مقالات
فلسفة التّصفيقِ والمُصَفِّقين بقلم : صالح أحمد (كناعنة)
إن للمصفقين والمصفقات – أيها السادة- فلسفة عجيبة وعميقة!! لطالما تركتني في حيرة من أمري!! فالتصفيق ليس مجرد عادة كما تظنون يا سادة… بل هو فلسفة متعددة الأبعاد والأحوال والجوانب والأطراف… والدليل على ذلك: أنك إذا نظرت إلى جمهور المصفقين؛ تجدهم يصفقون وفي كل أحوالهم، حتى أنك لتقف في حيرة من أمرك، ولا تدري على أي وجه فلسفي ستأخذ تصفيقهم!! ووفق أية مقاييس فكرية وحضارية ستصنفه!
إنهم يصفقون حماسا… ويصفقون غضبا… ويصفقون فرحا… ويصفقون تحدّيا… ويصفقون إعجابا… ويصفقون تأييدا… ويصفقون احتجاجا… ويصفقون تذكّرا… ويصفقون نسيانا… يصفقون ظهورا، ويصفقون تظاهرا… ويصفقون اتفاقا… ويصفقون نفاقا…
إلى درجة أن الحليم بات حيرانا… كيف يمكن أن نتصور شكل حياة هؤلاء دونما تصفيق؟!!
ولأهمية الموضوع… حاولت مرّة إخضاع حالة التصفيق للدراسة والبحث… مسخِّرا كل خبراتي العلمية، وتجاربي البحثية من أجل ذلك… وكان سؤال البحث المركزي الذي طرحته:
– متى تتجلى أشد حالات التصفيق حماسة وحرارة ؟
استحضرت عينة من أبرز المصفقين… اخترتها من مخزون ذاكرتي المكتظة بأسماء المصفقين وأحوالهم… ولم يكن الاختيار عشوائيا بالطبع؛ فالأمر لا يحتمل… بل منتقًى بعناية “وعلى الفرازة كما يقولون”. فقد اخترت أبرز المصفقين… وأكثرهم حماسة وشهرة… وهم بالطبع من أكثر رواد ميادين التصفيق؛ تتبعتهم في أكثر مواقف التصفيق حساسية:
1- في صف السحجة… وساحات الرقص والطرب..
2- في المهرجانات والاحتفالات الخطابية المشهودة الرنانة.
3- في المظاهرات الصاخبة… “أعراس الشعارات” …
وخلصت بعد متابعة دقيقة ودؤوبة إلى نتيجة ليست بالنتيجة! لقد تيقنت أن حدسي كان صائبا… وأن تصفيقهم لا يختلف من حال إلى حال… ذات التصفيق… بنفس الحماس… بنفس القوة… بنفس تعابير الوجه والجسد… ونفس الايحاءات والإخفاءات!!!
فقررت أنّ الحدس والملاحظة لا يكفيان… ولا بد من الدراسة العلمية والبحث العلمي المحض… لأقدم للقارئ والدارس مادة بحثية ومرجعية علمية في الموضوع… فقمت بإعداد برنامج للدراسة بعد استشارة ذوي الخبرات والنّبرات… تمخّض عن نموذج استطلاع تضمن مجموعة من الأسئلة الدّقيقة الموجّهة والشاملة… واليكم نموذجا منها، مرفقا مع أكثر الإجابات التي تلقيتها دقة وموضوعية… وأشدها مباشرة للموضوع… وصدقا في التعبير والطرح… هذا بالاضافة الى كونها صادرة عن أشد المصفقين حضورا وحماسة وشعبية…
(الإسم محفوظ لدينا للضرورات الديموقراطية… وحفاظا على نزاهة وموضوعية البحث والدراسة، وأهم من كل ذلك؛ حفظا لماء الوجه والمكانة الاجتماعية!!).
س- متى تشعر بالرغبة في التصفيق؟
ج- في كل وقت: قبل الأكل وبعد الأكل… قبل الكلام وبعد الكلام… قبل العرس وبعد العرس… قبل الخطاب وبعد الخطاب… قبل الحدث وبعد النتيجة… قبل النوم وبعد الحلم…
س- في أي الحالات تشعر أن تصفيقك كان صادقا وبحق؟؟
ج- أنا أصفق لأني أصفق… ولا أدري غالبا لماذا أصفق! لذا أستطيع أن أؤكد لك وللجميع؛ أنني صادق في كل تصفيقاتي… وما لَطَمَت كفي أختها إلا بصدق… والله على ما أقول شهيد ووكيل.
س- هل حدث يوما أن شعرت أنك لا تريد أن تصفق؟
ج- نعم… وفي حالات كثيرة… وخاصة، وعلى أشد الخصوص؛ عندما أكون في قمة التصفيق، وذروة الحماسة له وفيه…
س- هل لك أن تشرح لنا دورك في الحياة في كلمتين؟
ج- أن أصفق… وأصفق… وأصفق…
س- كيف تتخيل حياتك بدون تصفيق؟
ج- سأصفق للحياة إذا نجحت بإلغاء التصفيق من جدول أعمالها …
س- هل شعرت يوما أنك مظلوم لأنك تصفق للآخرين… ولا تجد من يصفق لك؟
ج- عندما أصفق، وأنسجم مع التصفيق… أنسى الدنيا وما فيها… فلا أعود أرى أو أحس بأحد أو بشيء! وعندها… لا أعود أشعر أنني أصفق لأحد أو لشيء… بل مجرد أصفق… ولا أستطيع إلا أن أصفق!!
س- أنت تصفق في الفرح وفي الحزن… في الزفات وفي المظاهرات… في التأييد وفي الرفض… في الوجه وفي الظهر… ألا تشعر أن في الأمر تناقضا غريبا ؟
ج- وين الغرابة يا أخ!! مادام للتصفيق معنًى واحدًا: “كفّك ع الضيعة”!