أخبار عالميه

“أرامكو” مقابل خاشقجي والرجاء إغلاق “العربية”! “مزمزة” تشريح مع محمد ناصر وإيلاف إعلامي بين شهبندر وترامب!

«التقيت بخاشقجي في لندن، قبل يوم من اختفائه، وكان ودودا، علما بأن ما حدث في أسطنبول فاجأني، لأنه يمثلني كصحافي وزميل، ولكن بالمعنى الحرفي لهذه المهنة يجب ألا ننساق وراء هذا الضجيج، وكل السيناريوهات المتناقضة، التي سبقت نتائج التحقيقات، وكما هو الأمر محرج للسعودية، كذلك فإنه لتركيا، خاصة في ظل الغموض، الذي يربكنا جميعا»، هذا ما صرح به الإعلامي محمد قواص، على «بي بي سي» العربية، وقد تتفق معه أو تأخذ بعين الاعتبار النبرة الدقيقة والحذرة، التي لا تجنح لخطاب انفعالي، ويتمتع بها عادة في حواراته الإعلامية خلال الأحداث المزلزلة في هذا الشرق «المهستر»، بينما نشرت «بي بي سي» البريطانية تسجيلا صوتيا في الكواليس لخاشقجي قبل ثلاثة أيام من اختفائه، يؤكد عدم اطمئنانه لسلطات بلاده وينفي عودته، وخذ هذه: «قَطّعوه حِتَتْ، وده خاضع لاختصاص تشريحي، أنا كنت أشوف طلاب الطب إزاي بيلعبوا في الميت بأعصاب باردة، لأنهم متعودين على كده، تماما مثل قتلة خاشقجي، على ذمة قالولو، نظارته وقعت، وقلعوه الجاكيته وبعدين القميص طبعا، وبدأوا يمزمزو فيه»!
شيء من هذا القبيل ورد على قناة «مكملين»، مع محمد ناصر، الذي تلقف المعلومات الصادمة لصياغة جريمة فضائية مكتملة استندت إلى غموض التحقيقات فقط، فأين «العربية» من كل هذا؟ هل تصبح الجريمة رواية إعلامية تنافسية، أم مجرد تسلية بوليسية، تلبي نهم فطري لدى المشاهد اتجاه التفاصيل المرعبة، التي يتم تسريبها بين فينة وأخرى، حتى لتغدو اللعبة أكثر امتاعا وتشويقا، طالما أن «العربية» وقلتها واحد، والإعلام التركي هو الذي يتحكم بحناجر القتلة الجافة، ولعاب المشاهد الّسيّال!
الأمر لا يتوقف على «العربية»، التي لم تُجِدْ إدارة الحدث ولو بالإيهام، حتى ليصبح إغلاقها أهم عملية إنقاذ للجريمة، علما بأن الغياب هو البطل الممنوع من الصرف الذي لم يقتصر على بعض التلفزيونات، إنما على البرامج والإعلاميين الكبار، الذين كنا نتوقع تصدرهم للمشهد في هذا الحدث، الذي زلزل الكوكب، مثل طوني خليفة، وبولا يعقوبيان وقد شاهدناها تبحث عن بطولة مزدوجة في الوقت الضائع من الجريمة، ليس ندما، إنما استغلالا، خاصة أن الناجي الوحيد من كل هذه المحاولات الفاشلة للمزج البصري بين الظل والضوء، هو الحريري الإبن، الذي أنقذه الغزاة من كواليس «العربية»، ومن المشاهد المفبركة على «المستقبل»!

تشريح الكتروني

فن التشريح، الذي برع فيه الناشطون ومعدو التقارير على الفضاء الكوني، فاق الإرث الذي تركه الفنان «دافنشي» ووصل إلى 750 لوحة أناتومي، بعد أن قضى عمره يشرّح الجثث في المقابر، مع فارق بسيط، يتمثل في الاستغناء عن المقصات والاكتفاء بالمناشير والمنصات!
الجريمة حدثت أمام العالم وليس من ورائه، مش المهم مَشاهِدْها، لأن الأهم هو دلائلها، فلماذا لم تكشف السلطات التركية عن ملابساتها، بعد، واكتفى الإعلام بتخمينات أو تسريبات أو تصريحات متفرقة من هنا وهناك؟ غير أن السؤال الحقيقي، هو الذي عليك أنت كمشاهد أن تستنكره: لماذا يهتم الإعلام بسعودي يكتب في «واشنطن بوست»، ولا يهتم بـ«لارا القاسم» الأمريكية، التي منعت من دخول فلسطين المحتلة، لأنها تؤيد حركة مقاطعة إسرائيل؟ ثم ماذا عن مقتل راشيل كوري مثلا؟ طبعا هذه ليست مطالبة بغض النظر عن جريمة لصالح أخرى، بل هي اعتراض على محاصصة العدالة بين الضحايا لصالح اعتبارات تجارية لا دخل للإعتبارات الإنسانية والحقوقية فيها؟ إنه ركوب جماعي على الميت، لإنتاج جريمة أكثر فظاعة ووضوحا، تتمثل في مطمطة الغموض، لاستخدام المعلومات كورقة ضغط سياسية، حتى أصبح اللغز أكثر أهمية من الجريمة ذاتها، فمن المسؤول: أنت أيها المشاهد أم المقتول؟
الفتافيت الإخبارية تلقي بها الجهات، التي بحوزتها المعلومات، فتشحن المخيلة والتحليلات بالمزيد من الحكايا المجانية التي تضخم الجريمة، وتسرق الإثارة من القاتل، ومن الإعلام، ما يسفر عن رسوم كاريكاتيرية وبرامج متشظية وتوثيقات وهمية للجريمة، لا تقوم على أسس قانونية أو استقصائية، وهذه مهارة لا أخلاقية، تدخل العالم في غيبوبة وعي أو تسقطه في فخاخ الإثارة، وتمغنطه لأهدافها لا لمعلوماتها – تحرير القس الجاسوس أكبر دليل – ثم تهور البعض بالتقاط الجريمة الوهمية، للثأر من القتلة، واللعب بعواطف الجماهير، دون توسل الحس التحليلي أو الضمير المهني، وهو ما لا يقل خطورة، عن الجريمة الكبرى، التي تتمثل بأن يجعل صحافي ما في هذا الكوكب من نفسه ضحية للآخرين، كما أثبتت صحيفة «التايمز» بعد يومين من مقالة «سقوط خاشقجي في الفخ مرتين»، التي نشرتها «القدس العربي» في هذه الزاوية، ليتحول القتيل من ضحية إلى عصفور، يتم به رمي كل الحجارة في سلة واحدة هي الفخ ما غيرو، فمن هو الشاهد الحقيقي على الجريمة!؟

طلاء القنصلية و«النينجا السوداء»

«سي أن أن»، أفادت وفق مصدر تركي، أن المسؤولين في القنصلية أمروا بإعادة طلاء الجدران لإخفاء معالم الجريمة، أضف إليها محاولات أخرى منها استخدام مسحوق «لومينول»؟ فما الذي استخدمه المحققون يا ترى؟ على ذمة «حماده»، الملقب بفرعون موسى «صدى البلد»، فإن الأتراك استخدموا العتمة أو طفوا النور، ليتحققوا من وجود دماء، ولأن للخبل سحره، لن تملك سوى التماهي مع هذا التحري المسطول، وأنت تتخيل تقمص الشرطة التركية لـ»النينجا السوداء»، وهذه تحديدا هي مخابثة الخبثاء، حسب تعبير معتز مطر على قناة «الشرق» في لقائه مع المرحوم، وهو يحاول ملاطفته أو مراعاة اعتباراته الأمنية، وولاءاته، قبل خديجة، في حين أنه برع وأبدع في مرحلة ما بعد خديجة، حين تساءل عن العقوبة قبل نتائج التحقيقات، وفي ظل تأخر الإعلان عن مصير خاشقجي رسميا!
فهل ستصفق للراجل بتاع «صدى البلد»، حين يعتبر خاشقجي جوز بنت ترامب؟ أو واحد من العيلة؟ أم تبكي لعمرو أديب وهو يعترض على استباحة القنصلية بهذا الشكل الغريب، و بلطجة «بشكتاش»، والحملة الدولية ضد جزيرة العرب، معتبرا ما يجري حفلة وداع لإنهاء مرحلة إبن سلمان، فكيف لا تقبل بأخذ الحكمة فقط من المجانين، مش ثقة، ولا شفقة، إنما لأنهم كالبصلة، كل عضة بدمعة، ولأن الإكراه على الفضيلة لا يصنع الفاضلين، حين تصبح الكتابة رحلة بين منشارين، وليس بين شظيتين، ليس لأن القاتل استبدل أداة الجريمة، إنما لأن المقتول كان متحيزا، ثم أصبح محايدا، وهو في الحالتين ضد الحقيقة، طالما أن الذي (يغير محبته تتغير مخدته)، وهو نصف ما حدث مع الدخيل بين تغريدتين ومنشار فضائي!

خاشقجي ليس عاديا!

«التايمز» تؤكد أن خاشقجي ليس صحافيا عاديا، بسبب اتصالاته الواسعة وأسراره الثقيلة، وتعيد سبب الضجة، التي أثيرت حوله إلى علاقاته غير الرسمية مع كبار الإعلامين، حول العالم، مستنكرة افتقار المكتبة الصحافية إلى كتب ومعلومات كافية عن قصته الكاملة، أو قوسه الأيديولوجي، الذي قاده من كونه شريكا سابقا لأسامة بن لادن إلى أحد مطاعم لندن ثم استراحات واشنطن؟ ثم تؤكد الصحيفة أن الأقل احتمالا للتحدث للإعلام هو الأقرب لخاشقجي، وهو رجل الاستخبارات اللامع، الأمير تركي الفيصل، ولذلك تحديدا ترى الصحيفة أن ما أخاف السلطات في بلاده، ليس لأنه كان رجلها الفضائي، وانقلب عليها، وليس ما كتبه ضدها، إنما ما لم يقله بعد، فهو مستودع أسرارها، أضف إلى ذلك أن موقع «التايمز» الالكتروني يؤكد أن الصحافيين، الذين يصلون إلى القمة في الشرق الأوسط، حتى المستقلين منهم، نادرا ما يكونون صحافيين فقط! فماذا وراء خاشقجي وأنت تكتشف أن حريته ليست هي التي قتلته! لا بل إن «التايمز» تؤكد أنه رفض مشاركة حلفائه الغربيين أسرار بلاده… فهل حقا قتل السعوديون عميلهم؟ أم قتله حماته؟
هذا القتيل المزدوج، هو الذي سيعيد ترتيب الأوراق كلها في المنطقة، وهو تحديدا، من سيقايض الجريمة بشركة «أرامكو»، ليس لأنه أراد هذا، إنما لأنه احتمى بتاجر من شاهبندر، ليخط بدمه ميثاق الإيلاف العصري في رحلة الدم بين الشرق والغرب.

 كاتبة فلسطينية تقيم في لندن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق