مقالات
رؤية هذه السلسلة يكتبها د. محمد طلال بدران – مدير دار الإفتاء والبحوث الإسلامية
الشباب بين التوجهات الحديثة والالتزامات الدينية (4)
– التكنولوجيا وأثرها على التزام الشباب الديني
لقد أصبح للتكنولوجيا حضور طاغٍ في حياة الشباب، مما أوجد تحديات وفرصًا جديدة تؤثر على مدى التزامهم بالقيم الدينية، إنّ هذه الأداة العصرية يمكن أن تكون إما مصدرًا للنفع يعزز الالتزام الديني، أو أداة تلهي وتشتت عن الأولويات، فما الدور الذي تلعبه التكنولوجيا في حياة الشباب، وكيف يمكن الاستفادة منها لتعزيز الالتزام بالدين؟ تعالوا بنا نستعرض ذلك من خلال نقاطٍ محددة:
أولاً: دور التكنولوجيا في تعزيز الالتزام الديني
1- تيسير الوصول إلى المعرفة الدينية
لقد وفرت التكنولوجيا للشباب سهولة الاطلاع على العلوم الشرعية والمعارف الإسلامية من خلال التطبيقات، والمواقع، والمحاضرات المرئية والمسموعة، فالطفرة العلمية الغير مسبوقة فرضت نفسها في واقع الحياة ولا يزال الانسان في حالة تطور مستمر، قال الله تعالى: ﴿وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾ (طه: 114)، وهذه الأدوات تسهم في زيادة العلم بالدين واتباع طريق الحق.
2- التواصل مع العلماء والدعاة
لقد ساهمت وسائل التواصل الاجتماعي للشباب من متابعة العلماء والدعاة بشكل مباشر، والاستفادة من دروسهم وإرشاداتهم، مما يعزز الروابط مع المجتمع الديني.
3- الدعوة إلى الله بطرق إبداعية
تمثل التكنولوجيا وسيلة فعالة لنشر دعوة الإسلام الكريمة التي يحتاجها كل عاقل، قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا﴾ (فصلت: 33)، يستطيع الشباب تقديم المحتوى الديني في صورة جذابة، كالفيديوهات القصيرة والمنشورات التوعوية وغيرها الكثير.
* ثانيًا: التحديات التي تفرضتها التكنولوجيا على الالتزام الديني
1- الإلهاء عن العبادات
قد يؤدي الاستخدام المفرط للتكنولوجيا إلى إضاعة الوقت والانشغال عن أداء الصلوات، وقراءة القرآن، والذكر، والعمل النافع وقد حذّرت النصوص من هذا الانشغال المفرط قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ﴾ (المنافقون: 9).
2- التعرض للشبهات والانحرافات الفكرية
الانفتاح غير المنضبط على الإنترنت يجعل الشباب عرضة للأفكار المغلوطة والشبهات، ولذلك لابد من تحصين النفس بالعلم الشرعي، قال الله تعالى: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ (النحل: 43)، وأنا هنا أدعو فئة الشباب إلى الالتحقاق بطلب العلم الشرعي ليكونوا محصّنين من الفتن ما ظهر منها وما بطن، فما أكثر المتربصين بالشباب، وما أكثر الدعوات الهدّامة، وما أكثر التيارات المشبوهة..
3- الابتعاد عن بيئة المسجد
الاعتماد المفرط على الوسائل الرقمية قد يؤدي إلى العزلة عن الأنشطة الدينية الجماعية، مثل حضور صلاة الجماعة وحلقات العلم.
* ثالثًا: تحقيق التوازن بين التكنولوجيا والالتزام الديني
1- تنظيم الوقت
لا بد وضع جدول يومي يوازن بين استخدام التكنولوجيا وأداء العبادات والأنشطة الدينية المختلفة، قال رسول الله ﷺ: “نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ” (رواه البخاري).
2- اختيار المحتوى المناسب
يجب على الشباب انتقاء المحتوى الديني والتعليمي الذي يقوي إيمانهم ويزيد معرفتهم، وفي نفس الوقت الابتعاد عن المحتوى الذي يثير الشبهات.
3- استخدام التطبيقات الدينية
الاستفادة من التطبيقات التي تساعد على التذكير بمواعيد الصلاة، وتوفير الأذكار اليومية، وقراءة القرآن الكريم، والتعرف على الهدي النبوي من خلال السُنن القولية والفعلية لنبي الإنسانية محمد ﷺ، قال الله تعالى: ﴿وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ (الذاريات: 55).
* خلاصة: التكنولوجيا سلاح ذو حدين، وهي أمانة ينبغي استخدامها بحكمة، فعلى الشباب أن يجعلوا منها وسيلة تعينهم على طاعة الله، وتساعدهم في تحقيق التوازن بين متطلبات الحياة الحديثة وأداء الالتزامات الدينية المختلفة، قال الله تعالى: ﴿وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا﴾ (القصص: 77)… انتظروا المزيد بعون الله تعالى.
– صباحكم طيب ونهاركم سعيد وآمن، ولنُكثر من الدعاء لتفريج الكروب وإخماد نار الحروب، ولا ننسَ الصلاة على خير مبعوث للعالمين، محمد ﷺ.
مقالة رقم (1781)
14 جمادى الأولى. 1446هـ
السبت 16.11.2024 م
باحترام:
د. محمد طلال بدران (أبو صُهيب)