مكتبة الأدب العربي و العالمي
حكاية_اولاد_الحطاب #اولاد_الحطاب الجزء الثاني
عند فجر اليوم التالي أيقظ الحطاب التوأم وأخبرهما أنه سيصطحبهما مجدداً الى الغابة ولن يدعهما يغيبان عن عينيه هذه المرة فقامت الأم بإعطاء كل واحد منهما كسرة خبز وودعتهما
سار الثلاثة مرة أخرى الى جوف الغابة وكان سمير قد عبأ جيوبه سابقا بالحصى الصقيل تحسبا لمثل هذه الحالات فكان يُعلم الدرب بالحصى وعلى طول الرحلة
لكن الرحلة قد طالت هذه المرة وذلك لأن الحطاب أراد أن يحسم المسألة تماما هذا اليوم وأن لا يدع مجالا لعودتهما مجددا
فكان أن نفد جميع ما لدى سمير من حصى فقام بالإرتجال بسرعة وأخرج حصته من الخبز وسارع بتفتيتها واستخدامها عوضاً عن الحصى
قام الحطاب باصطحابهما الى مكان قريب من مزرعة تسمى بمزرعة الغرائب والتي تقع على حدود نهاية الغابة
وهي مزرعة منبوذة لا يجرؤ أحد على الدخول إليها كونها مرتبطة بواحدة من أكثر الأساطير رعبا في المنطقة وهي أسطورة المرأة الغولة ملتهمة الأطفال الصغار
وهناك جلس الجميع للراحة ثم قام الحطاب واستئذنهما للعمل وبعد أن قام بقطع إحدى الأشجار طلب منهما الجلوس في مكانيهما ريثما يقوم بقطع المزيد من داخل الغابة
وهكذا توغل الحطاب الى الغابة وصار التوأم لا يسمع منه سوى صوت فأسه وهي تضرب الخشب
وبعد فترة ليست بالقصيرة شك التوأم في أمر الحطاب وتسائلا عن سبب تأخره فكان إن تتبعا صوت الضرب حتى وصلا إليه فكانت المفاجأة
فلقد قام الحطاب بثني إحدى أغصان الأشجار مع غصن آخر بطريقة تجعلهما يصدران صوتا مشابهاً لصوت الفأس كلما هبت عليهما الريح
أما الحطاب نفسه فكان قد اختفى مجددا
تأثر التوأم لذلك كثيراً وقررا العودة الى البيت لوحدهما
وعندما أراد سمير الإستدلال على فتات الخبز لم ينجح بذلك فقد سبقته الطيور اليها والتهمتها
أصيب التوأم بالذعر خصوصا مع اقتراب حلول الظلام وسماعهما لأصوات عواء ليست ببعيدة ..
عانقت مها شقيقها وهي تبكي وتناشده أن يجد حلاً لمأزقهما هذا هنا أشار الفتى الى مزرعة الغرائب وطلب من مها أن تتبعه لعلهما يجدان فيها أحداً يساعدهما
سار الإثنان متوغلين داخل المزرعة الكئيبة والتي تحتوي على أكوام مبعثرة من حصاد القش وفي وسطها تقبع دمية لفزاعة مخيفة
شاهد الاثنان من بعيد كوخا من الخشب والدخان يتصاعد من مدخنته فالتفت سمير الى مها وبشرها بالدفئ والطعام اللذيذ
فتح التوأم باب الكوخ بحذرٍ شديد ونادوا على ساكنيه فلم يجبهم أحد فوجدا نفسيهما يدخلان الكوخ يدفعهم البرد والجوع نحو قدر الطعام الذي كان ينضج على نار المدخنة
تناول كل من الصغيرين لقمة واحدة فقط قبل أن يسمعا صوت شخص ما يوشك على دخول المكان فسارع التوأم بالإختباء تحت السرير الوحيد في هذا الكوخ
ومن تحت السرير أخذ الشقيقان يراقبان قدمي إمرأة وهي تتجه نحو لوحة في الجدار فترفعها ثم تضعها أرضا وبعد أن قامت بأمرٍ ما أعادت اللوحة الى مكانها ثم سمعاها وهي تقول :لم يبق إلا خاتم واحد فقط
لكن فجأة أخذت المرأة تجول بعصبية في أرجاء الكوخ حتى اتجهت نحو قدر الطعام فتذوقته ثم قالت بغضب :
من هذا الذي تجرأ على الأكل من طعامي الويل له
ثم سمعا صوت المرأة وهي تتشمم هنا وهناك وكأنها تبحث عنهما بواسطة أنفها فارتعب التوأم وأدركا أنهما قد تورطا مع إمرأة شريرة لن تتوانى عن إيذائهما
هنا همس سمير لشقيقته مخبرا إياها أنه سيخرج ليلفت أنظار المرأة نحوه وأن على مها أن تستغل الفرصة لتنفذ بجلدها
توسلت مها به أن لا يفعل لكنه أصر على ذلك فما هي إلا ثواني حتى تعثر عليهم تلك المرأة تحت السرير
الشيئ الذي لم يشاهداه الصغيران من مكمنهما تحت السرير هو وجود غراب ذو ريش أشعث كان يقف على كتف المرأة فلما شرع سمير بالتسلل من خلف ظهر المرأة حتى فوجئ بالغراب وهو يزعق عليه بصوت مزعج
فالتفتت المرأة نحوه بسرعة وأمسكت سمير بقسوة وهي تشده وتصرخ عليه ثم قالت له إنه أنت إذا أيها الوغد الصغير من تجرأ وتسلل الى بيت الغولة الساحرة ستكون وجبتي العشاء الليلة
أمسكت الغولة سمير بقسوة وهي تشده وتصرخ عليه ثم قالت له إنه أنت إذا أيها الوغد الصغير من تجرأ وتسلل الى بيت الغولة الساحرة
قال سمير برعب :السس…..سساحرة ؟
قالت الساحرة ذات الوجه المجعد نعم أنا الغولة ساحرة المزرعة نبذني الجميع الى هذا المكان القاصي خلف الغابة بسبب شهرتي في أكل الأطفال
بالطبع هم حاولوا قتلي لكن لا أحد منهم نجح في ذلك وأقصى ما فعلوه أنهم استعانوا بسحرةٍ آخرين من أجل حبسي في هذه المزرعة اللعينة والتي لا أستطيع الخروج منها وإلا احترقت
كان ذلك منذ زمن طويل وبين فترة وأخرى يحضر لي بعض الأباء والأمهات الذين لا قلوب لهم أطفالا حديثي الولادة حتى ألتهمهم على العشاء
فأنا كما ترى وسيلتهم في غسل عارهم الفاضح من جراء أعمالهم القبيحة ولأنه لا أحد سيأتي للبحث عن أطفال مفقودين في هذا المكان المرعب
لذا أيا كان الشخص الذي جلبك الى هنا أيها الفتى فأنا أخبرك بأنه عديم القلب والرحمة تماما
سحبت الغولة سميرا الى المنضدة فطرحته عليها ثم رفعت ساطورا كبيرا وأرادت تقطيعه وهنا وأمام ذهول الغولة اندفعت مها من تحت السرير وهي تصرخ
فصاحت الغولة :ما هذا طفل ثالث كم عددكم يا صغار بالضبط ؟
لكن مها لم تمهلها حتى أمسكت بقدر الطعام وقذفته بكل قوتها على الغولة فارتطم برأسها واندلق الحساء الساخن عليها فأحرق وجهها فاضطربت الغولة وأخذت تصرخ وهي تبعد الحساء عن عينيها
إستغل سمير الفرصة فقفز من على المائدة وأمسك بيد أخته وأسرعا بالهرب من الكوخ في الوقت الذي توعدتهما الغولة فيه بالويل والثبور ثم سمعاها وهي تقول :لن تستطيعا مغادرة المزرعة مهما حاولتما أتسمعان فهي مسحورة وسأجدكما مهما طال الوقت
ركض الاثنان طويلا حتى أعياهما التعب فجلسا ليستريحا خلف كومة من القش وكان القمر قد أنار بأشعته الفضية ظلام ليلتهما الباردة تلك
أخذ الفتى يسترق النظر ناحية الكوخ خشية أن تلحقهما الغولة فلم يرصد شيئا قالت مها :لماذا لم تلحق بنا الغولة ؟
أجاب سمير بعد لحظاتٍ من التفكير :أعتقد أن الغولة ليست بمفردها في الكوخ
تسائلت مها :ماذا تعني ؟
رد سمير ألم تسمعيها وهي تقول طفل ثالث هذا يعني أنها قد قبضت على طفل آخر قبلنا وكانت تعد العشاء لطبخ ذلك الطفل والتهامه
مها :وما الذي سنفعله الآن ؟
سمير :يجب أن أعود لبيت الغولة فلربما مازال ذلك الطفل على قيد الحياة أما أنتي فامكثي هنا
نهضت الفتاة وقالت بل سآتي معك فلربما احتجت الى مساعدتي مرة أخرى
بعد زوال الخوف والتوتر من الصغيرين عاودا التسلل خلسة نحو المنزل المخيف حتى وصلا الى حافة الشباك الخارجي فتطلعا من خلاله بحذرٍ الى داخل الكوخ فشاهدا الغولة وهي تشحذ سكينها وقد غطت وجهها بالضماد وبالقرب منها يرقد طفل أصغر منهما بقليل وهو مقيد
شاهد سمير على الأرض غطاءا قماشيا فالتفت الى مها وأخبرها أن لديه خطة تلا ذلك أن حمل الفتى الغطاء وتسلق خشبات الكوخ بمهارة حتى بلغ سطحه ثم عمد الى القماش فغطى به فتحة المدخنة وأسرع بالنزول
بعد لحظات امتلئ الكوخ بالدخان فذعرت الغولة وفتحت الباب وخرجت الى الهواء الطلق وهي تسعل بشدة
فانتهز سمير الفرصة فسحب نفسا عميقا وهرول الى الداخل مستغلا ستار الدخان حتى بلغ الصبي وكانت السكين الى جانبه فاستخدمها سمير لقطع قيوده ثم جره معه للركض الى الخارج وبأقصى سرعة
وبعد أن ركض الثلاثة بعيدا تطلع التوأم الى ذلك الطفل فذهلا أشد الذهول عندما اكتشفا أنه ليس سوى أخيهما هاني
صاح سمير :هاني ماذا تفعل هنا ؟
أجاب هاني وقد شرع بالبكاء :لقد شعرت بالغيرة لأن أبي كان يأخذكما للغابة دوني للمرة الثانية على التوالي لذا فقد تظاهرت بالنوم هذا الصباح وعند خروجكم تسللت خلفكم ولحقت بكم دون أن تشعروا ..
ثم جاء الوقت الذي فقدت فيه أثركم فرحت أتخبط في مسيري على غير هدى حتى وجدتُ نفسي أدخل هذه المزرعة وآوي الى ذلك الكوخ حيث عثرت الغولة علي فحبستني الى أن جئتما أنتما فأنقذتماني منها فشكرا لكما لكن بالمناسبة أين أبي ؟؟
لم يفصح التوأم لهاني عن حقيقة الحطاب وما فعله بهما وبدلاً من ذلك فقد أخبراه أنهما قد أضاعاه هما أيضا وأنهم يجب أن يتحركوا بسرعة ويغادروا المكان قبل أن تعثر عليهم الغولة مفترسة الأطفال
لكن وفي تلك الأثناء طار فوق رؤوسهم ذلك الغراب الأشعث وأخذ ينعب بصوت عال ليدل الغولة على مكانهم
فما كان من سمير إلا أن قذفه بحجرٍ فضربه وجعله يرتد هاربا مخلفا وراءه بضع ريشات سوداء
لكن الغولة الغاضبة كانت قد اكتشفت مكانهم من صوت غرابها فرفعت طرفي ثوبها ثم طفقت تجري على قدميها الحافيتين نحوهم بسرعةٍ مخيفة لا تتناسب مع عجوز مثلها
يتبع …..
عن قصص حكايا العالم الاخر