اقلام حرة
ليس في كل مرة تسلم الجرة- قصة قصيرة : بقلم عامر عودة
الطقس حار جدا في الخارج، والأم تقود سيارتها وبجانبها ابنها الرضيع الذي لم يبلغ بعد السنة من عمره، ويجلس على مقعد خاص للأطفال مقيد بحزام امان. تشعر الأم بعطش شديد. فتقف سيارتها على جانب الشارع لتنزل وتشتري قنينة ماء بارد، بعد أن تطفئ محرك السيارة ، وتسحب منها المفتاح كما اعتادت؛ فسرقة السيارات قد كثرت في الآونة الأخيرة، وقد أوصت الشرطة أهالي البلد والمنطقة بألّا يتركوا المفتاح داخلها عندما يخرجون منها. فأي مصيبة ستحدث إذا سرقوها وابنها بداخلها؟!
المكيف داخل السيارة توقف عن العمل بالطبع. لكن لا بأس، دقيقتان على الأكثر وستعود إلى طفلها. فهذه ليست المرة الأولى التي تتركه لدقائق قليلة في السيارة لوحده. وتقطع الشارع مسرعة فتدخل إحدى الحوانيت ، وتتناول من البراد قنينة ماء بلاستيكية باردة ،وتدفع ثمنها وتخرج مسرعة كما جاءت..
وفي هذه اللحظة تأتي سيارة مسرعة وتصدمها، فترتمي في وسط الشارع مغمى عليها والدم ينزف من رأسها..
يأخذونها بسيارة الإسعاف الى أقرب مستشفى، وهي تتمتم بكلمات غير مفهومة.. فطفلها في داخل السيارة والطقس خماسينيّ حارّ جدا.. وهو يبكي ويصرخ.. لا أحد يسمعه..
درجة الحرارة داخل السيارة تبدأ بالارتفاع.. والأكسجين بدأ ينقص .. طفلها لم يعد قادرا على الصراخ والبكاء.. قواه بدأت تضعف.. العرق يتصبّب من كافة أنحاء جسمه.. يشعر بالاختناق.. يضيق تنفّسه.. وهي تصرخ وتستغيث مَن حولها.. لكن لم يفهمها أحد ولم يعيروا لصراخها أي اهتمام..
بعد ساعات طويلة تصحو من غيبوبتها. فترى نفسها نائمة على السرير وبجانبها ممرضة، فتجمع ما بقي بها من قوة وتقول للممرضة بصوت ضعيف لكنه مفهوم هذه المرة:
– ابني بالسيارة.. أنقذوا ابني..
فتبدو الدهشة على وجه الممرضة، وتخرج مسرعة منادية على زوج هذه المرأة، الذي ينتظر في الخارج، فهي لا تعرفها ولا تعرف تفاصيل الحادث الذي جرى معها. فيبدو أنها نسيت ابنها في السيارة قبل أن يحضروها إلى المستشفى، وهذا أمر خطير..
– الحمد لله على سلامتك.
يقول لها زوجها ويقبلها من خدها وهي ترتعد وتردد جملتها الوحيدة بأن ينقذوا ابنها. فأردف:
– ابننا بخير لا تقلقي.. فقد أنقذه أحد المارّة بعد دقائق من الحادث. بعد أن كسر زجاج السيارة وأخرجه.
فعانقت زوجها وهي تنتحب وتقول:
– لن أترك ابني مرة ثانية في السيارة لوحده ولو لثانية. فليس في كل مرة تسلم الجرّة.
(عامر عوده)