصل الخريف ،لون هجرة الطيور وفراقها،
يوم ” تنزح” الأوراق عن امهاتها الأشجار،
لتتلاعب بها الرياح الهوجاء.
انهمرت الدموع ثانية من عيني الجدة !
فبالأمس البعيد استشهد ولدها الوحيد، وقبله نزح اهلها للغربة ، وشرد قومها وابعدوا عن بيوتهم.

لكنها سرعان ما اخفت دموعها عن حفيدها ، وقالت:
– اللون الأحمر يا امجد ! هو لون الصيف ولهيبه ،
موسم الحصاد والبيدر ،موسم العنب وليالي السمر.

وهنا قاطعها امجد قائلاً :
– سبحان الله يا جدتي ! فقد استشهد ابي في الصيف ،حينما كان يعمل في البيدر ، لن انسى دمه الأحمر الذي روى التراب .

لم تستطع الحاجة عائشة هذه المرة ان تخفي دموعها ،فضمّت حفيدها الى صدرها بشدة ، تمسح فوق رأسه بيمينها ،وتقبل جبينه بحنين وشوق.
– هيا يا امجد الى الغداء!
ولا تنسى ان تحكي هذه الحكاية لجميع الأولاد !
دخلا الى البيت ، واغلقت الجدة الباب خلفهما ،
والعلم يخفق فوق سطح البيت بألوان فصوله الأربعة الزاهيه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق