فجأة تذكر العراقيون الشخصية الإقتصادية اليهودية العراقية ساسون حسقيل الذي شغل منصب أول وزير مالية للعراق عام 1921 و كان له دور بارز في إرساء دعائم اقتصاد الدولة الناشئة بعد أن تجاهلوه و أهملوه و ربما خونوه لعقود .. فجأة تذكر العراقيون الفنانين صالح وداوود الكويتي و فلفل كرجي و سليمة مراد و سلطانة يوسف و سليم زبلي و اكتشفوا أن نصف التراث الغنائي العراقي القديم يعود لهم بعد أن كنا نسمع المذيع في الاذاعات العراقية يقدم أغاني ذلك الزمن مسبوقة بعبارة ( الشعر و اللحن من التراث القديم ) دون ذكر أسمائهم .. فجأة صرنا نقرأ تحقيقات صحفية عن معابد و آثار و أضرحة أنبياء اليهود في العراق طالها الإهمال لعقود خلت وأضحت أثراً بعد عين . فجأة تذكر الجميع نعيم طويق و نعيم دنكور و مير بصري وغيرهم من الشخصيات الكريمة من يهود العراق
و لا اعتراض على الاطلاق عندما يأتي الإستذكار في سياق رد الإعتبار لمواطنين عراقيين قدموا عصارة جهدهم و إبداعهم لوطنهم قبل أن تتآمر العصابات الصهيونية مع الحكومة العراقية بضغط من الانكليز آنذاك لسلخهم من وطنهم و زرعهم في بيئة لا يشتركون مع مكوناتها المختلفة إلا بالديانة ليعانوا من التمييز العنصري من قبل المستوطنين الغربيين و هم أكثر وطنية من كثير ممن يدعونها في عراق اليوم . لا اعتراض عندما تكون المبادرة لعراقيين يفتقدون جيرانهم القدامى و مواطنيهم الذين هاجروا او هجروا للاسباب المعروفة . لا اعتراض عندما نفرق بين هذه الأسماء وأسماء أخرى مثل بنيامين اليعازر وزير البنى الأساسية و قائد وحدة شكيد العسكرية في حرب 1967 ثم وزير الدفاع في حكومة أرييل شارون التي أوغلت في دماء الفلسطينيين أبان انتفاضة الأقصى 2001 . لا اعتراض حينما تكون منطلقاتنا انسانية ووطنية بعيدا عن التعصب و الكراهية ، الإعتراض فقط على هذه ( الفجأة ) التي تنتابنا من حين لآخر دون أن نعي أية رياح تهب علينا فنخوض مع الخائضين دون وعي و لا إدراك و لا تمييز بين تطلعات إنسانية مشروعة و بين أهداف صهيونية مغلفة بغطاء إنساني فنصبح لها جنودا بالمجان
هذه الصحوة المفاجئة هبت علينا بالتزامن مع عمليات شراء واسعة لأراض عراقية في محافظات مختلفة لأفراد و شركات ” إسرائيلية ” تحدثت تقارير صحفية عنها تمهد لواقع ديموغرافي جديد قد تظهر ملامحه قريبا . تناقص أعداد العراقيين بين قتيل و مهاجر و مهجر يقابله حلم يراود يهوداً ليس جميعهم عراقيين ليشكلوا جزء من الواقع الديموغرافي الجديد
حملات مغلفة بطبقة من الشيكولا المسمومة اُنتجت داخل ” إسرائيل ” لتهيئة أجواء هذا التغيير منها حملة “هيا نتعلم اللغة العراقية المحكية” التي أطلقت ( فجأة ) في مدينة رمات غان جنوب تل أبيب حيث تنظم دورات لتعليم اللهجة العراقية و هي لا تقتصر على الأجيال الجديدة من يهود العراق الذين يرغبون بتعلم لغة و لهجة آبائهم و أجدادهم كما قد يتوهم البعض بل لكل المستوطنين الذين يترقبون واقعاً جديداً على أرض العراق . هذه الدورات لا تقتصرعلى اللهجة العراقية بل تهدف لدراسة العادات و التقاليد و الأكلات العراقية و التراث العراقي لتسهل اندماجهم بالمجتمع الجديد ، بطبيعة الحال سارع الناطق باسم الجيش الاسرائيلي الذي يتابع صفحته العربية على الفيس بوك آلاف العرب بتبني الفكرة و بطبيعة الحال أيضاً تعاطف بعض متابعيه من العراقيين مع الحملة بل و تبرع بعضهم للمساهمة فيها منتشياً و مفتخراً بنشر لهجته المحلية التي ، فجأة ايضاً ، راقت لهؤلاء دون غيرهم من شعوب الارض .
حملات الهجرة المتأخرة ليهود العراق إلى فلسطين بين 41 و 53 حدثت بعد افتعال أحداث أمنية و تفجيرات قامت بها عصابات صهيونية ضدهم مدعومة بنشاط شبكات تجسس كحركة ” الرواد البابليين ” لدفع اليهود للهجرة الى فلسطين ، الحكومة العراقية و مجلسا الأعيان و النواب آنذاك و بدفع من بريطانيا قاموا بدورهم في دفعهم للهجرة بإصدار قانون إسقاط الجنسية العراقية عن اليهود ” الراغبين ” بالهجرة في آذار1950 ثم قانون مصادرة أموال المهاجرين منهم المنقولة و غير المنقولة مما دفع أعداداً كبيرة منهم لمغادرة بلدهم مضطرين لا راغبين و رفض كثير منهم الهجرة الى فلسطين فاختاروا أماكن أخرى للعيش
الآن و نحن نتبرع لتقديم خدماتنا بتعليم الجيل الثاني و الثالث من يهود العراق الراغبين بالعودة معنى ” يا معود ” و ” شكو ماكو ” و ” الله بالخير أغاتي ” و كيفية حشو الكبة الموصلية و تخدير الشاي العراقي بالهيل علينا أيضاً إطلاعهم على حقيقتين تترتبان على هذه العودة الأولى أن عودتهم تعني تصحيح خطأ تاريخي روجت له الصهيونية حول حقيقة أرض الميعاد ، عودتهم تعني أن فلسطين ليست ولم تكن يوماً أرض الميعاد ليهاجروا إليها و هي حقيقة يقر بها اليهود الذين لم تتمكن الصهيونية من تلويث أفكارهم و الثانية أن يهود الشرق و الغرب عندما هاجروا الى ” أرض الميعاد ” سكنوا في منازل فلسطينيين هُجّروا بدورهم منها و لا زال أبناؤهم و أحفادهم في الشتات و المخيمات يحتفظون بمفاتيحها يتوارثونها جيلاً بعد جيل أملاً بالعودة فإذا أراد يهود العراق العودة لوطنهم فعليهم عندئذ إعادة منازل الفلسطينيين لأصحابها ، هم أيضاً لهم مراتع صبا و لهجة فلسطينية يحبون التحدث بها و مسخن و مجدرة و مقلوبة و كنافة نابلسية يتوقون للتحلق حول موائدها تحت أشجار الزيتون التي زرعها أجدادهم … أليس هذا هو العدل ؟
المصدر : الصدى نت
