مكتبة الأدب العربي و العالمي
قصة تعذيب الصحابي ، خـــــباب بن الأَرَتّ رضي الله عنه ..
خباب رضي الله عنه ، من السابقين إلى الإسلام ،
وكان من المستضعفين الذين عُذّبوا ليتركوا الإسلام،
وكان قد سُبي صغيراً من قبيلته تميم ،
وبيع في مكة فاشـــــترته أم أنمار الخزاعية ..
دفعت أم أنمار غلامها إلى أحد الحدادين في مكة ،
ليعلمه صناعة الســــــيوف ..
فما أسرع أن أتقن الغلام الصنعة ،
وتمكّن منها أحسن تمكــين ..
ولما اشتد ساعد خباب وصلب عوده ،
استأجرت أم أنمار دكاناً ، واشترت له عدة ،
وجعلت تستثــمر مهارته في صـــنع السيوف ..
لم يمضِ غير قليل حتى اشتهر في مكة ،
وجعل الناس يقبلون على شراء ســـيوفه ،
لِما يتحلى به من الأمانة والصدق وإتقان الصنعة ..
وكان خباب على حداثة ســــنِّه ،
يتحلى بعقل الكلمة وحكمة الشــيوخ ،
فكان كثيراً ما يفكر في هذا المجتمع الجاهلي ،
الذي غرق في الفساد من أخمص قدميه إلى رأسه ،
راجياً أن يرى بعينه مصرع الظلام، ومولد النور ..
ولم يطل انتظار خباب كثيراً ، فما لبث
أن شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ،
فكان سادس ستة أسلـــــموا على ظهر الأرض ..
لم يكتم خباب إسلامه ،
فما لبث أن بلغ خبره أم أنمار ،
فاستشاطت غضباً ، وتميزت غيظاً ،
وصحبت أخاها ( سباع بن عبد العزى )
ولحق بهما جماعة من فتيان خزاعة ومُضَر جميعاً إلى خباب ، فوجدوه منهمكًا في عمله ..
فأقبل عليه ( سباع ) وقال :
لقد بلغنا عنك نبأ لــم نصدقه ..
فقال خباب : وما هو ..؟
فقال سباع :
يشاع أنك صبأت ، وتبعت غلام بني هاشم ..
فقال خباب في هدوء : ما صبأت، وإنما آمنت ،
بالله وحده لا شريك له ، ونبذت أصنامكم ،
وشهدت أن محمدًا عبد الله ورسوله ..
فما أن لامست كلمات خباب مسامع ( سباع )
ومَنْ معه حتى انهالوا عليه ،
وجعلوا يضربونه بأيديهم ويركلونه بأقدامهم ،
ويقذفـــــونه ،
بما يصلون إليه من المطارق وقطع الحديد ،
حتى هَوَى على الأرض فاقد الوعي ودمائه تنزف ..
تعرض خباب لشتى ألوان العذاب ،
لكنه تحمل ، وصـــــبر في سبيل الله ..
كانوا يضعون الحديد المحمي على جسده ،
فما يطفئ النار إلا الدهن الموجود في ظهره ،
فقد ثبت ابتلاء خباب بن الأرت، وبقاء أثر العذاب في ظهره، فقد صح أنه جاء إلى عمر فقال: ادن فما أحد أحق بهذا المجلس منك إلا عمار، فجعل خباب يريه آثارا بظهره مما عذبه المشركون. رواه ابن ماجه وصححه الكتاني والألباني. واخرجالبخاري عن خباب قال: شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا: ألا تستنصر لنا ألا تدعو لنا… وقد روى أبو نعيم في الحلية عن الشعبي قال: سأل عمر بلالا عما لقي من المشركين فقال خباب: يا أمير المؤمنين انظر إلى ظهري، فقال عمر: ما رأيت كاليوم. قال: أوقدوا لي نارا فما أطفأها إلا ودك ظهري.
وقد سأله عمر بن الخطاب رضي الله عنه يوماً :
عما لقى من المشركـــين ،
فقال خباب : يا أمير المؤمنين ، أنظر إلى ظهري ،
فنظر عمر، فقال : ما رأيت كاليوم ،
قال خباب : لقد أوقدت لي نار ، وسحبت عليها
فما أطفأها إلا ودك ظهري ( أي دهن الظهر) ..
كانت الملعونة ( أم أنمار)
تأمر غلمانها أن يشعلوا لها الجمر ،
ثم تأمرهم أن يحملوا خباباً بعد تجريده من ثيابه ،
وأن يضعـــوا ظهره على الجمر ..
ثم تجلس بجانبه الشـــقية ،
وتقول : واللات والعزى لا أتركك ،
حتى لا أسمع طشيش الجمر في أذني .. !!
ويغيب رضي الله عنه عن الوعي ،
والشقية جالسة بجانبه ..
وعندما يصحو من الغيبوبة والجمر على ظهره ،
بعضه قد سقط والبعض لا يزال ملتصقاً بظهره ،
فيقول : أين رســـــول الله ..؟
يقول خباب بن الأرت رضي الله عنه ،
في الحديث الصحيح الذي يرويه البخاري :
شكونا إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بُردة في ظل الكعبة،
( البردة مثل العباية يلفها تحت رأسه )
فقلنا له : ألا تدعو لنا ، ألا تستنصر لنا .. !!
لاحظ أدب أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم ،
وهم لم يشكوا لحظة في النصر ،
فقعد النبي صلى الله عليه وسلم وهو محمر وجهه،
فقال : ( لَقَدْ كَانَ مَنْ قَبْلَكُمْ لَيُمْشَطُ بِمِشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ عِظَامِهِ مِنْ لَحْمٍ أَوْ عَصَبٍ ، مَا يَصْرِفُهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ ، وَيُوضَعُ الْمِنْشَارُ عَلَى مَفْرِقِ رَأْسِهِ فَيُشَقُّ بِاثْنَيْنِ ، مَا يَصْرِفُهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَلَيُتِمَّنَّ اللَّهُ هَذَا الأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ، مَا يَخَافُ إِلاَّ اللَّهَ وَالذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ )
إذن أمام هذه المحنة ،
ماذا فعل الرسول صلى الله عليه وسلم ..؟
طلب من أتباعه أن يصبروا كما صبر السابقون ،
وأخبرهم أن النصر آت لا محالة ..
يقول أبو بكر رضي الله عنه : وأنا أقول في نفسي ،
لو دعى له رسول الله واستنصر له
( يعني لو رسول الله يطيب خاطره بكلمتين )
يقول أبو بكر: فلما مضى خباب ،
فما راعني إلا والنبي رفع يديه إلى السماء وهو في حِجر الكعبة ، حتى بان بياض إبطيه والدموع في عينيه حزناً يبكي على خباب ، وقال :
اللَّهُمَّ انْصُرْ خَبَّاباً ،
اللَّهُمَّ انْصُرْ خَبَّاباً ،
اللَّهُمَّ انْصُرْ خَبَّاباً ،
وجاء النصر سريعاً ..
فما لبثت أن اشتكت مولاته ( أم أنمار )
من ألم في رأسها، فكانت تعوي مثل الكلاب ،
فقيل لها اكــتوي ،
فكان خباب يأخذ الحديدة المُحَمّاة ،
فيكوي بها رأسـها ..