ثقافه وفكر حر

الملا منصور.. رحيل رجل طالبان الراديكالي

حتى اللحظة التي أكدت فيها الحكومة الأفغانية مقتل زعيم حركة طالبان الملا أختر منصور، كانت الولايات المتحدة الأمريكية تميل أكثر إلى مجرد ترجيح فرضية مقتله، رغم تأكدها من ذلك، خوفًا من أن تظهر تضاربًا في التصريحات، والتي دعم ركائزها، التزام الحركة ذاتها بالنفي فقط، خوفًا من جعل خبر موت الرجل الأول في الحركة منذ ثلاثة أعوام تقريبًا مسرحًا للتحليلات، ومحط تساؤلات هي بغنى عنها، وما يرافقها من خوف تمدد تنظيم الدولة الإسلامية إلى داخل أراضيها، نتيجة الخلافات الداخلية بين قياداتها.

shareأوباما الذي أعطى مبادرة استهداف الملا منصور، بطائرة من دون طيار، كان كتومًا، حول تنفيذ العملية خشية أن يتم تسريبها وتفشل

الرئيس الأمريكي باراك أوباما الذي أعطى مبادرة استهداف الملا منصور، بطائرة من دون طيار، كان كتومًا، أو لنكن أكثر خصوصيًة الإدارة الأمريكية برمتها كانت كتومة، حول تنفيذ العملية خشية أن يتم تسريبها، للرجل الأكثر شهرة في مواقفه الراديكالية ضد الحكومة الأفغانية، وتفشل بذلك العملية الثانية خلال سنوات إقامة الرئيس في البيت الأبيض، بعد نجاح عملية استهداف أسامة بن لادن.

اقرأ/ي أيضًا: صلاح عبدالسلام..أوان الصمت المقلق

توقيت العملية جاء بالتزامن مع اشتعال الفضاء الافتراضي الأزرق، عند إعلان مؤسسة الفرقان، أحد الأذرع الإعلامية لتنظيم الدولة، عن أنها سوف تبث رسالة صوتية مسجلة لزعيم التنظيم أبي بكر البغدادي، لاحقًا ظهر الرجل الثاني والناطق الرسمي باسم التنظيم أبي محمد العدناني، مهددًا العالم كاملًا لا الولايات المتحدة فحسب، ويبدأ معه جدال أنصار التنظيم على الفضاء الإلكتروني.

لكن للرئيس الأمريكي كلام آخر في هذا الانشغال، إذ يظهر أنه أراد استباق نشر المؤسسة لكلمة أحد قيادات التنظيم، بالموافقة على تنفيذ الضربة في اليوم عينه، أي مساء السبت الفائت، فارق التوقيت بين إعطاء الأوامر بمباشرة العملية، ونشر المؤسسة للكلمة، وإعلان مقتل الملا منصور على الحدود الباكستانية-الأفغانية، كان بينهما دقائق قليلة، ما جعل الحسابات الجهادية تتناسى ما قاله العدناني، حتى حين، وتتجه إلى قندهار لمعرفة مصير زعيمها، الذي أوقف المفاوضات الدائرة بين الحركة والحكومة الأفغانية المدعومة من حلف الشمال الأطلسي بقيادة الولايات المتحدة.

اقرأ/ي أيضًا: انتقام بروكسل..القهر والقهر المضاد

مسارات الحركة التاريخية مع الولايات المتحدة، اتخذت منذ بداياتها خطًا متعرجًا، نتيجة الحذر الذي كانت تفرضه بلاد العم سام على نفسها من التعامل معها، إلى أن انفجر الوضع بينهما، بعد أحداث أيلول/ سبتمبر 2011 في نيويورك، ورفضها تسليم زعيم تنظيم القاعدة بن لادن، مستندًة بقرارها إلى أن الوثائق التي قدمتها الحكومة الأمريكية لا تملك الأدلة الكافية على إدانة الرجل المتواري عن الأنظار بين جبالها.

إلى وقت قريب قبل تنفيذ هجمات نيويورك، كانت الحركة تحاول أن تفرض ملمحًا من ملامح الأمان على البلاد التي مزقها انهيار الاتحاد السوفيتي. إعلان تأسيسها على يد الملا محمد عمر مجاهد، أًلحق بعدة أهداف على رأسها كان تحقيق العدل والأمان والعدالة الاجتماعية وفق الشريعة الإسلامية والنص القرآني، وهو ما جعل الولايات المتحدة تأخذ موقفًا متأرجحًا بين القبول والرفض منها.

وهنا يمكننا الرد بالمثل، على أي من المواقف الحذرة التي سبقت إعلان الحرب عليها، والاستعانة برأي أحد أهم المفكرين الماركسيين سلافوي جيجك، حين يتحدث عن الحركات الإسلامية المتطرفة بقوله “حتى في حالة الحركات المتطرفة “بشكل واضح”، على المرء أن يأخذ حذره من الثقة بوسائل الإعلام البرجوازية، يتم تقديم طالبان بانتظام على أنهم مجموعة إسلامية متطرفة تفرض حكمها باستعمال الإرهاب. بأي حال، عندما سيطروا في ربيع 2009 على وادي سوات في باكستان، ذكرت النيويورك تايمز أنهم صمموا انتفاضة طبقية فجرت شقاقًا عميقًا بين مجموعة صغيرة من أثرياء الملاكين ومستأجريهم من غير المالكين”.

وعليه، فإن الحركة لم تأت بشيء من خارج المعالم الفكرية، والقوانين والإيديولوجيات المتشابكة بين دول العالم، هي وجدت بقاءها بإعادة إحياء الفكر الإسلامي الأول. فالحركة كان وجودها ناتجًا عن الصراعات الطبقية التي كانت تنخر في جميع زوايا البلاد، بعد فشل الأحزاب اليسارية المحيطة بها، في تحقيق شيء من طوباوية الحلم الاشتراكي.

كما أنها التزمت في حدودها الداخلية محبسًا لتنفيذ هجماتها ضد حلف شمال الأطلسي، عكس مثيلاتها من الحركات الإسلامية المتطرفة، منها على سبيل المثال، تنفيذ تنظيم القاعدة لهجمات انتحارية خارج حدوده الأفغانية، ومنها أيضًا هجمات تنظيم الدولة الإسلامية، التي فاقت أعداد عمليات الأولى، أي تنظيم القاعدة، رغم أنها حديثة النشأة.

حتى أن الحركة في وقت سابق من مطلع هذا العام، أعلنت موقفها بشكل واضح من قضية القتال خارج حدودها، والذي جاء ممهورًا ببيان نشر عبر موقعها الرسمي، بيّنت من خلاله رؤيتها لإدارة أفغانستان وعلاقاتها مع دول الجوار، ويمكن اختصاره في ثلاثة اقتباسات.

أولها: “إن للإمارة الإسلامية رسالة واضحة لجميع دول العالم وخاصة الدول الإسلامية بأننا دعاة لإقامة الروابط”، وثانيها: “نحن نقول بكامل الاطمئنان بأن الجهاد الجاري في أفغانستان حق شرعي وقانوني للأفغان؛ لأن بلادنا تحت احتلال أمريكا عملًا”، وثالثها: “ليس لنا أي تحرك عسكري خارج بلادنا”، وهذا نهاية البيان.

في مطرح من صفحات كتابها “في العنف”، تقول حنة أرندت “ليس العالم الثالث حقيقة.. إنه إيديولوجيا وحسب”، ثمة في هذه الجملة اختصار كامل لتاريخ الحركات الإسلامية المتطرفة مع الدول الغربية، من ناحية إخضاع دول العالم الثالث للمزاجية العالمية، الصراعات بين الولايات المتحدة ودول اليسار من جاراتها في القارة اللاتينية، نموذج مشابه على نظرية فرض الهيمنة، والتحكم بمقاليد السلطة في مختلف أنحاء العالم.

 

مقالات ذات صلة

إغلاق