عواصم ثقافيه
المسرح السوري في سنين الجمر(1-2): هل كتب السوريون تراجيديتهم؟
خير ما تسمى به الحالة السورية، هو “تراجيديا إنسانية”، تراجيديا بكامل عناصرها المأساوية، وضعت الجميع أمام أسئلة جذرية عن الهوية والمجتمع والحرية، وفرضت واقعاً مشتعلاً يكوي كل من يقاربه. من هنا، وكغيره من المجالات الاجتماعية، وجد الفن نفسه أمام واقعٍ قاسٍ وزاخر بالأحداث، هرولت السينما نحو توثيق اللحظة الراهنة، وفتحت السردية السورية الكبرى الأدب على مصراعيه أمام أناس متعطشين للبوح، ماتت فنون أو تكاد، وأحييت أخرى، ولكن، ماذا عن المسرح السوري في هذه التراجيديا؟ وقبل ذلك، علامَ يدلل تركيب “المسرح السوري”؟ هل يقتصر على المسرح المُقدم في سورية تحت ظروف قاسية جداً، أم أنه يتسع ليشمل المسرحيين السوريين المتفرقين في أصقاع الأرض؟ وإذا كان المسرح عامة ــ والسوري على وجه الخصوص ــ محكوماً قبل أعوام “بالأمل” فهل هو اليوم محكومٌ بالعمل؟
في ظل هذا التوسع لمفهوم المسرح السوري، لم يعد ممكناً لمقالٍ نظري ــ مهما اتسع ــ أن يحيط بحال المسرح السوري في ظل الانفجار الذي تشهده سورية اليوم، لذلك سعت “ضفة ثالثة” إلى نقل حال المسرح السوري اليوم على لسان فاعليه الذين تحدثوا عن أثر الحالة السورية على المسرح، هل عاد الزخم الحاصل بالإيجاب على المسرح السوري أم لا؟ وكيف تم ذلك؟
– S
د.ماري الياس:
لم يكتب السوريون تراجيديتهم
كانت الناقدة والمترجمة د.ماري الياس، وهي المدرسة العريقة في المعهد العالي للفنون المسرحية، من أوائل الفاعلين الثقافيين الذين سعوا إلى خلق مسرح مستقل في سورية، عبر عمل مؤسساتي تطور حتى استحال إلى مؤسسة “مواطنون.فنانون” المستقلة التي تقدم كل عام دعماً للمشاريع المسرحية السورية. عن التراجيديا السورية والمسرح قالت:
“بالفعل تحولت الحالة السورية إلى تراجيديا إنسانية، لكن لم ينعكس هذا في المسرح السوري إلا قليلا، بل وقليلاً جدا. ببساطة لم يكتب السوريون إلى الآن “تراجيديتهم”، لم يكتبوا إلى اليوم ما يعطي هذه التراجيديا حقها. لم أطّلع على كل ما كتب، لكن ما يلفت النظر هو ما يُقدم داخل سورية، ومحاولة تجاهل الحدث، وهي أحد الأسباب التي تستدعي دعم العروض المسرحية التي تقارب التراجيديا السورية، فالأغلب يقارب الحدث من مسافة بعيدة جداً، لذلك نرى جل العروض المسرحية المقدمة في سورية تطرح أفكاراً هامشية نسبة لزخم هذه التراجيديا الإنسانية، وإذا كانت الرقابة قد حالت دون تقديم عروض مسرحية تقارب الحدث فعلاً، فإن هذه الرقابة ليست حاضرة بذات الصورة في عملية الكتابة المسرحية التي عجزت هي الأخرى إلى اليوم عن كتابة ما يتسق مع التراجيديا التي نحياها.
أما المحاولات التي حصلت خارج سورية، فأغلبها اتجه إلى اللاجئين، لكن هل يكفي طرح موضوع اللاجئين مسرحيا لنقل المأساة السورية؟! فمثلا عمل كل من عمر أبو سعدة (مخرج) ومحمد العطار (كاتب) في عروض “بينما كنت أنتظر، الطرواديات، أنتيغونا” ، وقاربا الحالة السورية. وتجدر الإشارة إلى أن العطار كان أول من كتب للمسرح في هذا السياق، وحاول مع أبو سعدة الاستناد إلى التراجيديا اليونانية في مقاربة التراجيديا السورية، كما في عرضهما “الطرواديات” عن نص بالاسم ذاته للكاتب اليوناني يوربيدس. أعطى يوربيدس اليوناني الكلام فيه لنساء من طروادة يتكلمن عن مأساتهن، وهنا مكمن القوة في النص، الكاتب المنتصر (اليوناني) يتكلم بلسان العدو (الطروادي)، وللأسف في العرض السوري لم تستثمر نقطة القوة تلك، كونه أعطي الكلام لنساء لاجئات لم يستوعبن مأساتهن تماما، كونها مازالت حديثة العهد.
من جهة أخرى، حاول بعض الشباب الكتابة من خلال ورشات الكتابة المسرحية، أذكر منها اثنتين نظمتهما “مواطنون.فنانون” وورشة أقامتها “Royal court” و”Britsh counsl”، وأنتجت هذه الورشات بعض النصوص منها نص “عندما تبكي فرح” لمضر الحجي الذي تفاءلت به خيرا لما فيه من بادرة نقدية للثورة الحقيقية، الثورة على الذات قبل المجتمع. لكن رغم ذلك، لم نقرأ نصاً إلى اليوم يقدم نظرة أدبية شاملة على ما جرى، وقد يكون هذا منطقيا كوننا ما زلنا في عين العاصفة، وما زالت الصورة غير واضحة.
تدعم اليوم “مواطنون.فنانون” المشاريع المسرحية المستقلة، لكن هذا ليس وليد الثورة، بل من الخطأ الحديث عن نشوء مسرح سوري مستقل بعد الحراك فقط، فأنا عملت منتصف العقد الماضي مع المعهد المسرحي في استوكهولم على تمويل عروض مستقلة داخل سورية، وقدمت للسويديين حينها اقتراحا يُعنى بتشجيع الشباب على الكتابة والإخراج المسرحي، وبالفعل تم المشروع، وتم تمويل بعض العروض وتشجيع الشباب على تقديم مسرح مستقل، ومن جملة العروض التي دعمناها وشجعنا أصحابها عرض “الشريط الأخير” لأسامة غنم، وعرض “المرود والمكحلة” لعمر أبو سعدة، وعرض “قصة حديقة الحيوان” لرأفت الزاقوت.
استمر هذا العمل الثقافي المستقل، وتطور، وانبثق منه “مواطنون.فنانون” التي اتسع معها هامش المنح المسرحية، وورشات الكتابة، لكن ما حصل هو ارتباك الفنانين الشباب لهول ما حدث من جهة، وانكفاء المؤسسات الحكومية بعد 2011عن دعم المسرح المستقل من جهة أخرى، حيث أُجهضت العلاقة البناءة بين المسرح المستقل ممثلاً بصناديق الدعم والمسرح الحكومي ممثلا بمديرية المسارح والموسيقى، هذه العلاقة التي جاهدنا إلى بنائها وشد أواصرها منذ عام 2006.
د.سمير عثمان:
المسرح لا يتطور في زمن الحرب
لم يتوقف د.سمير عثمان عن العمل المسرحي الأكاديمي في أيام الحرب، فبعد أن كان أستاذاً في قسم التمثيل ورئيساً له، عاد إلى تطوير مشروعه “مدرسة الفن المسرحي”، عن المسرح والحرب قال عثمان:
المسرح لا يتطور في زمن الحرب. لقد شتت الصراع السوري كوادر البلد، وحطم المعايير، وأدى إلى تضييق الأفق الضيق أصلاً… المؤسسات الثقافية الرسمية استمرت بالإنتاج بالرغم من قلة الإمكانات المادية وندرة الكوادر، كي تثبت أنها لم تلفظ أنفاسها. ولتحقيق ذلك فسحت المجال للهواة ليصعدوا إلى خشبة المسرح المحترف. وطبلت لبعض المسرحيين المتواضعين فنياً وعلمياً والموثوق بانتمائهم كي يكونوا نجوم المرحلة… من جهة أخرى تلقفت المؤسسات المانحة في الخارج (وهي شكلانية ومشتتة وبيروقراطية) كل من قال من المسرحيين: أنا معارض… ومنحتهم فرص إقامة عروض مسرحية وأبحاث، لم ولن تؤثر لا بالقضية السورية ولا بتطوير المسرح السوري…
إنّ مجرد انقسام المسرحيين السوريين في الأزمة إلى فريقين أحدهما يطبل والآخر يزمّر، لهو دليل قاطع على عدم وجود مسرح سوري حقيقي، عميق وفعّال. كما أنّ الحرب السورية ليست حدثا بدئياً للتراجيكوميديا السورية الحالية، بل هي الذروة في هذه المأساة الهزلية الممتدة. لذلك فإن الضحالة التي ظهرت في المسرح مثلا، هي نتيجة طبيعية للخط البياني الساقط منذ عقود، والذي يعكس فشل أمة كاملة في بناء دولة ومجتمع ومسرح..
د.سامر عمران:
كيف كان حال المسرح قبل الحرب؟
قدم المخرج سامر عمران عروضاً مسرحية عدة قبل الحرب وبعدها، وكان عميداً للمعهد العالي للفنون المسرحية قبل الحرب وبعدها أيضا، عن المسرح وأثر الحرب عليه يقول:
في الحقيقة لا أعرف بدقة إن كان هناك أثر إيجابي أو سلبي على المسرح في فترة الحرب المدمرة التي نعيشها، السؤال مبدئيا كيف كان حال المسرح قبل الحرب؟ في الحقيقة لم يكن هناك مسرح محترف يولِّد تقاليد فرجة وإنما مجرد تجارب فردية يمكن أن تكون جيدة فنيا وفكريا هنا أو هناك بين فترة وأخرى، ولا يبدو لي أن هذا محض صدفة، وتحدثت أكثر من مرة أن هذا أيضاً واحد من مسببات ما يجري في البلد، إن نظرنا بموضوعية وبعين محايدة سنجد أن الكثير من فناني المسرح استطاعوا إيجاد صيغة ما لتكوين مجموعة تقدّم ما يمكن تقديمه على المسرح وهذا التحدي للموت والعنف وللتطرف، هذا من مميزات المسرح كمكان للإبداع الجماعي والذي يكتمل بحضور المتلقين للمشاركة بهذا “التحدي”.. أما على المستوى الآخر فأظن – خصوصا في السنتين الأخيرتين – أن العروض أخذت صيغة مالت للتعبير الشعاراتي المباشر عن توجّه أصحابها إيديولوجياً، في حين أعتقد أن هذه لربما يمكن أن تكون من مهام الإعلام، ولعبت بعض الصحافة دورا سلبيا بتكريس هذا الجانب وذلك بتخوين أي عرض لا يتحدث بهذه الطريقة – ولو بصيغة مباشرة وساذجة – وكأنه شريط إخباري، نحن بحاجة لسؤال أعمق ولرؤية فكرية وفنية أبعد تُفضي إلى انفعال مؤثّر ومغيّر لدى المتلقي وهذا يتطلب الحد الأدنى من شرط الحرية المسؤولة عند فنان المسرح، والحد الأدنى من الشروط المادية والتقنية، وهذا غير متوفر حاليا ولا أظن أنه سيتوفر في المستقبل القريب.. والمشكلة ليست في الحرب بذاتها وإنما بانتهازها واستخدامها لمصالح محض شخصية من قبل المسؤولين المؤثرين على الحركة الثقافية عموما والمسرحية خصوصا.. يكفي أن تعقد مقارنة بسيطة بين إنتاج فيلم سينمائي مهما قلَّت تكاليفه وبين إنتاج عرض مسرحي مهما بلغت تكاليفه، لتعرف حال المسرح السوري، وطبعا نحن نتحدث الآن وهنا، في خضم الحرب.
عبد الله الكفري:
المهم أن يبقى العمل المسرحي جارياً
منحت مؤسسة اتجاهات دعماً للمشاريع المسرحية المستقلة، في سعيها لتأسيس ثقافة مستقلة، بحيث ساهمت في خلق المزيد من الفرص أمام شباب المسرح السوري. كيف تلتمس المؤسسات المستقلة أثر الحرب على المسرح، يجيب المسرحي عبد الله الكفري المدير التنفيذي لمؤسسة اتجاهات قائلاً:
من منطلق مؤسساتي أكثر منه فردياً، أؤكد أن الحراك أثّر بالإيجاب على المسرح السوري. والأهم هو السؤال عن كيفية هذا التأثير، فالحراك أثر على مستويات عدة: هناك تغييرات جذرية أصابت المشهد الثقافي السوري عموما، والمشهد المسرحي على وجه الخصوص، أولها انتقال الفنانين، إذ انتقل جل الفنانين السوريين من بيئتهم إلى بيئات أخرى، عربية أو أوروبية، وبصورة خاصة لبنان، حيث انتقل العديد من الفنانين السوريين إليه، وقابلوا جمهوراً جديداً، وقدموا أعمالهم في كنف سياسة ثقافية مختلفة عن سورية. في سورية الفنان يفترض وجود مؤسسة رسمية تقوم بدعمه عبر أشكال متنوعة، سواء عن طريق تأمين مكان البروفات، أو بتأمين مكان العرض…إلخ، بينما في لبنان فلا وجود لمؤسسة رسمية بالمعنى السالف، لا يوجد مسرح قومي في لبنان، والدعم في مجال المسرح ينحصر في صورة مناسباتية، لكن في المقابل أتاح هذا الانتقال أمام الفنان المسرحي السوري فرصا متعددة، ما خلق حيوية وجرأة على التعاطي مع العمل المسرحي. ورغم أن هذه التجارب ما زالت في طور اكتشاف الأدوات واختبارها، إلا أن أهميتها تكمن في تحريكها الوسط المسرحي السوري.
أحد أكبر التحديات التي تواجه الفنان السوري اليوم هو أن الإنتاج المتاح له، متاح مرة واحدة، وهذا يؤدي بدوره إلى أسئلة حول ضرورة المراكمة، وصعوبتها في ظروف إنتاجية كهذه، حيث للفنان فرصة واحدة فقط. زد على ذلك، أن هناك التفاتاً إلى ثيمات معينة دون سواها من جهة الداعم، فغدت موضوعات الحرب والثورة والتهجير محددات لدعم المشاريع.
وهناك مستوى آخر من التحديات يخص الفنانين السوريين الذين انتقلوا إلى أوروبا، حيث البيئة جد مختلفة، وتنتصب أمام الفنان تحديات مختلفة انطلاقا من اللغة وانتهاءً بالسياق الثقافي، يضاف إليها عدم الاستقرار. لكن، وبالرغم مما سلف، أرى أن هناك حيوية في المسرح السوري اليوم، وظهرت تأثيرات جلية على المسرح السوري إبان الحراك، منها النص المسرحي السياسي على سبيل المثال، إذ يوجد اليوم كتاب مسرح سوريون يعبّرون صراحة أن نصهم سياسي، وبغض النظر عن فحوى الرأي السياسي، إلا أن هذه الحالة جديدة على المسرح السوري وتستحق الوقوف عندها ودراستها.
من جهة أخرى، يواجه المسرح السوري ــ وينطبق هذا على الفن السوري قاطبة ــ إشكال “استحالة المتخيَّل”، فإلى اليوم ما زلنا ننتج أعمالا فنية لصيقة بالواقع لا تتجاوز التوثيق والتفسير والقراءة، ولهذا أسباب تفسره منها هول ما حدث ويحدث في سورية اليوم، وبالطبع يبقى ذلك رهن مرور الزمن.
على المؤسسات الثقافية المعنية بالإنتاج الثقافي السوري ودعم الفنانين المستقلين مواصلة دعم الفنانين بعيدا عن التقييم. فمثلا في “اتجاهات” نعنى جدا بالمنتج الفني، والمعيار الوحيد الذي على أساسه نختار المشاريع هو جديّة العمل الفني، ولا نلتفت لمنطقة دون أخرى في دعم المشاريع، فالفنانون السوريون ورغم وجودهم في سورية تحت ظروف قاسية جداً لكنهم لا يزالون قادرين على المنافسة والعمل. لذلك تتوجه اتجاهات للفنانين السوريين، سواء في سورية أو خارجها، في لبنان أو في أوروبا، أينما كان، المهم أن يبقى العمل المسرحي جارياً في ظل الظروف الصعبة التي تمر على الجميع من دون استثناء.
مضر الحجي:
لماذا المسرح؟
في نصه “عندما تبكي فرح”، يسائل الكاتب المسرحي مضر الحجي المفاهيم الثورية التي نادت بها الثورة السورية، مختبراً أثرها على شخصياته، مثلما اختبر اللغة في نصه الجديد “حبك نار”. يؤكد “الحجي” ضرورة التمهل قبل تقييم أثر سنين النار على المسرح السوري “لكننا نستطيع رصد إشارات معينة في طريقها إلى أن تغدو أكثر وضوحا مع الزمن، وبالتالي أكثر قابلية للتقييم، لكن واحدا من أهم المستجدات التي حضرت في المشهد المسرحي السوري –إن جاز لنا أن نسميه مشهدا- هو سؤال المعنى، لماذا المسرح؟ أعتقد أن السؤال حاضر في ذهن أي مسرحي سوري محترف وإن تباينت الأشكال في تمظهرات السؤال أو طرق الإجابة عنه، وبعد أن تجاوز معظمنا الجواب التقليدي: “أنا أعمل في المسرح لأنني فنان مسرحي، وهذه هي مهارتي أو حرفتي في الحياة” فقد بدأ البحث الجدي العميق في إجابات أخرى أكثر عمقاً وأكثر أثراً على الشكل المسرحي وعلى المضمون أيضاً. وهنا تكمن أهمية سؤال من هذا النوع، إذ إنه ينعكس بالضرورة على المنتج المسرحي، خاصة أنه يحيل في بعض جوانبه إلى حضور المتلقي في العملية المسرحية كعنصر بات اليوم أكثر وعياً وذكاء وقدرة على قراءة المنتج المسرحي، وربما كان التحول في شخصية المتلقي المحرك الأكبر لكل التحولات في ما سميناه المشهد المسرحي السوري، متلقٍ لا يكتفي اليوم بالذهاب إلى المسرح، إنه أكثر قدرة على طرح سؤال، لماذا أذهب إلى المسرح؟ ما الذي انتظره منه؟ ما الذي يمكن أن أجده على الخشبة لا أستطيع أن أجده على شاشة التلفزيون أو في وسائل التواصل الاجتماعي؟ ومن هذا المنطلق أعتقد أننا بدأنا بالتفكير بالمتلقي بطريقة مختلفة عما كانت عليه من قبل، وربما التفكير بمكان مختلف كليا للمسرح في حياتنا.
في كل مرة أفكر فيها في موضوع تحولات المسرح السوري، أجد نفسي وبشكل تلقائي أفكر في إشكالية اللغة في المسرح- على سبيل المثال- كنت لفترة طويلة مضت أكتب نصوصي باللغة العربية الفصحى، وكنت أعزو الأمر إلى قدرة الفصحى الأعلى على التعبير، لكن مجمل ما ذكرته مسبقاً دفعني للتفكير بشكل مختلف باللغة، وربما ارتبط الأمر بالعلاقة مع المتلقي الذي غدا بالنسبة لي أكثر أهمية، وخضت تجربة اللغة العامية في نصي الأخير “حبك نار” بالنسبة لي كان الأمر بمثابة التحدي الفني الذي أستطيع القول إنني سعيد بخوض غماره، كيف للغة العامية أن تكون حاملاً للدراما وأن تحافظ على التوازن بين الواقعية والشعرية وأن تتفادى الوقوع في الثرثرة في الوقت ذاته. أعتقد أن سؤال اللغة وإن كان يتعاطى مع الشكل المسرحي، إلا أنه أثر بشكل كبير وعميق في المحتوى، وأتحدث هنا أيضاً عن تجربتي في نص “حبك نار”.