مقالات

رؤية هذه السلسلة يكتبها د. محمد طلال بدران – مدير دار الإفتاء والبحوث الإسلامية *

تأثير الأخلاق على نجاح الفرد والمجتمع (12)

الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد:

* كيف تبني الأخلاق شخصية الإنسان؟

– الأخلاق ليست مجرد قواعد يُلتزم بها أو سلوكيات تُمارس في المواقف الاجتماعية، بل هي جوهر بناء الإنسان، وأساس تشكيل شخصيته، إن الأخلاق تُمثل منظومة متكاملة تؤثر في فكر الإنسان وسلوكه، مما يجعلها المحرك الأساسي الذي يوجهه في حياته الشخصية والمهنية.

– الأخلاق كعامل أساسي في بناء الشخصية
الأخلاق تبدأ في تكوين شخصية الإنسان منذ الطفولة، حيث تلعب الأسرة الدور الأبرز في زرع القيم والمبادئ. عندما يتعلم الطفل الصدق، الأمانة، والاحترام، فإنه ينمو على أساس أخلاقي يُوجه قراراته وسلوكه، قال رسول الله ﷺ: “إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق” (رواه أحمد)، مما يدل على أن الأخلاق ليست مجرد تكميل للشخصية، بل أساس بناء الإنسان.
إن الفرد الذي يتحلى بالأخلاق يعيش بثقة، إذ يدرك أن قراراته قائمة على قيم ثابتة. فالأخلاق تعزز قوة الإرادة، وتمكن الإنسان من التغلب على التحديات دون التنازل عن مبادئه، على سبيل المثال، الشخص الصادق يتجنب الوقوع في الأكاذيب التي تعكر صفاء نفسه، مما يمنحه راحة داخلية وقدرة على مواجهة النقد بثبات.

– الأخلاق والهوية الذاتية
تساهم الأخلاق في بناء هوية الفرد بشكل واضح ومستقر، فالعدل، الرحمة، والتواضع، تُعمق لدى الإنسان قناعة بأنه مسؤول عن تصرفاته، وأن عليه أن يكون نموذجًا يُحتذى به في مجتمعه. قال تعالى: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ (القلم: 4)، مما يُبرز أن الأخلاق الرفيعة ليست فقط مصدر احترام الآخرين، بل تجعل الإنسان مميزًا بين أقرانه، والإنسان الذي يتحلى بالأخلاق يبتعد عن المظاهر السطحية التي قد تؤثر في شخصيته. فالأخلاق الحقيقية لا تعتمد على الشكل أو النجاح المادي، بل على المضمون الذي يُظهره الفرد في أفعاله وتعامله مع الآخرين.

– تأثير الأخلاق على العلاقات
الأخلاق تُنمي شخصية الإنسان من خلال تحسين علاقاته الاجتماعية، فالشخص المتواضع والمتسامح يكسب احترام الآخرين وثقتهم، مما يُساهم في بناء روابط اجتماعية قائمة على التفاهم والمحبة. وعلى العكس، فإن الأخلاق السيئة كالغطرسة والكذب تُفسد العلاقات وتؤدي إلى العزلة، وعندما يتحلى الإنسان بالصدق والأمانة في تعاملاته، فإنه يخلق بيئة من الثقة المتبادلة، وهذه البيئة تُسهم في بناء مجتمعات قوية قادرة على مواجهة التحديات بروح التعاون.

– الأخلاق كدافع للإنجاز
الإنسان ذو الأخلاق العالية يتميز بدافع داخلي لتحقيق التميز والإبداع، فهو يدرك أن الإنجاز لا يُقاس فقط بالنتائج، بل بالطريقة التي تُحقق بها تلك النتائج، الأمانة على سبيل المثال، تجعل الإنسان دقيقًا ومخلصًا في عمله، مما يُعزز فرص نجاحه في حياته المهنية والاجتماعية.

– الأخلاق كمصدر للسعادة
الأخلاق تُسهم بشكل كبير في تحقيق السعادة والرضا، فالشخص الذي يعيش وفق قيم أخلاقية يشعر بسلام داخلي، ويبتعد عن التوترات الناتجة عن التصرفات الخاطئة، وعلى سبيل المثاللد لا الحصر، الشخص الرحيم يجد في مساعدة الآخرين شعورًا بالرضا والفرح، مما يُثري حياته النفسية والروحية.

* خُلاصة
الأخلاق ليست مجرد زينة تُضاف إلى الشخصية، بل هي الأساس الذي تُبنى عليه، الإنسان الأخلاقي يعيش بكرامة، ويترك أثرًا إيجابيًا في نفسه ومجتمعه، لذا على كل فرد أن يحرص على التحلي بالأخلاق الفاضلة، لأنها المفتاح لبناء شخصية قوية ومتزنة. قال تعالى: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا﴾ (البقرة: 83)، لتكون الأخلاق نورًا يهدي حياتنا إلى الخير والسعادة.
إنّ تحقيق الأخلاق ليس خيارًا، بل هو واجب لتحقيق النمو الفردي والاجتماعي، لذلك، علينا جميعًا أن نعيد التفكير في قيمنا وسلوكياتنا، ونجعل الأخلاق جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية.
بهذا أكون قد أنتهيت من هذه السلسلة التي تكوّنت من اثنتا عشرة، مقالة لنبدأ مع حضراتكم سلسلة جديدة ابتداءًا من صبيحة الغد بمشيئة الله تعالى.
* طاب صباحكم، ونهاركم، وجميع أوقاتكم، وجمعة مباركة وفرّج الله عن أهلنا المستضعفين إن شاء الله
مقالة رقم: (1830)
03. رجب . 1446هـ
الجمعة .03.01.2025 م
باحترام:
د. محمد طلال بدران (أبو صُهيب)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق