مكتبة الأدب العربي و العالمي

الطفلين جزء ١ / ٢

كانت تعيش عائلة صغيرة في قديم الزمان تتكون من نجار وزوجته وطفلاهما عيشة هناء وسعادة لا يكدّر صفوها أو يعكرها شيئ والطفلان يملآن جو البيت مرحا وسرورا لكن الهناء لا يدوم فقد مرضت الأم وأخذت العلة يشتد عليها يوما

بعد يوم حتى ماتت وهي توصي زوجها على صغارها فخيّم الحزن على البيت، وملأت الحسرة قلب الرجل لوفاة زوجته، وبقي يفكّر في الطفلين بعدها. فقرّر أن لا يدخل بيته امرأة تحلّ مكان زوجته وعقد العزم أن يتفرغ لتربيتهم بمفرده خوفاً من قسوة زوجة الأب وكانت الفتاة تكبر أخاها وتساعده على شؤون  الدار،

ومرت الأشهر ،والرجل يحاول بكل جهده أن يملأ الفراغ الذي تركته زوجته لئلا يشعر الطفلان باليتم حتى جاء اليوم الذي اقتحمت فيه عالمهم أرملة من جاراتهم أخذت تتردد عليهم من وقت لآخر لتنظيف البيت أو غسل الملابس وهي لا تنس أن تقبّل الطفلين عند مجيئها ووقت رواحها.،وتقول للرجل إنها ترد بعضا من فضل زوجته عليها

ومع الأيّام تطوّرت علاقتها بالأسرة وصارت تعتني بالطفلين وتعد الأكل لهما وتقضي أكثر الأوقات في دار جارتها وخفف وجودها من هموم الرّجل وأحزانه

فكان يذهب إلى عمله مطمئنا إلى وجود من يرعى الأولاد في غيابه فزاد ذلك من إرتباط الأرملة بهم وغدت تتصرف كما لو كانت ربة البيت كان الرجل لا يرى منها إلا حسن المعاملة لأبنائه إلى درجة أنهما نسيا الإحساس باليتم ورجعت لهما البسمة

بمرور الأيام بدأ النجار يستريح لتلك الأرملة ،وأخذت مشاعره نحوها تقوى فرآها خير من يخلف زوجته التي فارقته ففاتحها ذات يوم في الزواج فلم تمانع تزوجها لتعيش معهم ولتكون هي سيدة البيت

كانت الفتاة مرتابة من الأرملة منذ دخلت عليهم البيت وبدأت تلاحظ أنها تبالغ في الاهتمام بأبيها الذي يصغرها بعدة سنوات ولم يعد يفكر إلا فيها حتى كاد أن ينساهم وبقيت تنتظر ليرجع كسابق عهده معهم لكن طال انتظارها وأبوها مشغول عنهما بزوجته الجديدة ا وما أن صارت سيدة البيت

حتى أهملتهما وبدأت في التّذمر منهما والشّكوى من عنادهما
وحين يدافعان عن نفسيهما لا يصدفهما النجار ،ويعاقبهما بشدة ، وكان كلما لبى لزوجته طلباً، ازداد دلالها حتى أبعدته عن الطفلين نهائيا ،ولم يعد يسأل عنهما، وتركهما يعيشان بمفردهما، وهما أصبحا لا يكلّمانه من شدّة الخوف ففي كلّ مرّة يجد سببا لضربهما

فكانت الفتاة تعطف على أخيهـا الصّغير وتخفي له الثّمار لمّا يجوع ،فتلك المرأة بخيلة معهما ،وتتركهما جائعين ،أحد الأيام قالت الأرملة للنجار: لقد كبر الطفلان ويجب أن يبدآ في الاعتماد على نفسيهما

أرسلهما للغابة ليجمعا لنا الأغصان الجافة كان قولها مفاجئاً له إذ لم يكن يتوقّع منها ذلك فحاول تجاهل طلبها إلا أنها عادت فكررت قولها من جديد
رد الأب: لكن الغابة بعيدة وفيها السباع قالت له: لا تخف فإنّهما ماكرين ،وأنا أعاني منهما ،وفي النّهاية وافق و قال لها : لا بأس سأرافقها حتى يتعوّدان على الذهاب والرّجوع وحدهما

لم يغب عن الأب أنّ تلك الأرمله تحاول إبعاد الأطفال عن الدار ورغم قسوته معهم، فهم يبقون أبناءه ولقد أوصته زوجته عليهما قبل أن تموت ووجد نفسه في حيرة أشد من التي وقع فيها من قبل

فلقد تعود على تلك المرأة التي كانت حاذقة وتحبه لذلك قرر أن يجاريها ولما يحملهما إلى الغابة كان يوصيهما بعدم الإبتعاد ،وإذا أحسّا بالخطر عليهما تسلق شجرة كبيرة حتى يأتي إليهما ،وبالتالي ترتاح زوجته من جلبة أبنائه

وهو يعترف أنهما يقلقانه بصراخهما وركضهما في كل مكان مرت ثلاثة أيام رراق الهدوء للمرأة وشعرت كأنها في بيتها فوجود الأطفال كان يذكرها بجارتها وهي كانت تحسدها على زوجها الوسيم وتمنت لو كان من نصيبها ولم تمرّ بضعة سنوات حتى تحققت رغبتها ولم يبق لها إلا أن تخلص من الأطفال وكل شيئ سيكون لها الرجل والحلي والدار

#حكاية_الطفلين
الجزء_الثاني
حين ذهبا الطفلين للغابة لأول مرّة أحسّا بالخوف فلقد كانا يسمعان صياح الحيوانات ويريان الديدان والنمل وسائر المخلوقات تزحف على الأرض فصعدا إلى شجرة عالية ومرّ
الوقت وأحسا بالبرد والجوع والتصقا مع بعضيهما بحثا عن الدّفئ وفجأة سمعا رفرفة طائر ملون ليس في الدّنيا أجمل منه وأخذ يدور حولهما كأنه يدعوهما لإتباعه

فنزلا وقادهما إلى غار فيه عش كبير للنحل يسيل منه العسل فأدخلا أصابعهما الصغيرة وأكلا ثم جمعت البنت أغصان الشجر وأشعلت نارا بحجر صوان تدفأ عليها ولما رجع أبوهما وجدهما في أحسن حال فحمد الله وأصبحا يذهبان. ويرجعان بمفردهما ورغم بعد المسافة فإنهما تعودا على المشي و كل مساء يعودان برزمة من الأغصان وسلة من الفطر وبيض الحمام والعسل

فقالت الأرملة في نفسها :لقد كنت أنتظر أن يصيبهما أذى في تلك الغابة وإذا بهما صارا يحملان رزقهما، يا لهما من خبيثين يجب أن يذهبا بدون رجعة فأنا أنتظر مولودا وهذه داري

وأخذت تفكر في حيلة لا تثير ريبة الأب في أحد الأيام رأت أن أحد تجار القرية يعد قافلة صغيرة من خمسة جمال للسّفر وملأ عشرة جرار بالزبيب والتين المجفف لما رأت تلك الجرار خامرتها فكرة لا تخطر على بال أحد وفي المساء طبخت للطفلين قصعة بالمرق واللحم والشحم فأكلا حتى شبعا

وهما يتعجّبان من كرم تلك المرأة ولما رجع الأب قالت له إن طفليك دخلا المطبخ ونبشا القصعة وأكلا ما فيها فغضب النجار وقال لهما :سأحرمكما من الأكل يومين عقابا لكما على قلة أدبكما والآن إذهبا للنوم فأنا لا أريد رؤية وجهيكما

حاول الطفل، واسمه عليّ الكلام، لكن أخته الكبرى تفاحة أشارت عليه بالصمت فهي تعرف أنه لن يصدقه فذهبا إلى فراشهما وهما يبكيان وبعد فترة غرقا في نوم عميق لكثرة ما أكلاه من لحم

وحين نام الجميع خرجت المرأة في الليل على أطراف أصابعها وذهبت لدكان التاجر الذي بجوارها ورأت الإبل باركة وعلى ظهورها الجرار وكان هناك رجلان يحرسانها غير بعيد عنها فرجعت للدار وأحضرت الصبيين واحدا تلو الآخر

ثم رمت كل وحد في جرة وغطته بما فيها من زبيب أو تين بعد ذلك رجعت لفراشها وتركت باب الدار مفتوحا وعند الفجر تحركت القافلة دون أن يحس التاجر بشيئ

و في الصّباح لمّا تفقد النّجار غرفة الأطفال وجدها فارغة وحين سأل امرأته عنهما لامت عليه أنه هددهما بالتجويع والضرب لذلك هربا من الدّار ولم يشك الرجل في أن هذا ما حصل حين رأى الباب مفتوحا فخرج يجري وصار يلطم رأسه

أمّا زوجته فطلبت منه أن يهدأ ،وستخرج للبحث عنهما
أما القافلة فواصلت سيرها حتى توغلت في البادية وفجأة ثارت عاصفة رملية شديدة وتفرقت القافلة

بعد قليل أحس الأطفال بالحرارة والعطش وحين نهضا إكتشفا أنهما وحيدين مع جمل ضائع فبدأ عليّ بالصراخ وطلبت منه أخته أن يصمت لكي تفكَّر

فقالت في نفسها: الجرار فيها الأكل لكن ليس لنا ماء وفجأة ظهر لهما في السماء الطائر الملّون أخذ يدور حولهما فقالت :هيا بنا نتبعه لا بد أن هناك واحة قريبة

سار الجمل وراء الطائر حتى وجدا بئرا، فنزلا وشربا ،ثم حطّ الطائر هذه المرّة، وقال لهما :أوصيكما بعدم الثّقة في كل ما ترونه وسأواصل المجيئ إليكما حتى أوصلكما لبر الأمان

تعجّب علي لما سمعه يتكلم وسأله :لماذا تفعل ذلك معنا ؟
أجاب الطائر: ألم تعرف لحد الآن من أنا ؟
إعلموا أني أمّكما أوصتني عليكما ثم طار ومن بعيد لاحت لهما دار من الحجارة

حكاية_الطفلين_الجزء_الثاني

ولما إقتربا شاهدا امرأة جميلة ترحي القمح فأراد علي الذهاب إليها ليأكل لكن أخته قالت : لا تذهب فإني لا أرتاح إليها تذكر كلام الطائر التي أوصنا أن لا نصدق كل ما نراه

هل رأيت من قبل بدوية تسكن في دار من الحجر وسط الصحراء لكن الولد لم يسمع الكلام فاقترب منها وقال لها هل لديك شيئ آكله
نظرت إليه المرأة بدهشه وسألته كيف وصل لهذا المكان الذي لا يدخله الإنس ولا الجان

لم يكن علي حذرا مثل أخته وقص عليها ما فعلته زوجة أبيه التي لا تحبه هو وأخته وكيف إحتالت عليهما ليجدا نفسيهما وسط جرتين على ظهر جمل وحكاية العاصفة والطائر الملون

قالت له: ألا بأس والآن نادي أختك فلم تجد تفاحة بدا من المجيئ لحماية أخيها الذي يريد أن يأكل ويرتاح وبينما كانا يجلسان على الطاولة خرجت المرأة إلى الصحراء ونصبت فخا للطائر لتقتله وقالت :سأبدأ الليلة بالجمل ثم الصبي وأخته بعد أن أسمنهما

لكن الفتاة ذهبت إلى قدر الطعام وأطلت عليها ثم أخرجت يد رجل مطبوخة وقالت لأخيها : انظر هل تأكدت الآن أنها تأكل لحم البشر فذعر على وقال: هيا بنا نهرب.

لكنهما حين خرجا من الدار وجدا الجمل مذبوحا والمرأة تسلخ فيه وحين نظرا إليها وجدا أنها عفريت من الجان بزي بدوية وكان منظره بشعا قالت له أخته هل عرفت ما يحصل لما لا تفكر ة لقد خسرنا الآن الجمل وليس لنا طعام أو ماء

قال لها: بقي الطائر لكن بعد قليل إقترب منهما وقد علته الجراح وتلطخ ريشه الجميل بالدماء وقال لهما :لقد أوصيتكما بالحذر من كل ما ترونه لكن لم تسمعا النصيحة

إسمعا غدا أنظرا للأفق فإن رأيتما غيمة بيضاء فاعلما أني سأواصل المجيئ إليكما وأما إذا كانت سوداء فعليكما أن تتدبرا أمركما واعلما أنّكما في أرض الجان

وكل من يأتي به حظه السّيئ إلى هنا يأكلونه لكن هنا امرأة منهم إسمها دجيرة وهي كانت تأكل النّاس كعادة قبيلتها، وفي أحد الأيام أكلت رجلا مريضا مع ولداها فماتا وهي أيضا كادت تهلك ولما شفيت صارت تقتات على النبات والفواكه إبحثا عنها وهي ستنقذكما بإذن الله وتحبكما ولديها وهما في مثل سنكما

في الغد ظهرت الغيمة السوداء فقالت تفاحة لأخيها : الآن علينا تدبر أمرنا بأنفسنا وبدأ يسيران في الليل ويرتاحان في النّهار حتى قال الولد لأخته : لم أعد أستطيع السير أعتقد أني سأموت الآن فجرّته من قدميه وأسندته على صخرة كيبرة وشرعت في البكاء والدعاء لله

وبينما هي تنظر إلى الأفق رأت امرأة تقترب وعلى ظهرها قربة ماء ولما رأتها تعوذت بالله فلقد كانت بشعة المنظر ولها حافر ماعز وقال على : إنها ستقتلنا لكن تفاحة طمأنته وقالت : لو كانت تريد ذلك لغيرت شكلها

هل تتذكر ذلك العفريت الذي تحسبه فتاة في غاية الحسن والجمال ولما أصبحت المرأة بجوارهما فتحت القربة وسقت الولد الذي شحب لونه من الجوع والتعب ثم مسحت وجهه وأعطت القربة للفتاة التي شربت ثمّ شكرتها على معروفها

سألتها كيف نجوتما من الصحراء ومن عفاريت الجان الذين يسكنونها لم يصل أحد من البشر حيا إلى هذا المكان من قبل وأنا أعيش هنا وحدي منذ سنوات طويلة .

قالت تفاحة: القدر هو من أوصلنا إلى هنا ونحن نبحث عن امرأة من الجن إسمها دجيرة هل سمعت عنها ؟
بقيت الجنية تتفرس فيهم بعينيها الواسعتين ثم قالت : من أخبركما عن إسمي ؟
أجابتها تفاحة : إنه الطائر لي أوصته أمنا قبل أن تتوفى علينا لأنه حزين علينا

نزلت دمعة كبيرة من عيني الجنية وردت عليها :ولداي أيضا في السماء وكم من مرة أشتهي أن أموت لأذهب إليهما ،لكن الأوّل يجب أن أعالجكما وأطعمكما فحالتكما لا تسر أحدا

ثم قادتهما إلى كهف في الجبل وطبخت حساءا ساخنا من جذور النبات فأكلا واستراحا ،وكانت تلك الجذور نافعة للبدن، وبعد أيّام تحسّنت حالهما وصار لونهما صافيا

وأعطتهم ملابس ولديها التي كانت على مقاسهما تماما ومشطت شعريهما وبدأت تحسّ بسعادة كبيرة لوجودهما معها ثم غيّرت شكلها إلى امرأة جميلة خضراء العينين وقالت لهما :سأبقى على هذا الشّكل ما دمتما معي
قال لها الطفلان سنبقى معك فأنت أمنا
#يتبع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق