أخبار عالميهمقالات
كارثة كيرالا: إغاثة نموذجية وإنسانية مثالية
بقلم: دكتور محمد رافع زين الدين* أستاذ مساعد، كلية الأنصار العربية- الهند
شهدت ولاية كيرالا، الواقعة في أقصى جنوب الهند، كارثة طبيعية هائلة الأسبوع الماضي عندما ضربت الانهيارات الأرضية منطقة وايناد. انحدرت الجبال على قريتين، مما أدى إلى تدميرهما بالكامل. لقي أكثر من 600 شخص مصرعهم، بينهم أطفال ونساء وشيوخ، وتم تدمير أكثر من 500 منزل بالكامل، بينما تعرضت حوالي 200 منزل لأضرار جزئية. كما لحقت أضرار جسيمة بالأراضي الزراعية والمواشي، وتعرضت مدرسة ثانوية، والمسجد الجامع، والكنيسة، ومعبد هندوسي للتدمير.
شهدت ولاية كيرالا مشاهد مروعة، حيث تم العثور على أكثر من 300 جثة في نهر تشاليار بمقاطعة ملابرم على بعد أكثر من 30 كيلومترًا من موقع الكارثة في وايناد. عبرت الجثث شلالات ضخمة، وتحولت إلى أشلاء متكسرة، مما جعل هذه المشاهد تملأ العيون بالدموع، وتترك القلوب في حالة من الحزن العميق. وصدق الله القائل: “ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ”.
بعد الكارثة، شهدت كيرالا استجابة إنسانية مذهلة حيث تدفق الشباب من مختلف أنحاء الولاية إلى المناطق المنكوبة، دون انتظار أي توجيهات من الحكومة. توجهوا إلى الجبال، مثل جبل مونداكاي وجبل تشورال، لإنقاذ المحاصرين وتقديم الإغاثة للمتضررين. تمكنوا من إعادة أكثر من عشرة آلاف شخص إلى بر الأمان، بعدما كانوا محاصرين على قمة الجبل أو خلف الجسر المدمر.
وفي موقف يعكس التعاون المثالي، قامت قوات الجيش الهندي ببناء جسر بديل في يوم واحد فقط للإغاثة، مما أعاد الأمل للمتضررين. شهدت منطقة وايناد تدفق المساعدات المالية والمواد الأساسية، وظهرت لمسات إنسانية رائعة حيث أعلنت فتاة من كيرالا استعدادها لإرضاع الأطفال الذين فقدوا أمهاتهم في الكارثة، بينما أبدى بعض الشبان استعدادهم للزواج من الفتيات المتضررات. يا لها من صورة إنسانية رائعة في تلك البقعة من الهند. ولا يسعنا إلا أن نتذكر قول الرسول ﷺ: “مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى”.
لم تقف الإغاثة عند حدود الهند؛ فقد مدّت دول العالم يد العون، حيث أعلنت المملكة العربية السعودية تعازيها ودعمت المتضررين، وتبعتها رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة، وحكومة الإمارات العربية المتحدة، وحكومة دبي. نشكر الهند والهنود على تعاطفهم ومواساتهم في هذا الوقت العصيب.
من أرض الكارثة، نرصد قصصًا حزينة، حيث نسمع بكاء النساء والأطفال. ومن بين هذه القصص قصة شهاب فيضي، إمام وخطيب المسجد في القرية المنكوبة، الذي حاول إيصال خبر الانهيارات عبر الأذان والميكروفون، داعيًا الجميع للتجمع في المسجد، بمن فيهم المسلمون والمسيحيون والهندوس. ولكن الانهيار الثاني، والذي كان أشد وأعنف من الأول، جرف المسجد وأغرقه بالمياه، مما أدى إلى وفاة العديد من الذين لجؤوا إليه. للأسف، عُثر على جثة الإمام بعد يوم على بعد من المسجد. نرجو أن يتقبلهم الله مع الشهداء.
ومن الملاحظات العجيبة في هذه الكارثة، أن الأفيال والحيوانات البرية هربت من الغابة قبل وقوع الكارثة. اللهم احفظنا من كل الكوارث والبلاء.
بقلم: دكتور محمد رافع زين الدين*
أستاذ مساعد، كلية الأنصار العربية- الهند
[email protected]
المصدر : الوطن