شعر وشعراء

بغداد تسكن جرحي للشاعر محمد نصّيف

” بغـدادُ تَسْكُنُ جُرحي ”

هـذي جِـرَاحِي جَمْرة ٌ و رَمَـادُ
مــوصــولــة ُ الآلامِ يـا بــغـــدادُ
هـذي جِـراحِي كَمْ لَجَمْتُ لَهـِيْـبَهَا
لـكِــنَّــه ُ بِـجـَـوَانِـحِـي وقــَّـــــادُ
والحزنُ يفترشُ الضلوعَ بجمرهِ
ويـفـرُّ مـنـِّي كالــطــريـــدِ رُقَــادُ
وتَحَجَّرَتْ وَسْطَ العيون ِ دموعُها
إذ لَمْ يَعـُدْ يـَسـَعُ الجـراحَ ضـِمـَادُ
بغـدادُ قـولـي هَـلْ سَـمِعْتِ تَوجعي
سَـحَـقَـتْ ضُلوعـي غربة ٌو بعَـادُ
ومخـالـبُ الـشـوقِ الأليمِ تَنَازعَتْ
قـلـبـي وأدمـى مـقـلَـتَـيَّ سُــهـــادُ
غَارَتْ بخاصرتي خناجرُ حسرتـي
وغـفـا على نـصـلِ الهـوانِ فــؤادُ
يا زهـرةَ الزمنِ الـعـريـقِ وزهـوَهُ
يا مَنْ تُـزيِّـنُ جــيـدهـا الأمـجـادُ
هَلْ أنـتِ بــغــدادُ الـتي شعـراؤهَا
أودى الهوى بـقـلـوبِهـِمْ فـأجادُوا
بينَ الرُصافـةِ إذ تمرُّ وجـسـرِها
ســودُ الـعُـيُـونِ تُحَـرَّقُ الأكــبــادُ
تَـسْبي عقولَ الـناظرينَ بِسِحْرِها
إذ لا يُـفِـيـدُ الــنـاظــريــنَ رَشَـادُ
بـغــدادُ يا دارَ الرشـيـدِ تجـمَّـلي
كَمْ طـابَ في أرجـائـِكِ الإنـشـادُ
ذبحُـوْكِ يا بـغـدادُ ؛ كيفَ تجرَّأتْ
وتَـقَـاسَـمَتْ أضـلاعَـك الأوغــادُ
سَرَقُوا البريقَ وأطفؤوكِ بظلمِهِمْ
إنّ انـطــفــاءَكِ لـلـغــزاة ِ مُــرادُ
جَـعَـلُـوا البيوتَ مقابـرًا فَتَنَاثَـرتْ
حتّى اسـتـوتْ بـركامِهـا الأجـسـادُ
هَدَمُوا المساجدَ والمصاحفُ أُحرِقتْ
وعلى اسـمِهَا كمْ تُـقْـتَـلُ الـعُـبّـادُ
رَحَـلَـتْ مآذنُ حـيِّـنا مـخــنـوقـــة ً
وَمَضَى يُؤازرُ حـزنَهَا الـسجّـادُ
مهجورة ٌ سادَ الكنائسَ صمـتُهـَا
كَمْ كانَ يُسـعـدُ جـوَّها الـمـيـلادُ
قد شرَّعُوا القتلَ الرخيصَ مغـانماً
حتّى ارْتَـوَتْ بـدمـائِـنـا الأبـعــادُ
حَـمَـلَوا إليكِ مِنَ الـيهودِ ضغـائناً
فَغَـزتْ هـواكِ نــتـانــة ٌ وفــســادُ
حمَلَوا مِنَ الفرسِ المجوسِ عقائداً
نَـزّتْ على جَـنَـبـَاتِـهـَا الأحـقــادُ
عَـرَضَوا عمالتَهُمْ كأبخسِ سلعةٍ
فَـبهـا تـضيـقُ مـتـاجـرٌ ومــزادُ
مَـلأوا الحـياةَ مـرارةً فَـتَـوَشَّحَـتْ
بالقهـرِ والرعـبِ المـمـيـتِ بــلادُ
في كلِّ مـنـعـطـفٍ تَـوَزَّعَ شـرُّهُـمْ
وبـكـلِّ سـاحٍ مـأتـــمٌ وحِــــدَادُ
سَكَنَتْ شوارعَـكِ الجـميلةَ وحشةٌ
غَـشِـيَـتْ نهـارَكِ ظـلـمـة ٌ وسـوادُ
وضِـفَـافُ دجـلةَ كَمْ بَكَـتْ روّادَهَا
إذ ْراحَ يـهـجــرُ مـوجَـهَـا الـروادُ
لمْ يـبـقَ مِنْ بــغــدادَ إلاّ صـورة ٌ
يـنـعـى سَـنَـاهَا للـورى الإجـهـادُ
نَضَـبَتْ قـصائدُنا وجرحُكِ نـازفٌ
قـدْ ضاقَ عَنْ فيض النَّزيـْفِ مِدَادُ
والموتُ يَعـصُـرُ طـيـفُـهُ أرواحَـنَـا
مُـذْ صـارَ يَـمـلِـكُ أمـرَنَـا جـلاّدُ
ودماؤنـا كالـنـفـطِ تُهْـدرُ خُـلـسـةً
تــاهَ الــقــيــاسُ وألـغـِـيَ الـعـدّادُ


مقالات ذات صلة

إغلاق