مكتبة الأدب العربي و العالمي

الشاب والمتسولة

شاب بار بوالديه كان كل همه إسعاد والديه كان يفعل كل ما يطلبانه منه حتى أصبح روتينه مملا كانت كل مشاغله الدراسة في الجامعة و تلبية حاجات والديه بعد عدة سنوات أنهى دراسته الجامعية و وجد نفسه عاطلا عن العمل و يملك من أوقات الفراغ كثيرا فإنتابه نوع من الإكتئاب فبدأ روتينه يتغير و أصبح أنيسه الليل المظلم و أصبح كل ليلة يهيم بوجهه إلى أي مكان إستمرت حاله هذه شهورا إلى أن مر ذات ليلة بأحد الأزقة الموحشة فرأى سيدة تفترش الأرض و بيدها رضيعة حديثة الولادة كان عمرها شهر أو شهرين هكذا قال في نفسه دنى من السيدة و لا حظ أن بها كدمات و ملابسها رثة و ممزقة و تبدوا عليها جروح الشجارات فادخل يده في جيبه و استل ما يوجد من مال و وضعه أمامها و أكمل سيره و مشى عدة خطوات و إذ بالسيدة تشده من الخلف و توقفه فاستدار لها فوضعت المال في يده و قالت خذ مالك لست متسولة و لا أحتاج شفقة منك رد عليها أنا آسف خذيه من أجل الصغيرة فكررت رفضها فأخذ ماله و هم بالرحيل أثناء ذلك كان يفكر لما لم تقبل منه المال و وضعها هكذا بقي يفكر ثم قال سأعود الليلة القادمة و أحاول أن أعلم حالها، وكان هذا ما حدث ففي الليلة التي اتت بعدها مر من ذلك الزقاق بخطوات متثاقلة و مر عليها و لكنه لم يتجرأ على السؤال بل أكمل سيره حتى نادته
و قالت يا سيد ما سبب اكتئابك إستدار بسرعة و قال و هل يبدو علي ذلك أجابت بكل ثقة نعم إنك كئيب فتوجه إليها و سألها كيف علمتي ذلك قالت له لقد مررت علي مرتين و لم أرك من قبل في مرة وضعت النقود و في مرة قادك الفضول و أنت تجوب الليل لذا أنت مكتئب إندهش الشاب من ذكائها فقال لقد صدقتي إني أجول في الليل و أحوم لأني مللت من وضعي و حتى اتفادى التفكير السلبي.
طلبت المرأة من الشاب الجلوس و اعتذرت على فضاضتها فقال لا بأس و بدأت بالتكلم و قص القصص له و اخذا يتسامران حتى طلوع الفجر فنهض و لكنه لم يسأل أبدا عن حالها و استمر كل ليلة يذهب إليها و يسمع لما تقول كان قد أعجبه كلام السيدة و لم يجرأ يوما على السؤال عن ما أوصلها إلى هذه الحال خشية أن ترفض أو تكون فضة و كان في بعض الأحيان يلاعب تلك الصغيرة كل ليلة إلى أن أتى فصل الشتاء و موسم البرد و الأمطار فبدأ بإحضار ما تيسر له من الأكل و الشرب و منحها إياها و كانت تقبل منه الأكل و لا تقبل منه أي دينار أو درهم كما أحضر لها فرشا و بطانية و وفر لها و للصغيرة ملابس و بعض الحاجيات و ذات ليلة و من الإعياء و شدة المرض نام الشاب في بيته و لم يتجول في الليل و عند دنو الفجر سمع صوتا قويا هز أركان غرفته كان صوت الرعد إستيقظ مفزوعا و خائفا و كان وجهه يتعرق نظر إلى النافذة و إذ به يرى تساقط الثلوج بقي محدقا إلى أن تذكر المرأة و إبنتها فارتدى ملابسه و ذهب في عجل إليهما عندما وصل إليهما بقي واقفا متجمدا مدة من الوقت في مكانه من المنظر الذي رآه كيف لا و قد كانت السيدة تحمل البنت بعد أن لفتها بجزء كبير من ثيابها و ضمتها إلى صدرها لتوفر لها بعض الدفئ و وضعت البطانية عليها عدلت جلوسها و جعلت الفتاة إلى الحائط و هي بظهرها إلى الزقاق لمنع الهواء من التسلل للبنت أما هي فبقت للبرد إلى أن توفيت حمل الرجل الفتاة الصغيرة من السيدة و حدق بالمكان فوجد علب الكرتون تحتوي على كتابة فقرأها فاذا بها رسالة من السيدة و قالت فيها أيها الصديق أمير بالليل اذا قرأت هذه العلب فربما أكون غادرت الحياة دعوت الله إن مت أن تكون أول من يجدني أمير الليل آسفة لم أخبرك من قبل لكن
أعلم أنك كنت تريد أن تستفسر عن حالي و لم تجرأ أنا أيها السيد إمرأة متزوجة طردني زوجي من المنزل و باعه و أخذ أولادي و سافر إلى وجهة غير معلومة و
ليس لي شخص في الحياة و لا يوجد من يأوييني لذا أصبحت مشردة و أما الفتاة فلا أعلم من تكون و ليست إبنتي بل وجدتها في مكب للنفايات عندما كنت أجول في الأزقة فقررت الإعتناء بها و أحببتها و أما الجراح و الكدمات فهي لأني كنت أسرق الباعة لآكل لأستطيع ارضاع هذه الصغيرة فكنت أُضرب و أعنف طيلة الوقت و أما رفضي للمال فأنا آسفة فكان لعزة نفسي فقط

حكايا زمان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق