مكتبة الأدب العربي و العالمي
حكاية #عيشوناش الجلابيّة الجزء الثاني والاخير
رغم أنها أصبحت لديه وأمام عينيه، لا تملك أن ترفض له طلباً، إلا أنه كان يود أن يكون قبولها طوعاً، وأن تشاطره الحب الذي يُكنه لها. قال الملك : عيشوناش يا قلبي”.. “هل ترغبين في شيء، من أجلك يصيد رجالي الفهد ويأتيك تجار قوافلي من السودان بالذهب…”. لكن عيشوناش كانت تصمت في كل مرة ،وتطرق برأسها في دموع مكبوتة، غير أنها في المرة الأخيرة خرجت عن صمتها، وقالت له : أريد رؤية أبي ،لأطلب منه مسامحتي، فقبولي بحبك يعد إهانة له كما تعلم، وسأشعر حينها بالذنب !!!
قبِل الأمير طلب حبيبته ،رغم أن كرامة صهره لا تعني له الكثير. وانطلق رُسله إلى تماسين، وتقول الحكاية إن الاتفاق بين الطرفين جاء بعد مشقة، فلم يكن أمير تقرت ليسمح لعيشوناش بزيارة أهلها، ولم يكن خصمه مع حكمته وشدائد الدهر التي مرت عليه، ليتنازل له عن شيء، وفي آخر المطاف توصّل الطّرفان الى حلّ أمثل ،أن تتزوج عيشوناش من ملك تقرت على أن يأتي أبوها و أمها لحضور عرسها .
لكنه إشترط أن يكون مرتاحا في إقامته، وهذا لن يتم إلا إذا أفرد الملك نصف القصر لعيشوناش!!! لمّا سمع هذا الشرط، أجاب: ليكن له ذلك ،فلا أرفض شيئا للأميرة ، وإعلموا أنّ حياتها هي حياتي ،ولها أن تختار أي القسمين وكفتاة حكيمة إختارت الجزء الأقل فخامة ،ثم قالت له: لي طلب أخير !!! سألها :ما هو؟ قالت :أرجو أن يأذن لي مولاي بتحضير الكسكسي لوالدي ،وأرساله إلى داره كل صباح عربون محبة، وتعبيرا له عن احترامي، حتى يحين وقت نزوله ضيفاً علينا. قال الملك الولهان: لا بأس أن يأكل من طعامك ،ويخفّ شوقه إليك !!!
ومرّة أخرى كان متساهلا مع عيشوناش، لكن بدافع الحرص، إنتظر رسولها ،قال له : قف أرني ما في القفة!!! وقلب الكسكسي في طنجرة أخرى ليرى هل أخفت شيئا داخله ؟ لكن لم يكن هناك سوي الطعام .ذهبت عن الملك شكوكه ،في الوقت الذي كانت “الجلابية”، وكان هذا هو اسمها بين أهل تقرت ، تحضّر لأمر خطير.
فلقد عرفت مكان الذخيرة والبارود، ولمّا طلب منها الملك أن تختار القسم الذي تريد من القصر ،إختارت الذي يقود إلى السراديب .و كانت عيشوناش تنزل إلى المخزن ، وتملأ بها القفة بالبارود ثم تغطيه بالكسكسي، فيُخفي سواده على العين، و استمرت الفتاة على هذاه الحال قرابة شهر كامل، ولمّا طلب منها الملك أن تتوقّف، كان نفذ مخزون البارود قد نفذ من المدينة ،ثم إقتربت منه ،وقالت له بصوت ناعم ،وعيون تفيض عشقا : إذا سمحت سأكتب لأبي رسالة أدعوه فيها للحضور.
وجاء فيها : لقد أرسلت لك آخر قفّة كسكسي، فتعال بجمال كثيرة ،وستعود محمّلة بخير الملك ،لقد وعدت أن لا أرجع ،فهنا مكاني بين رعيتي ،أحبك يا أبي ،فعزّك فوق الحبّ، حتى ولو فرشت الأرض تحتي ذهبا . قرأ ملك تقرت الرسالة دون أن يفهم المكر الذي بين السطور، وقال لها :لقد أحسنت الكتابة، ومن حينه رحل الرسول قاصداً والد عيشوناش، محملاً بآخر قفّة بارود ،دون أن يشك الملكةفي شيئ .
عند حلول المساء، وبعد أن تسلل الظلام إلى الصحراء ، وهبَّت الرياح الباردة كان ابن جلاب ورجاله في زي الحرب يسرعون على جمالهم دون صوت ،وأياديهم على الزناد، ولمّا وصلوا ،تسلق جماعة الجدران ،و فتحوا الأبواب وحين هب الملك للقتال وجد المخازن فارغة من البارود، وخاض المعركة بالسيوف لكن بنادق تماسين مزّقته هو ومن معه .
مات الملك وفي قلبه حبّ عيشوناش الجلابية ،ومات معه الكثيرون بالرصاص، وهم يدافعون عن مدينتهم ،لم يشكّ أحد فيها ،فلقد كان حبها للملك صادقا ،ولمّا رأته ملقى على الأرض حضنته ،وقبّلته ،وقالت : خطئك هو أنّك أذللت أبي، ولقد رفعت الآن عنه الذّل، وإسترجعنا أموالنا ،وأخذنا بثأرنا ،أمّا أنا فسأعيش على ذكراك ،ولن أتزوّج أحدا بعدك ،وداعا أيّها الملك الشّهم سنلتقي بين الغيوم في السّماء.
وفي النهاية نجحت الأميرة في الانتقام لكرامتها وكرامة أبيها، وأصبحت فخر “تماسين” ورمز جمالها وعزتها.بعد هذه الحادثة ملكت عيشوناش تقرت لـ 18 عاماً، ويُقال إنها مدفونة في مقبرة الملوك بين أفراد سلالتها، ومقبرة الملوك هذه هي موقع أثري قديم يقع غرب تقرت بالقرب من وسط المدينة.
…
عن قصص. وحكايات من العالم الاخر