مقالات

محمد رشيد يكتب : بعض الضياء في نهاية نفق 2016 !

نقترب سريعا من نهاية عام دموي مضطرب ، عام لم يكن أقل جنونا عن ما سبقه ، دم ودمار ومجازر في كل مكان ، عشرات الآلاف من الضحايا الأبرياء سقطوا ضحايا للجنون الوحشي ، ضحايا كل ذنبهم أنهم عاشوا في الزمن الغلط ، وتواجدوا في المكان الغلط ، في العراق وسوريا واليمن وفلسطين وشمال سيناء ولبنان وليبيا وتونس ، لا لأن أوطانهم لا تستحق مواطنتهم الصالحة ، ولا لأنهم لم يكونوا فخورين ببلادهم الجميلة ، إنما بسبب قوى وسياسات دولية وإقليمية غاشمة ،  وجدت لنفسها مخالب داخلية فتاكة ، مخالب بلا خلق أو ضمير ، قتلة يلبسون عباءة الدين والقومية والأعراق ، ويلتحفون بغطاء الطائفية والبغضاء .
الضحايا الشهداء أصبحوا مجرد أرقام متكررة ، أرقام بلا وجوه وبلا أسماء ، مجرد أرقام تزين تقارير الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية ، خمسون هنا ، و خمسمائة هناك ، عشرة آلاف هنا ، ومئة ألف هناك ، وما تبقى منهم غرق في البحر ، أو في حالة إنتظار الموت على قارب متهالك لا يحتمل عصف موجات البحر الهائج ، أو هم في حالة سكون بإنتظار الموت داخل بيوتهم على خطوط الجنون والكراهية ، فلا رحمة يلجأون لها ، ولا أمن يهربون إليه ، لا حدود ولا بحر ، ولا حتى سقف خشبي أحيانا ، لكن ها هو عام السواد والدم يستعد للرحيل ، وبعض شعاع الشمس قد يخترق بعض هذا السواد الحالك ، لكن الضحايا الشهداء لن يعودوا ، هو عام يرحل دون عودة الأحباب .
القتلة أيضا يرحلون ، يتهافتون ، يسقطون واحدا تلو الآخر ، ويبدو أن العدل ” الأخلاقي ” يحقق بعض الإنتصارات ، هنا هزم نهج أوباما ، وهناك سحق نيكولاي ساركوزي ، هنا أسقط ديفيد كاميرون ، وهناك رفع فرانسوا هولاند الراية البيضاء ، وتلك علامات مبشرة ، لكنها قلقة وغير مستقرة ، ومع ذلك هي علامات تمنحنا أملا بتغيير نحلم ونتمنى أن يكون صادقا ، وحتى إن افتقد الصدق ، فيكفينا ألما بإننا لم ننتقم ، ويكفينا حزنا ونحن نرى كل أولئك القتلة يرحلون أحرارا دون حساب أو عقاب ، ليعيشوا حياتهم دون أن يتذكروا ، أو يعانوا من كوابيس جرائمهم المروعة ، ترى هل سيحلمون بوجوه ضحاياهم ؟ ، ترى هل ستدفعهم الكوابيس الى حافة الجنون ؟ ، لا أعتقد ، فذلك عالم بلا ضمير حين يتعلق الأمر بدمنا الرخيص !!
مهم عامنا هذا وأعوامنا الماضية ، لكن الأهم هو القادم من حياتنا وأيامنا ، سنعود الى الماضي القريب قريبا ، سنعود لنرتب مدافن موتانا وشهدائنا ، وإن عشنا ، فسنجد ما نحتاج ، نجد متسعا من الوقت والألم لنذكرهم ونتذكرهم ، سواء فعلنا ذلك بأضرحة حقيقية ، أو فعلناه بأضرحة رمزية ، قد نخترع نصبا جديدا أسمه ” نصب المدني المجهول ” ، وإلا كيف لنا إذن أن ندفن ونكرم شهداء مقابر جماعية لم تكتشف بعد ، وكيف لنا أن نشيع جثامين من أبتلعهم البحر ، أو من قتلوا بقنبلة مزروعة وقذيفة عمياء ، ومن ذبحوا بسكاكين الدواعش والقوى الطائفية المدججة ،  سنعود الى كل ذلك حين ينقشع بعض السواد ، وحين تشرق بعض الشمس ، وعدا سنفعل .
ولكن ، الآن ، علينا أن نترك الحزن جانبا ، فالحزن وحش لا يموت ، وحش يعيش بيننا ، أو قريبا منا، وبإمكاننا استحضاره دائما ، وإذ طلبناه سيحضر قبل أن يرتد الينا طرفنا ، علينا الآن إستجماع ذاكرتنا أو ما تبقى منها ، وأن نركز ونوثق ، فنحن أمام فرصة ذهبية لفضح جرائم ومجرمي الماضي القريب ، جرائم قتلنا ، وجرائم صناعة قتلتنا من كل أنواع القتلة ، من الدواعش الى الطائفيين والمذهبيين ، وحتى إن فشلنا أو ماتت ريحنا ، فعلى الأقل نتعلم كيفية تفادي وحشية المستقبل الآتي ، وضرورة الحفاظ على أوطاننا وأنفسنا ، لنكتب ونوثق تباعا كل ما نعرف عن مخططات تدمير العراق وليبيا وسوريا وغيرهما ، وكذلك محاولات تدمير مصر بإصرار غريزي مريب ، ومن جانبي سأروي ساعات طويلة من الحوارات ، ومن محاولات ردع شغف القتل والتدمير ، شغف الغرائز الدموية المنفلتة .
إني أرى بعض الضياء في نهاية نفق 2016 ، صحيح ليس كل ما يلمع ذهبا ،  لكننا أمام ” وعود ” دولية براقة بوقف الاعتداءات على منطقتنا وشعوبنا ، ووعود بمراجعة سنوات الدم والموت و الدمار ، الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب تعهد بعدم التدخل في شؤوننا ، وبوقف تبني ودعم ” الإسلام السياسي ” ، وأيضا بالمساعدة في مكافحة إرهاب تفشى جراء غزواتهم ” الديموقراطية ” ، وعلى نفس ” الربابة ” غنى مرشحا اليمين واليسار للإنتخابات الرئاسية الفرنسية المنتظرة ربيع 2017 .
فهل نحن أمام ” نزعة ” تغيير درامية تجتاح الغرب  ؟
البعض يقول أن هذه ” النزعة ” الغربية الجديدة معادية للإسلام أولا ، وتستهدف وقف تدفق اللاجئين ثانيا، ورغم بعض الأصوات الغربية الشاذة ، فإنني أختلف مع الأولى ، وفي الواقع نحن لسنا أمام حرب او حروب دينية ، وبعض تلك الأصوات القليلة والشاذة ، يقابلها مئات الأصوات الشاذة والقبيحة في منطقتنا تدعو الى غزو الغرب وتدميره ، فذلك ليس أكثر من شذوذ ينجذب للشذوذ .
لكنني أتفق مع الثانية تماما ، ورغم إن الغرب يحتاج اللاجئين ، ويضع برامج لكيفية جذبهم وإستيعابهم ، لكنه يفعل ذلك وفق خطط مدروسة ، وقواعد إحتياجات وقوانين ناظمة ، لكن الغرب لا يريد موجات اللاجئين الكاسحة ، سواء كانوا عربا أو أفارقة أو آسيويين أو مكسيكيين ، أو إن كانوا مسلمين أو مسيحيين أو هندوسا لا فرق ، الغرب لا ينظر الى حبات المطر ، بقدر ما ينظر الى الطوفان المدمر .
رغم كل الشكوك بنوايا وصدقية الوافدين الجدد ، ورغم أوجاع القلب والذاكرة منهم جميعا ، فليس أمامنا الا خيار إختبارهم ، ولكن بحذر شديد ، فليس لدينا فرص وموارد كثيرة لتهدر ، وليس أمامنا الا أحدى طريقين ، فإما البقاء ضحايا لكرنفالات الموت والدمار ، أو النهوض لصناعة غد جديد .

مقالات ذات صلة

إغلاق