مكتبة الأدب العربي و العالمي
حكاية مدينة الخيال من فولكلور آسيا الوسطى لقاء في الغابة ( حلقة 1 )
كان جماعة من التّجار مجتمعين وسط دار عطار في سمرقند يتسامرون ويستمعون لغرائب الأخبار فقال أحدهم :صدّقوني يا إخواني ،في كلّ أرجاء تركستان ،لم يكن هناك أكثر جمالا ولطفا من أميرة بلاد الخيال !!! هكذا بدأ التاجر القادم من بخارى حكايته، أجاب بائع السجاد القادم من مزار الشريف :هذا المكان لا وجود له يا صديقي، إبتسم البخاري ذو العينين الحالمتين وهو يسوّي أطراف معطفه المبطّن ،وقال :سأحكي لكم كل شيئ عنها إذا أردتم !!!إعتدل التجار الآخرون في جلستهم حول النار،وألقى الخدم بالمزيد من الخشب على اللهب ،وبدأت القصّة :
يحكى عن أمير شابّ يحكم بلاد تركستان لكنه رغم كثرة البنات الجميلات في مملكته لم يتزوج لأنه كان يريد أن يختار بنفسه فتاة أحلامه،أحد الأيام خرج الأمير للصيد ،لكنه مشى كثيرا،و إبتعد عن رفاقه ،وبينما كان يدور في الغابة شاهد شيئا يتحرك وراء الأشجار ولمّا صوّب إليه سهمه، فوجئ بفتاة شابة تخرج له ،و في يديها سلة مليئة بالتوت ، وبمجرد أن رأتها عيناه ، وقع في غرامها ،فقد كانت ثيابها بسيطة وحافية القدمين لكنّها في غاية الجمال والرّقة ،أحسّت الفتاة بنظراته إليها ،فاصطبغ وجهها بحمرة الخجل ،وقدّمت له سلتها فجلس قربها وبدأ يأكل ،وأحسّ بأنّه لم يأكل مثل هذه الفاكهة في حياته ،ثم سألها عن نفسها وقومها ،فأجابته بأنهم يعيشون بعيدا وهي تفضل حياة الغابة وتكره المدينة وما فيها من ضجة ،وقال له إنه مثلها ،ويعشق الخروج للصيد،ثم صار يأتيها كلّ يوم ومعه طعام فيأكلان ويتنزّهان، ثمّ يعود ،وبعد مدّة لم يعد قادرا على فراقها ،فعرض عليها الزّواج، وسألها مرّات عديدة عن أبويها ليطلب يدها ولكنّها لم تعطه جوابا ،وكانت عيناها في براءة الأطفال وتبدو وحيدة في هذا العالم ،ثم أركبها الأمير خلفه على حصانه ،وأخذها للقصر الأزرق الفيروزي الذي يشرف على المدينة،ولمّا رأى أب الأمير ووالدته غرام إبنهما بالفتاة الجميلة لم يمانعا من الزواج منها ،بل وأعجبا بها كثيرا فليس لأحد من بنات المملكة جمالها وذكاءها .وفي يوم العرس دخلت إلى قاعة القصر الكبيرة مرتدية ثوبا من الحرير الأبيض مرصّعا بالجواهر، وتعجبت الحاشية منها ،وتساءلوا عن نسبها ،ومن تكون ،فلم يروا أحدا من أهلها ،وكان ذلك شديد الغرابة بالنّسبة لهم .
إستمرّت الحياة هانئة لمدّة عام، واكتشف الشّعب أنّ أميرتهم مرحة وعطوفة فأحبّوها، وبعد تسعة شهور رزقت بمولود، فدبت الغيرة في قلوب أخوات الملك الثلاثة اللواتي لم يكن قد تزوّجن بعد ،وبدأن في إثارة الشائعات حولها في القصر أولا ،ثم في أرجاء المملكة، وصار الناس يتساءلون : من هي تلك الفتاة ؟ ولماذا لا نعرف عنها شيئا ؟وكيف يتزوّج مولانا من بنت عثر عليها في الغابة ؟لكن من يحبونها دافعوا عليها بالقول أنها من عائلة كريمة، ويكفي النظر لوجهها الأبيض الجميل وعيناها الزرقاوان في لون السماء !!! وقالوا: لا شك أنها من بلاد الخيال التي تحكي عنها الأسطورة ،والى حد الآن لم يرها أحد ،لكن الجدات دائما يأكّدن على وجودها في مكان ما وسط الغابة الكبيرة .
لكن الناقمين عليها لا يفوتون فرصة للإساءة إليها ،ويهتفون: فلنذهب إلى بلادها إذن !!! فلتأخذنا لبلاد الخيال التي أتت منها لكي نرى بأنفسنا ما تدعونه !!! كانت الأميرة المسكينة تسمع ما يدور حولها وتشعر بالحزن فلا تستحق ما يحصل لها ،ولم تطلب المجيئ إلى هنا ،وهي ليست قادرة على إرضاء أخوات زوجها ،فليتها كانت تعلم شيئا عن المكان التي جاءت منه كل ما تتذكره أنها خرجت من بوابة كبيرة لتلعب ونسيت طريق العودة ورباها حطاب عجوز،ثم مات وترك لها الكوخ . ولم تكف الشائعات بل إزدادت وصار الخدم ينظرون إليها ويتهامسون وفي النهاية فكّرت في أنّ المملكة ستعرف الهدوء بدونها ،ولا بدّ أن تعود للغابة ،على الأقلّ فهي سعيدة هناك وستواصل عيشيها على التّوت والفطر الأصفر ،فكم تفتقد طعمه ،حقا إنها ذكريات جميلة لأيّام مضت ،ثمّ ألحت على زوجها للخروج إلى الصّيد فهي تتوق للإبتعاد عن جوّ القصر ،وعن الدّسائس التي تحيكها أخواته ،وجد الملك الفرصة ملائمة لكي ترتاح الأميرة قليلا فهو يعلم مقدار حبها للطبيعة والزهور لكنها لما وصلت للغابة لفّت ولدها الصغير في غطاء، ثم غافلت الخدم، وهربت في وسط الأشجار ،ولما عاد الأمير لاحظ غيابها، فنادها لكن لم يردّ عليه أحد ،فأحسّ بالقلق ،وخاف أن يكون قد لحقها سوء …
…
يتبع الحلقة 2 والأخيرة
مغ تحيات احمد حميدي