تعد رحلة الإسراء والمعراج حدثاً عظيماً في تاريخ الإسلام، وحلقةً فريدة تربط بين الأرض والسماء، جمعت بين البعد الروحي والمعرفي، وبين الإعجاز الإلهي والرسالة الدعوية. وقبل أن نخوض في معاني هذه الرحلة ودلالاتها، نبدأ بتحديد الحدث كما جاء في القرآن الكريم ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ﴾ (الإسراء: 1).
الإسراء: اتصال الأرض بالسماء
الإسراء هو الرحلة الأرضية التي حملت النبي ﷺ ليلاً من المسجد الحرام بمكة إلى المسجد الأقصى بالقدس. تحمل هذه الرحلة رمزية عظيمة؛ فهي تأكيد لوحدة الرسالات السماوية، ولمكانة القدس والأقصى الشريف لدى المسلمين، حيث التقى النبي ﷺ بالأنبياء السابقين وصلّى بهم إماماً.
من الناحية العلمية: إن الإسراء يعكس قدرة الله المطلقة على تجاوز القوانين الفيزيائية التي تحدد حركة البشر. فلو تصورنا الرحلة في ضوء العلم الحديث، يمكن القول إن الإسراء مثلٌ على التنقل الفائق السرعة (Hypersonic Travel) الذي لا تقيده مسافات الأرض.
الدعوة المستخلصة: المسجد الأقصى رمزٌ للتوحيد ووحدة الأمة الإسلامية، مما يوجب علينا المحافظة عليه بوصفه أمانة دينية وحضارية.
المعراج: ارتقاء الروح إلى عوالم السماء
المعراج هو الجزء السماوي من الرحلة، حيث عُرج بالنبي ﷺ من المسجد الأقصى إلى السماوات العلا حتى سدرة المنتهى. وقد ورد ذكره في سورة النجم: ﴿وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَىٰ * عِندَ سِدْرَةِ ٱلْمُنتَهَىٰ * عِندَهَا جَنَّةُ ٱلْمَأْوَىٰ﴾ (النجم: 13-15).
من الناحية العلمية: يشير المعراج إلى مفهوم الأبعاد غير المرئية التي لا تستطيع الحواس البشرية إدراكها. العلماء اليوم يناقشون وجود أبعاد أعلى في الكون وفقاً لنظرية الأوتار الفائقة (Superstring Theory). فكما أن الله تعالى مكّن النبي ﷺ من عبور هذه العوالم، فهو قادرٌ على أن يفتح للبشر آفاقاً علمية جديدة.
الدعوة المستخلصة: يرسخ المعراج معنى الإيمان بالغيب والثقة بوعد الله. ففي الوقت الذي واجه فيه النبي ﷺ صعوبات كبيرة في دعوته بمكة، جاءت الرحلة تأكيداً على مكانته ودعماً لقلبه.
الصلاة: هدية السماء إلى الأرض
من أبرز ثمرات رحلة الإسراء والمعراج فرض الصلاة، التي جعلها الله صلةً بين العبد وربه. لم تكن الصلاة مفروضة عبر وسيط بشري كغيرها من العبادات، بل نزلت مباشرة في السماء، مما يدل على أهميتها العظمى.
الدعوة المستخلصة: الصلاة هي التجلي اليومي للإسراء والمعراج في حياة المسلم؛ ففيها صعود للروح إلى حضرة الله، وتجديد للعهد معه.
دروس مستفادة من الرحلة
• التوكل والثقة بالله: جاءت الرحلة في أحلك الظروف التي مر بها النبي ﷺ، لتكون رسالة دعم إلهية بأن النصر قادم.
• وحدة الرسالات السماوية: لقاء النبي ﷺ بالأنبياء السابقين يؤكد أن الإسلام حلقة في سلسلة الإيمان، مما يدعو إلى الحوار بين الأديان.
• القيم الروحية والعلمية: الجمع بين العلم والإيمان في فهم أحداث الرحلة يعزز من خطاب الإسلام الشامل.
ختاماً: رؤية دعوية
إن الإسراء والمعراج ليست مجرد قصة تُروى، بل دعوة للتفكر في قدرة الله، وحث على التفاني في العبودية، والارتقاء بالأخلاق والسلوك. هذه الرحلة تدعونا أيضاً للعمل الجاد لحماية المقدسات، والدعوة إلى بناء عالمٍ قائم على الإيمان بالله والوحدة الإنسانية.
﴿لِّنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ﴾ (الإسراء: 1)
باحترام: د. محمد طلال بدران (أبو صّهيب)