مكتبة الأدب العربي و العالمي
حكاية #حليمة_المسلمانيّة النّبتة السّحرية ( الجزء 2 )
ثمّ أطلّ من النّافذة ،فرأى جمعا من النّاس لا حصر له ،وقد علا ضجيجهم ،فبهت ،وقال في نفسه :ماذا فعلت من شرّ حتى أستحق كل هذا ؟ فالسّلطان مقتنع أنّي طبيب ،وسيحاسبني على كلّ مريض !!! ثم أمسك رأسه بيديه، وجلس في ركن ،ثمّ تذكّر إمرأته حليمة ،وكيف كان يضربها بقسوة ،ولا يرحم دموعها ،فقال :لقد فهمت الآن ،فما يحصل لي هو عقاب من الله على ظلمي ،وتساءل لماذا كنت أفعل ذلك؟ فلم يجد جوابا ،فتلك المرأة عاقلة ،ولم ير يوما منها سوءا ،فندم على غلظته ،ولعن الشيطان ،ثم رفع يديه إلى السّماء ،وقال: سامحني ياالهي ،وأتوب إليك، فلقد عرفت أنّ للضّعيف ربّا يحميه ،ثم بدأ يبكي ويشهق حتى إبتلّت لحيته .
وبينما هو كذلك إذ أرى طائرا يقف على النافذة ليس في الدّنيا أجمل منه وفي منقاره نبته، ثم رماها أمامه، وقال له : لقد قبل الله توبتك وبكائك ،أما هذه النّبتة فإنها من جنّة آدم، فغلّيها في قدر كبير من الماء ،واعط رشفة لكلّ مريض فيشفى بإذن الله ،وستبقى رشفة أخيرة، إحملها إلى إمرأتك حليمة ،وإياك أن تشربها مهما كانت الأحوال، ثم إختفى الطائر فجأة مثلما ظهر .،تعجّب مختار ،وظنّ أنّه يحلم، لكنّه رأى النّبتة على الأرض، فأخذها ،وأخبر السّلطان أنّه سينفّذ رغبته على شرط أن تكون مهمته الأخيرة، فوعده بذلك ثمّ فعل ما أوصاه به الطائر ،فأمر بقدر كبيرة ،فوضعت أمام القصر، وأضرم العبيد النّار عليه، ولمّا غلى الماء، رمى مختار النّبتة ،وكان السّلطان يتفرّج عليه من الشّرفة ،وقال في نفسه: هذا الرّجل إمّا بارع في الطّب أو محتال ،فكيف ستشفى تلك النبتة الصغيرة كلّ هؤلاء ؟ وعلى كل حال سأرى ما يفعله وويله إن بقي مريض واحد أمام بابي !!!
لما برد الدّواء أمسك مختار مغرفة، واصطفّ المرضى، وكلّ واحد كان يأتي يعطيه رشفة ،وكان من يشرب يرجع لمكانه حتى نفذت القدر ،وبقيت رشفة واحدة وضعها في قارورة صغيرة ،ثم صعد للقصر كي يرتاح ،وما كاد يجلس حتى إرتفعت التكبيرات، وجرى الناس لتطلّ عمّا يحدث ،فرأوا أنّ الذي كان مشلولا قد وقف على قدميه ، وأنّ الأعمى قد أبصر ،وأنّ كل العلل قد شفيت ،فجاءه السّلطان ،وقال: للحظة شككت بأنّك لن تفلح، لكن أثبتّ أنّك من طينة الأطباء الكبار !!! أجاب مختار بزهو : إنّما ذلك فضل من الله ،والآن لقد شفيت إبنتك، ورعيتك فدعني أرجع إلى إمرأتي ،فقد تركتها دون نفقة .
فأذن له بذلك وأعطاه عربة مليئة بالخيرات والذّهب كما وعده ،وسار مختار في طريقه ،ولم يكن فرحا بكل هذا الرزق الذي أعطاه له الله بقدر ما كان في غاية الشوق إلى حليمة ،فجأة أحس أنه يحبها أكثر من أي شيئ آخر.لما حلّ المساء كان قد قطع نصف الطريق ،وأحس بالتعب فقرر أن ينزل ليستريح قليلا ،ويطبخ طعامه ،ثمّ بدأ يجمع الأغصان الجافّة لإشعال النّار، وفجأة تسلّلت أفعى سامة ،ولدغته في إصبه، فصرخ من شدة الألم، وقال: أيّامي صارت معدودة ،فهذا السّم لا دواء له ،وفكّر في أن يشرب تلك الرّشفة من الدواء التي أخفاها لحليمة ،لكنه لما قرّبها لشفتيه، إستغفر الله ،وقال :ويحي كيف أفعل ذلك وقد وعدت الطائر أن أعطيه لها ،أفضّل أن أموت على أن أشرب الدّواء ،ثم ربط إصبعه ،وجرحه بسكين، فسال دم كثير ،بعد ذلك إتّكأ على شجرة ،وقد فارقته الرّغبة في الأكل …
…
يتبع الحلقة 3
عن حكايات زمان