مقالات

رؤية هذه السلسلة يكتبها د. محمد طلال بدران – مدير دار الإفتاء والبحوث الإسلامية – السلسلة مكوّنة من إثنتي عشرة مقالة * الاغتراب في الأوطان، لماذا نشعر أننا غرباء؟ (6)

* التعليم والإعلام: كيف يساهمان في تعميق الشعور بالاغتراب؟

الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد:

يُعد الاغتراب من الظواهر النفسية والاجتماعية التي يعاني منها الأفراد في المجتمعات الحديثة، حيث يشعر الإنسان بأنه منفصل عن قيَمه أو غير منتمٍ لمجتمعه. ومع تطور وسائل الإعلام وتغير المناهج التعليمية، أصبح لهذين القطاعين تأثير مباشر في تعميق هذا الشعور، إما عبر تغييب الهوية أو تقديم نماذج بعيدة عن واقع الأفراد.

* دوْرُ التعليم في تكريس الاغتراب
التعليم هو الوسيلة الأساسية لتشكيل وعي الأفراد، لكن في بعض الحالات يتحول إلى عامل يعزز الاغتراب، وذلك للأسباب التالية:
1- غياب الهوية في المناهج:
اعتماد مناهج غير متجذرة في الثقافة المحلية يؤدي إلى شعور الطالب بالانفصال عن بيئته.

2- التركيز على المهارات دون القيم:
الاهتمام بالمحتوى الأكاديمي على حساب التربية الفكرية يضعف إحساس الطالب بالمسؤولية الاجتماعية.

3- الهوّة بين التعليم والواقع:
لا ترتبط بعض المناهج بسوق العمل أو بقضايا المجتمع، ما يجعل الطالب يشعر بعدم جدوى دراسته.

* الإعلام وتأثيره في تكوين مشاعر الغربة
تُشكّل وسائل الإعلام صورة الواقع لدى الأفراد، لكنها قد تسهم في زيادة الاغتراب من خلال:

1- تقديم نماذج غير واقعية:
المحتوى الإعلامي يعرض أنماط حياة بعيدة عن بيئة الفرد، مما يولّد لديه إحساسًا بعدم الانتماء.

2- الترويج لقيم استهلاكية:
وأقصد هنا التركيز على المظاهر المادية حيث يجعل الفرد يشعر بعدم كفاية حياته مقارنة بما يراه في الإعلام.

3- التضخيم الإعلامي للأزمات:
حيث أن التركيز على الجوانب السلبية يعزز الشعور بالإحباط ويزيد المسافة بين الفرد ومجتمعه.

* معالجة المشكلة
للحد من هذه الظاهرة، ينبغي:
1- إعادة صياغة المناهج لتعزيز الهوية والانتماء.

2- ضبط المحتوى الإعلامي ليكون أكثر واقعية ومسؤولية.

3- تشجيع التفكير النقدي في المدارس ووسائل الإعلام.

وإليكم بعض الإحصائيات حول الاغتراب والتأثير الإعلامي والتعليمي

1- أظهرت دراسة لمنظمة اليونسكو في العام (2023) أن 68% من الطلاب العرب يشعرون بأن مناهجهم لا تمثل هويتهم الثقافية.

2- كشف تقرير لمركز الأبحاث الإعلامية أن 72% من الشباب العربي يعتبرون الإعلام سببًا في إحساسهم بعدم الانتماء.

3- في استطلاع رأي حديث (2024)، أشار 59% من المشاركين إلى أن الإعلام يزيد من شعورهم بالاغتراب في مجتمعاتهم.

* وفي الختام
يبقى التعليم والإعلام سلاحين ذو حدين، فإما أن يعززا الهوية والانتماء، أو يزيدا الشعور بالغربة، لذا فإن تطوير هذين المجالين ليكونا أكثر وعيًا بالهوية والقيم المحلية ضرورة ملحة لضمان بناء مجتمع متماسك ومتوازن. تحياتي وسلامي لكم

* أمّا عنوان مقالتنا القادمة فهو: ( الحيز العام لنا أم لغيرنا؟ قراءة في المساحة الرمزية والمكانية )

* طاب صباحكم ونهاركم، وجميع أوقاتكم، جمعة مباركة، ونسأله تعالى أن يحفظ مجتمعنا، وأن يُبرِم لهذه الأمة إبرام رشد.
* مقالة رقم: (1872)
15. شعبان . 1446هـ
الجمعة . 14.02.2025 م
باحترام:
د. محمد طلال بدران (أبو صُهيب)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق