الرئيسية

اعلامي يحتضن زوجة ارهابي الكنيسة وسيدة تصرخ… إليكم ماذا حصل

 

جاء اليوم الذي يهلّ فيه المذيع على جموع المشاهدين أمام شاشات التلفزيون ليلاً، ليبشرهم بأن خبطة الليلة التلفزيونية وانفراد البرنامج حصرياً هو لقاء مع السادة أفراد عائلة الإرهابي الذي فجر نفسه في كوكبة من المصلين.

وبينما أهالي شهداء تفجيرات الكنائس وأقاربهم ومن لا يعرفونهم يقيمون الصلوات على أرواح من ذهبوا ومن أجل من عاش ليتجرع آلام الفقد وأوجاع الجهل والحماقة، إذ بالشاشات تشتعل مشاهدة، وأصداء أصوات القنوات المتناحرة على حصرية ضيوفها من أسر القتلة تتصاعد في جوانب العمارات السكنية والمقاهي حيث الشاشات الملتفة حولها الجماهير.

الجماهير غير المقدرة أعدادها في مصر وخارجها تسمرت أمام الشاشات. مرت دقائق الحوارات والجميع مشدوه وغير مصدق. أفراد من أسر الإرهابيين يدلون بدلوهم تارة، ويبكون على ما جرى (من دون تحديد لسبب البكاء هل هو حزن على عضو الأسرة المتفجر أم عشرات الضحايا الذين قضوا بينما يصلون في مناسبة الأعياد أم فزع مما هم مقبلون عليه من تضييقات أمنية أو وصمات مجتمعية) تارة أخرى، وهم واقعون بين شقي رحى حيث لا محيص عن الحديث بحكم وجودهم في موقع «أمني» لا خيارات فيه، ولا مغيث من مصير مفزع ينتظرهم خارج جدران الموقع الأمني بغض النظر عن نقاب السيدات وسواتر الرجال.

الرجال والنساء والشباب وحتى الأطفال ممن دفعهم حظهم العاثر إلى المتابعة تفجرت أدمغتهم – ليس إرهاباً- بل رهاباً. وقد صرحت زوجة الإرهابي الذي فجر نفسه في عشرات المصلين في يوم العيد أن زوجها «مشهود له بحسن الخلق، وأن أخلاقه فوق ما تتصور، وكل الناس تشهد له بأن أخلاقه حسنة جداً والجميع يحبه». وأضافت رداً على سؤال حول ما إذا كانت تعتقد أن الله سيسامح من اقترف العملية الإرهابية، أن الله سبحانه وتعالى قادر على غفران كل شيء وأي شيء».

صوت الصراخ المتعالي من أمام إحدى الشاشات في أحد البيوت كان لسيدة لا تعرف شهداء الكنيستين معرفة شخصية، لكنها أخذت تبكي بهستيرية وتتساءل مستنكرة: «أستستضيفون القتلة؟ أتعطونهم مساحة لتبرئة ساحاتهم وساحات أبنائهم من سافكي الدماء؟ الإعلام اتجنن»!

جنون الإعلام أو سعيه المحموم وراء السبق أو تنفيذه المضطر لتعليمات ما ضرب مدونات السلوك الإعلامي ومواثيق العمل التلفزيوني في مقتل. كما أدى إلى حالة محمومة من الرفض الشعبي الكامل الزاخر بالغضب والمفعم بالصدمة مما تابعوه في تلك الليلة على الشاشات التي أخذت تذيع اللقاءات مراراً وتكراراً وكأنها تفاخر بما اقترفت.

لكن الغريب والمريب أن الرفض اقتصر على الشعب غير الدارس لقواعد العمل الصحافي، وغير الملم بأخلاقيات البث التلفزيوني، في حين التزم أولياء الأمر في الإعلام الصمت التام، بمن فيهم أعضاء الهيئات الإعلامية المؤسسة حديثاً من أجل ضبط زوايا الإعلام الطائش.

«طيش مراهقين» و «فقدان بوصلة» و «رؤية تلفزيونية مزعجة تنم عن إما انعدام أفق أو افتقار إلى قيم وقواعد وأسس» وتعليقات لا أول لها أو آخر تملأ الأثير العنكبوتي وأحاديث الشارع تعليقاً على أفراد أسر الإرهابيين الذين هلوا على قناتي «دي إم سي» مع المذيع أسامة كمال الذي استضاف زوجة أحد الإرهابيين و «أون إي» مع المذيع عمرو أديب الذي استضاف شقيق الانتحاري قبل أيام قليلة.

لكن الغريب أن هذه التعليقات على رغم تطابقها في رفض فكرة الاستضافة، لكنها وقفت على طرفي نقيض.

النقيض الأول وهو الأعم والأشمل رفض الفكرة من باب عدم كسب تعاطف مع أسر الإرهابيين. فقد بدوا مذعورين مذهولين مصدومين، وهو ما قد يجعل بعضهم يتعاطف معهم، بدلاً من محاسبتهم على تقصيرهم في السكوت على نمو وتمدد إرهابي في جنبات بيوتهم. ويرى أصحاب هذا التوجه أن مجرد شبهة تعاطف معهم فيها جرح غائر لأسر الشهداء الذين فقدوا أحباءهم وأبناءهم وزوجاتهم وأزواجهم بينما يصلون.

أما النقيض الآخر الرافض، فــقد رأى في «إجبار» أفراد أسر الإرهابيين على الظهور التلفزيوني (ولو كانت وجوههم مموهة) ظلماً بيناً لهم، وعقاباً على جرم لم يقترفوه، ووصمة تلازمهم مدى الحياة.

وبين طرفي النقيض، قلة قليلة رأت في الاستضافة الوسيلة الوحيدة المتاحة للرد على مدمني التشكيك الذين يملأون الفضاء العنكبوتي تشكيكاً وترييباً في صدقية ما يحدث وحقيقة ما يقال، أو إنها نوع من الطمأنة لجموع الشعب الذي بات يشعر بانعدام الأمان وأنه عرضة لتفجير هنا أو تفخيخ هناك.

السبق التلفزيوني المؤلم أصاب الجميع إصابات بالغة. فعلى رغم تحقيقه نسب مشاهدة غير مسبوقة، وتهافت الإعلام بأنواعه على نقل المحتوى، وأخذ تصريحات لا أول لها أو آخر من المذيعين كمال وأديب عن شعورهما قبل وأثناء وبعد الحوار، ورأيهما في ما وٌجه لهما من انتقادات، والغاية من استضافة أسر الإرهابيين والتعامل معهما بكل الود والمحبة والحنان لدرجة وصلت إلى احتضان أديب لشقيق الإرهابي، إلا أن الشارع رافض للفكرة التي ما زال يصر على مشاهدتها مراراً وتكراراً.

تكرار مثل هذه اللقاءات أمر وارد، بخاصة أن السلعة التي تحقق مبيعات خيالية يسعى الجميع إلى التعامل فيها. ولكن تظل أسئلة عدة تبحث عن إجابات.

هل حققت الحوارات الودودة مع أسر الإرهابيين الغرض منها؟ وهل الغرض يفوق الضرر؟ وما الغرض أصلاً؟ وإذا كانت الفائدة هي التعرف إلى البيئة الحاضنة للإرهاب، هل اللقاء العابر حقق ذلك؟ وهل توغل الإعلام على سلطات الجهات الأمنية؟ وهل الأسئلة الموجهة من كمال وأديب إلى أسر الإرهابيين من شأنها أن تضر بسير القضية أو توجه دفتها؟ وهل استضافة أسر الإرهابيين في موقع أمني رفيع يوازي توجه المراسلين والصحافيين لإجراء تحقيقات مصورة في المنطقة التي كان يعيش فيها الإرهابي أم إنها تدق نواقيس خطر إعلامي وأمني واجتماعي أكبر؟ وما موقف المشاهد؟ هل يسعد لسماع وجهة نظر الأسرة التي نشأ الإرهابي في أحضانها؟ أم يتعس؟ أم يهجر الشاشة بضيوفها؟

المصدر : مجلة لها نقلاً عن  الحياة

مقالات ذات صلة

إغلاق