مقالات

مولدُ الهادي البشير هو الربيع(9)

بقلم : محمد طلال بدران

هذه السلسلة يكتبها د. محمد طلال بدران – مدير دار الإفتاء والبحوث الإسلامية(48)
الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد:
* أبرهةُ الأشرم يغزو الكعبة
– سمّي هذا العام بعام الفيل، لأن هجوم أبرهة الأشرم على مكة المكرمة بهدف هدم الكعبة قد تم بالاستعانة بالفيَلة، وكان هذا الهجوم من أعظم وأفظع ما تعرّضت له مكة المكرمة في تاريخها، ولكنّ عناية الله تدخّلت ليبوء هذا الهجوم الكاسح بالفشل الذريع والخيبة والويل والثبور للأشرم وجيشه الذي هلك، وإليكم بعض التفاصيل:
– هجوم أبرهة
فبعد أن ترك أهل مكة كعبتهم وتخلّوا عنها للنجاة بأرواحهم، قام الأشرم المغرور بقوّته، والمتباهي بجيشه، والقادم بفيَلته وخيله وخُيلائه بالزحف نحو مكة المكرمة حاملًا معه كل الحقد والحسد ومجهّز بالعتاد والعُدة والجند ومصطحبًا الفيَلة، آتٍ من أرض اليَمنِ واضعًا أمامه هدف واحد وهو هدم الكعبة المشرفّة، بهدفِ صرفِ الناس عنها، وصرفهم نحو كنيسة القُلّيس التي بناها في صنعاء لتكون محجًا جديدًا وبديلًا عن الكعبة.
– في طريق الزحف نحو مكة
خلال زحف الأشرم وجيشه من أرض اليمن نحو مكة المكرمة لم تسلم القبائل العربية التي كانت تسكن في أرض الحجاز في شبه جزيرة العرب، خصوصًا تلك التي كانت تسكن في طريق مسار جيش الأشرم، فكان يقوم بالقتل وسفك دماء القبائل العربية التي سمعت بمسعاه وهدفه المعلن -هدم الكعبة-، فقامت بعض القبائل بمقاومة جيشه في الطريق بهدف ثنيِه عن تحقيق مراده الّا أنهم فشلوا في منعه.
– خائنٌ عربيّ دليل
سمع الأشرم عن مكة الكثير الكثير ولكنه لم يأتها من قبل، ولا يعرف طريقها، ومن أجل تحقيق مراده في الوصول إلى مكة لتنفيذ مخططه القذِر، كان لا بد من الاعتماد على دليل يعرف الطريق، فاعتمد على أحد خوَنةِ العرب، وكان هذا الخائن من قوم ثمود؛ -قوم نبيّ الله صالح- وكان يُدعى بِ (أبي رُغال)، فبعد أن رفض الجميع عرضَ أبرهة الأشرم، قبِل هذا الخائن الملعون المأجور العرض، مقابل ثمنٍ بخسٍ كعادة الخون، فسار أمامهم كدليلٍ لهم على مدار أيامٍ وليالي يطوي بها الصحراء بهدف تمكين الأشرم من هدم الكعبة، وعندما وصل الأشرم وجيشه بمساعدة هذا الخائن المأجور الى منطقة: (وادي المغمس)؛ -تقعُ غرب مكة المكرمة ويُسمّى أيضًا بالوادي الأخضر- نزَلَ هناك أبرهة وجيشه فهلك أبو رغال في المكان ومات هذا الخائن، فتم قبرهُ هناك في نفس المكان؛ -رجم العرب قبره على الدوام فكل من كان مر بجانب قبر هذا الخائن كان يقوم بواجب الرّجم وفي ذلك يقول الشاعر :
وارجُم قبره في كل عام
كرجم الناس قبر أبي رغال
وفي طريق أبرهة نحو الكعبة في مكة سيطر على مئتي رأسٍ من الأبل تعود ملكيّتها لعبد المطلب جدّ الرسول الأكرم، ثمّ أرسل رسولًا لأهل مكة، وعندما جاء رسول أبرهة الأشرم اليها دلّوه على: (عبد المطلب بن هاشم)، وبلّغه قول أبرهة وهدفه، فقال له عبد المطلب: “واللَّه ما نريد حربه، وما لنا بذلك من طاقة، هذا بيت اللَّه الحرام، وبيت خليله إبراهيم، فإن يمنعهُ منهُ فهو بيته وحرمه، وإن يخلي بينه وبينه، فواللَّه ما عندنا دفع عنه”.
ثم سار معه إلى أبرهة، فلما رآه أبرهة أجلّه ووقّره؛ -كان عبد المطلب رجلا جسيما وسيما مُهابًا، فنزل أبرهة عن سريره، وأجلسه معه على البساط، وسأله عن حاجته، فقال: “حاجتي أن ترُدّ عليّ قطيع بعيري التي أصبتها لي”، فتعجب أبرهة، وقال: “أتُكلّمني في مئتي بعير لك وتترك بيتًا هو دينك ودين آبائك، قد جئت لهدمه”؟! فقال له عبد المطلب: “إني أنا ربّ الإبل، وإنّ للبيت ربٌ سيمنعه عنك”، فقال أبرهة: “ما كان ليمتنع مني”، قال عبد المطلب: “أنت وذاك”، ثم رجع عبد المطلب الى مكة وأتى الكعبة البيت الحرام ومعه نفر من قريش، وأخذوا بحلقة باب الكعبة يدعون اللَّه، ويستنصرونه على أبرهة وجنده، ثم تركوا مكة وصعدوا الجبال للنجاة بأنفسهم.
– قدِم المجرم أبرهة الأشرم لاستكمال مخططه الذي جاء من أجله، فقام بتوجيه الفيَلة نحو الكعبة، ولكن الفيل قائد الفيَلة امتنع عن المسير، ورفض أن يتحرك باتجاه الكعبة، ثم إذا قام بتوجيهه نحو الجّهة المعاكسة فسار الفيل سريعًا، وبينما هو على هذا الحال يتقدم بجيشه لهدم بيت الله الحرام، وإذا بالسماء قد امتلأت بأعدادٍ هائلة من الطيور، وكان كل طير منها يُمسك في منقاره ومخالبه ثلاث حجارٍ صغيرة، حيث ألقوها جميعاً على جيش أبرهة، فاخترقت تلك الحجارة أجسادهم ودمرتهم تدميراً، فهلك جيش أبرهة كله، وأصيب هذا الأشرم أبرهة بحجارة الطير الأبابيل إصابة بالغة ما هلك إلا بعد أن تساقط جسده أنمُلة أنمُلة، فظل حياً إلى أن رجع الى صنعاء كالفرخ الصغير، وانصدع قلبه عن صدره فمات لعنه الله، وفي ذلك أنزل الله سورة الفيل تصف الحدث قال تعالى: { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ* أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ* وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيل* تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ* فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ*} وهكذا أسدِل الستار على هذا المشهد، ثمّ يولد في هذا العام سيد الخلق وحبيب الحق سيد الأولين والآخرين محمدًا ﷺ
– صباحكم طيّب من طيب عبق مولد الهادي البشير، خير خلق الله محمد ابن عبد الله ﷺ.
– مقالة رقم: (1724)
12. ربيع الأوّل. 1446هـ
باحترام: د. محمد طلال بدران (أبو صهيب)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق