مقالات
عجيب أمرنا ! / عماد عباس
لا ينقصنا الذكاء ، نعرف أي النقاط يلزم أن توضع على أي الحروف ونعرف حركات التشكيل و الفوارز و الفواصل و علامات الإستفهام و التعجب ، نعرف مكانها الصحيح ، نعرف عدونا قبل أن يتململ و صديقنا قبل أن يسأل و موضع أقدامنا قبل أن يتزلزل ، لكننا دائماً أول ضحايا الزلازل . نبعثر النقاط في اللحظة الأخيرة فتضيع المعاني ، إهدنا الصراط المستقيم نكررها في كل صلاة و عقد قران و مجلس عزاء مئات المرات و في نهاية الطريق يَعبُرُ كلٌ صراطه و تزل أقدامنا . نعيد الكرة ألف مرة و نلدغ من الجحر ذاته ألف مرة
أطفالنا يصدحون بقصائدهم أفصح من الخطباء و شيبنا يحللون الوضع السياسي محلياً و إقليمياً و دولياً بأبرع من خبير و هم يجترون أراكيلهم مع شاي الصباح على مقاهي المتقاعدين و العاطلين أما شبابنا فتلتهب الأرض تحت أقدامهم و هم يهزجون في التظاهرات ضد الفساد لكننا في نهاية كل انتخابات نجد أنفسنا أمام الفاسدين ذاتهم ، أولئك الذين تظاهرنا ضدهم و صدحت قصائد اطفالنا ضدهم
( أبو المثل ) تلك الشخصية الخيالية التي تركت لنا مكتبة ضخمة من الأمثال المروية لم يغادر صغيرة و لا كبيرة من ملامح شخصيتنا العجيبة الا و فضحها و هذا دليل على ان علتنا موغلة بالقدم عمرها يتجاوز عمر أبي المثل الذي قال ( حب و احكِ و اكره و احكِ ) ، أي ضع مبدئيتك على جنب و استسلم لعواطفك عندما تقرر حتى عندما يتعلق قرارك بقضية مصيرية .
و هكذا ، تحدثه عن الفساد المستشري في كل مليمتر من جسد الدولة و عن المفسدين الذي تسببوا ببطالته و تسرب أطفاله من مدارسهم ، يؤيدك بحماسة لكنه يطيعهم لأنه يحبهم في الله !
أمريكا هي الشيطان الأكبر ، كلا كلا امريكا ، و غيرها من الشعارت حفظها عن ظهر قلب لكنه يستقبل المارينز بالورود بعد أن أحرقوا بلاده باليورانيوم المنضب . كل اهازيجه ضد امريكا في التظاهرات و يشرح لك بالتفصيل كيف أنشأت التنظيمات الإرهابية حول العالم و كيف تمد داعش بالعتاد و السلاح لكنه يستفيء بظل طائراتها و هو يتقدم شاهراً سلاحه صوب داعش
يذرف الدموع الساخنات على ( أنفسنا ) من أهالي المناطق التي سيطر عليها داعش و يتوعد و يعد بتخليصهم من ظلمه ، لكنه يبطش بهم بلا تمييز و هم يهربون بجلدهم بحجة دعم و إيواء داعش أغلظ إيمانه عندما يقسم بالكعبة لكنه يفرح بالصواريخ المتوجهة نحوها
تحدثه عن فلسطين و نكبتها و تشارك فلماً يفضح ممارسات جند العدو الصهيوني و قد قتلوا لتوّهم شابا فلسطينياً أعزلاً فيعلق على فلمك : يستاهلون هم باعوا ارضهم للصهاينة و قاتلوا مع داعش ، لكنه يشارك بحماسة في يوم القدس الذي تحييه إيران كل عام نصرة لأهلنا في فلسطين ! يسب الصهاينة لأنهم شردوهم من فلسطين ثم يشردهم هو من العراق الذي لجأوا اليه حتى أصبحت مطاردة الفلسطيني و تهجيره بعد 2003عملاً وطنياً ( بحسب مصادر فلسطينية فإن أكثر من 19 ألف فلسطيني من أصل 25000 هُجروا من العراق وحتى 2015 لم يبق منهم غير 6000 فلسطيني )
يتظاهر ضد كل المفسدين بحماسة باستثناء مفسدي عشيرته أو قوميته او طائفته
بإمكانه تتبع كل مفسد من غير ملته ، تاريخَه و سرقاته و الدماء التي سفكها قبل و بعد الاحتلال بنفس القوة و العزيمة التي يبرر بها جرائم ابناء ملته
رموزه خطوط حمراء حتى لو ثبت له بالبرهان و الدليل القاطع فسادهم . مستعد أن يقنع نفسه قبل أن يقنع الآخرين بكل الطرق أن هذا الفساد في سبيل الله لا في سبيل الشيطان
( أبو المثل ما خلا شي ما قاله ) بالدارجة العراقية معناها أن أبا المثل هذا لم ينس شيئاً ، يرددها كل العراقيين حتى لحنوها في مربّع ( فولكلورعراقي ) و مع ذلك يحيدون عما قاله أبو المثل عندما لا تلائم مقولته أهواءهم
المثل الشعبي هو خلاصة تجارب شعب صاغها الزمن و هو يجر عرباته عبر التاريخ ، و ليس هناك شعب على هذه الأرض بلا أمثال شعبية . هل تعرفون من هو ابو المثل العراقي الذي فضحنا و نحن نتغنى بأمثاله ؟
إنه ذلك العجوز نصف المجنون الذي يجوب الطرقات بمبخرته و مسبحته ذات المئة حبة المعلقة في عنقه يَسْجَعُ حكاياتٍ و ينظم أبياتاً مُلَغّزةً و يترنم بها ، عن زوجة كبير التجار التي تعشق خادمها و تواعده سراً و شيخ المسجد الذي يفسق في بيت الله بعد صلاة العشاء و اللبان الذي يخلط الماء باللبن ، يظنه الجميع عجوزا أخرقاً و لا أحد يفهم رواياته و ألغازه.. باستثناء زوجة كبير التجار و شيخ المسجد و اللبان
المصدر : الصدى نت