الرئيسيةشعر وشعراءمقالاتمنظمة همسة سماء

قراءة نقدية لقصيدة تكذب ولا تتجمل لشاعر الأمة محمد ثابت

قدم النقد الدكتورة فاطمة ابوواصل إغبارية

الكذبُ مِفتاحُ البليِّةْ

وهوالنِّهايةُ يا غَبيِّةْ

وهو الذي أغْوَى العبادَ

على الرذائل والخطيِّةْ

الكِذبُ مِفتاحُ الفجورِ

وفيهِ أنتِ بوجهِ حَيَّةْ

مَنْ قالَ أنَّ الْغِشُّ يحْيا

واهِمٌ وبِلا هَويِّةْ

هو بين شِقَّيِّ الرَّحى

ولسوفَ تأتيهِ الْمَنِيةْ

وعَلَى الشَّقَاوةِ قد نَما

بين المُصِيبةِ والرَّزِيةْ

الكِذبُ مأواهُ الَّلظى

الكِذبُ نارٌ يا شَقِيِةْ
—–
قصيدة لشاعر الأمة
محمد ثابت
مؤسس شعبة شعر الفصحى باتحاد كتاب مصر
– مؤسس نادي أدب قصر ثقافة البدرشين

نقد غير تقليدي لقصيدة “تكذب ولا تتجمل”

للشاعر محمد ثابت – شاعر الأمة

عنوان القراءة:

“الكذبُ كأنثى محروقة: قراءة تفكيكية في شعر الجلد القيمي”

 مقدمة لا تشبه المقدمات:

هذه القصيدة لا تُقرأ… بل تُصفع. لا تُحَب، بل تُهاب.

قصيدة تقف في مواجهة “الكذب” لا كفعل، بل كـ كائن متحول، أنثوي، ملتوٍ، مموّه.

القصيدة لا تبحث عن الجَمال، بل تمارس طقس تطهير لغوي، حيث تُجلد الكلمات الكاذبة علنًا.

 تجسيد الكذب: من “أداة” إلى “أنثى ملتهمة”

الكذبُ مِفتاحُ البليِّةْ

وهو النهايةُ يا غَبيِّةْ

هنا يبدأ الانزلاق الجريء: الكذب لا يُشار إليه كفعل مجرّد، بل يُخاطَب بصيغة المؤنث — “يا غبيّة”.

نحن أمام تحويل الكذب إلى ذات مجسّدة. هذا التحوّل غير بريء؛ فالشاعر يعيد تشكيل الكذب كـ “أنثى مخادعة”، ثم يمضي في ضربها شعريًا بيتًا بعد بيت.

لكن مهلاً، هل الكذب أنثى فعلًا؟ أم أن الأنثى هي ضحية استعارة بلاغية مشبعة بإرث ذكوري؟

هنا تكمن الجرأة النقدية: القصيدة تكشف عن نزعة تأنيث السقوط الأخلاقي، لا بوصفها موقفًا معاديًا للمرأة، بل كإرث شعري قديم يتكرر بدون مسائلة

استخدام صيغة التأنيث مثير للتأمل. الكذب هنا يُؤنّث (يا غبيّة، يا شقيّة، بوجه حيّة). هل هو تجسيد للكذب كـ أنثى رمزية؟ ليس هجاءً للمرأة، بل تحميل الكذب صفات أنثوية كمجاز بلاغي يعكس الازدواج، الإغواء، والتحوّل. هذا يستحق نقاشًا نقديًا عميقًا لا يمر مرور الكرام.

لكن: هذا الاستخدام قد يثير تساؤلات في ظل حساسيات اليوم. هل تجيء هذه الأنثوية كتقليد بلاغي قديم؟ أم نحتاج لتفكيكه لئلا ينزلق إلى تنميط غير مقصود؟

القصيدة كـ محكمة ميدانية

كل بيت في القصيدة يُبنى على نظام العقاب:

من قال أن الغش يحيا

واهمٌ وبلا هوية

ولسوفَ تأتيهِ المنية

الكذب مأواه اللظى

لاحظ أن كل صورة تنتهي إما بـ”فقدان”، “نار”، أو “موت”.

لا مساحة هنا للتوبة أو الخلاص أو حتى الفهم — الشاعر يتعامل مع الكذب كعدوّ لا يُفاوض.

لكن هذا يطرح سؤالًا نقديًا غريبًا:

هل تُمارس القصيدة شكلاً من العنف اللغوي المضاد؟

هل يحق للشاعر أن يُدين الشر بذات أدواته — النار، الجلد، المسخ؟

في هذا المنظور، القصيدة قد لا تكون بريئة تمامًا. هي لا تُطهّر فقط، بل تحرق أيضًا.

القافية كسلاح: ثبات الإيقاع = ثبات العقوبة

(ـيّة) – (غبيّة، خطيّة، حيّة، هويّة، رزِيّة، شقيّة…)

القافية هنا ليست مجرد عنصر موسيقي، بل هي قيد، تكبّل النص داخل تكرار صوتي مقصود.

كأن الشاعر يلفّ الكذب بحبل صوتي ويشدّه أكثر في كل بيت.

القصيدة تتعمّد أن تظلّ في نفس المدار الإيقاعي حتى لا تتيح للمعنى أن يتنفس.

البناء الإيقاعي: جدلية الغضب والموسيقى

الإيقاع في القصيدة بسيط لكنه محكم. هناك تقفية موحدة (ـيّة) تشبه الطرق بالمطرقة، تجعل من كل بيت حُكمًا قاطعًا. هذا الشكل الإيقاعي يناسب الوظيفة الخطابية للنص – لا مساحة للشك، لا احتمالات. هناك إصرار على الإيقاع كأداة للترهيب.

. تفكيك الرؤية: هل القصيدة تهاجم الكذب… أم تخافه؟

رغم كل العنف الظاهري، هناك احتمالية خفية:

أن تكون هذه القصيدة ليست هجاءً للكذب… بل تطهيرًا للذات من أثره.

الشاعر يجلد الكذب لأنه رآه، أو عاشه، أو ربما تلبّسه لحظة.

هذه القصيدة عند تفكيكها لا تهاجم الكذب كفكرة، بل قد تهاجم الضعف البشري أمامه.

هذا ليس ضعفًا، بل اختناقًا مُتعمّدًا.

منجز شعري في “الغضب الأخلاقي”

قد لا تكون القصيدة مغامرة في الشكل أو الصور المجازية، لكنها تنتمي إلى مدرسة “الشعر الأخلاقي الغاضب” – وهو نمط له تقاليده منذ المتنبي وحتى أمل دنقل، لكن هنا بأسلوب شعبي-فصيح، قد يُناسب جمهور الثقافة الجماهيرية أكثر من النخبة.

اقتراحات نقدية للتوسع:

تفكيك الخطاب الأخلاقي: هل الكذب هنا مجرد ذنب فردي أم انعكاس لبنية اجتماعية؟

دور الشاعر كـ”وصي على القيم”: هل يكتفي الشاعر بالإدانة أم يطرح بديلًا؟

أين القارئ من القصيدة؟هل هو مدان ضمنًا؟ أم مدعو للمشاركة في الجلد؟

ختام تفكيكي:

“تكذب ولا تتجمل” ليست نصًا أخلاقيًا كما تبدو، بل نصًا مسكونًا بالخوف من السقوط.

الشاعر هنا لا يقف من موقع النقاء، بل من حافة الهاوية، يحذّر ويصرخ — لا لأن الكذب بعيد، بل لأنه قريب جدًا.

خلاصة جريئة للنشر:

• القصيدة تخلط بين الشعر والخطاب القضائي، حيث يتحوّل الشاعر إلى قاضٍ لا يقبل الاستئناف.

• تتضمّن تحيّزًا استعاريًايؤنّث الكذب، مما يدعو لإعادة النظر في بلاغتنا الأخلاقية.

• تكشف عن عنف مضادباسم الطهارة، مما يجعلها نصًا مزدوجًا: يجلد، ويكشف الجلد ذاته

اترك تعليقاً

إغلاق