ثقافه وفكر حر

ليس خطؤك ..

بقلم # رياض الصالح

حدثتني طويلاً عن تجربتك في جلد ذاتك، وكأنك تدفعني لجلد ذاتي أمامك بالمثل، وليس مثلي من يقع في ذلك الشرك يا عزيزي، فهل تعرف نوع الألم الذي لا يحس به سواك، ولا يرى آثاره إلا كل أولئك الذين لم يحسوا بآلامك.
وجدت أنك تعتب عليَّ كثيراً عندما أختفي بطريقة فجائية محترفة، لا بد أن تعترف أنني لا زلت تحت أعين رقابتك الخفية، أعلم أنك لن تتغافل عن متابعة حركاتي الاحترافية في الانسحاب من أية جلسة جماعية مثيرة، أو التسلل هارباً من الحفلة الصاخبة، أو الانسلال المدروس حتى من أي مسؤولية بسيطة من الممكن أن يؤديها شخص غيري.
أعرف أنني قد أغافل الجميع إلاك، وتساءلت كثيراً إن كان ما أمارسه من اختفاء هو عملية اختبار لقدراتك في تحليل ما يحصل معي، أو استفزاز لمشاعرك المستفزة لي أنا أيضاً كلما شعرت بأني أخضع لمراقبة من جهة معلومة أو غير معلومة، فيا صديقي أنا لا أراقب أحداً لأي غرض، ولا يدفعني الفضول أو الطمع أو حتى الغيرة لأجعل من نفسي نسخة مقلدة من شخص ما، ولأنني كذلك، كنت أظن بأن رسالتي المطمئنة تلك قد وصلت لجميع البشر، فما الداعي لمراقبتي إذن ولا حاجة لتقليدي ولا متابعة تحركاتي، ولو على سبيل التعلم أو الاتعاظ، فقط ما أطلبه أن أُتركَ لممارسة الحياة وحدي دونما إزعاج.
لا تتعب نفسك في التهوين عليّ تعاطفاً، لا تثقل كاهلي بتلك التبريرات التي مفادها بأن كل ما يحصل هو ليس خطئي، أنت لا تدرك هنا أنك تثبت لي وجود الخطأ بما يحصل معي، وكأنك تؤكد كل شكوكي التي لا يريد أن يصدقها أحد بأن هنالك خطأ ما يدور حولي، أو يغرقني إلى أخمص قدماي، ولا يهمني بعدها إن كان هذا خطأي أم خطأ غيري، ولكن الذي يهمني أن أعرف ماهيته وأمسك بزمامه وأعرف دواءه ولو كلفني ذلك عمري كله.
أعلم أني أصبحت مثل السيارة المتهالكة التي لا تزفر إلا العادم الملوث، وذلك المريض الذي لا يتوقف عن السعال المعدي من جهة والمزعج من جهة أخرى، فلا أغضب من تفرق الناس من حولي إذا خافوا على أنفسهم، وأعترف لك أن دموعي تفيض سخية كلما شاهدت مقطعاً يفيض بلوعة الناس على أحبابهم وهبَّتُهُم الصادقة من أجل المساعدة، وكأن عزائي لنفسي أحصره بأن خير الناس للناس لا ينقطع، حتى لو قطعه الكثيرون معي، فمهما بلغوا فلن يكونوا جميع البشر، ومهما بلغت من القطيعة فيكفي أنني وصلت الحظ السيء منهم، فلا لوم ولا عتب.
ولماذا ألوم يا عزيزي، ومن ألوم بالضبط، فهل تعتقد أنك مكشوف بالكامل لغيرك كالسماء الصافية، وهل تظن أن البشر مكلفون بمعرفة جروحك اللامرئية وأنت لا تتقن الصراخ، ولا تتعلم فنون الشكوى، ومن أخبرك بأنهم متخصصون في قراءة الوجوه أو تنبؤ الغيب ومعرفة ما في الصدور، ولو عرفوا، فهم ليسوا من العارفين بما يناسبك، ولا من المتمرسين في علاج ذوي النكبات الخفية، فماذا تريد إذن .
دعني أخبرك أمراً، هل تظن أنك تعرف نفسك حقاً، أوليس ما وقعت به من أخطاء كان بسبب جهلك بنفسك وبالحياة في وقت من الأوقات، من ذا الذي يولد ناضجاً قادراً على التحليل بدقة لما حصل أو سيحصل، كلنا نبدأ صغاراً ثم نكبر، وكلنا أقزام صغار أمام الباب الذي دخلناه لأول مرة ولو لبثنا فيما مضى ألف سنة مما يعدّون، إننا في مدرسة الحياة طلابٌ ياعزيزي طالما لا زلنا نتنفس على ظهرها..
فلا تلومن الآخرين، والأهم من ذلك أن لا تلم نفسك كذلك، ودعك من جلد الذات لأنه لا يصدر عنه غير الألم، ولا يعالج إلا بعد ترك علامات وندبات ملتهبة، تؤذيك كلما لمستها أو أظهرتها لغيرك، ولن يشقى بآلام ذكرياتها إلا أنت وحدك، ولن ترضيك نظرات الشفقة، أو كلمات التعزية، ولا تلك المجاملات التي اعتاد الناس على ترديدها في حضرة الأحزان.

# بقلم
# رياض الصالح

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق