مكتبة الأدب العربي و العالمي

حكاية زوار من وراء الضّباب من قصص التّشويق والخيال مطاردة في نصف الليل ( الحلقات 7+8)

أخذ المعلم جرجس الصّندوق ،وفتحه بحذر ،ولما رأى التمثال إندهش لجماله ،وكان عليه نقوش فرعونية وهو ما يزيد في قيمته ،وحاول أن يكون طبيعيا لكي لا يلحظ فؤاد الاهتمام في عينيه ،وأخرج البرديّة التي كانت جديدة وألوانها لامعة كأنها رسمت البارحة ،وفي الأخير قرأ الرسالة التي كتبها الكاهن قبل ثلاثة قرون ،ولما قرأها أبدى تعجّبه ممّا جاء فيها ،وقال :يا لها من حكاية غريبة !!! ثمّ نظر إلى فؤاد بريبة، وسأله : كيف وصل هذا الصندوق إليك ؟ لم يجب فؤاد ،وبان عليه الضّيق ،لكن جرجس تدارك الأمر بسرعة ،وقال : أقصد أنه لو عندك أشياء أخرى من هذا النّوع ،فأنا أشتريها، وأدفع ثمنها نقدا .
قال سامح : ما دمنا قد وصلنا إلى الدّفع ،فكم ستعطينا مقابل الصّندوق ؟ ،إتكأ التّاجر على مقعده الوثير ،وقال: خمسة ملايين جنيه ،هذا كلّ ما يمكنني إعطائه لكم !!! أجاب سامح : هذا لا يساوي حتى ربع قيمة التّمثال ،لكن أعرف أنّك ستتعب لبيعه ،ولذا زدنا مليون جنيه، والصّندوق لك .حكّ جرجس ذقنه ،وقال: حسنا أنا موافق ،ثم دخل مكتبه ،وبعد دقائق رجع بحقيبة من الجلد وقال المبلغ كامل لا ينقص قرشا واحدا ،ثمّ ذهب فؤاد مع سامح الى محطة القطارات ،ووضع الحقيبة في أحد صناديق الودائع ،ثم لوّح بالمفتاح ،وقال: لم يعد أي شيئ آمنا ،فهم يعرفون حسابي في البنك ،وربّما أغلقوه وتركوني بلا مال ،والآن سأنصرف لتأجير عشرة عمال وشاحنة وأشتري كل ما أجده في السّوق من حلزون ،لأنشره حول المغارة التي بها هذا الفطر اللعين ،وسيأكل الجذور ويمنع نموّها ،بعد أن يكون العمّال قد اقتلعوا كلّ الفطر الذي يجدونه ويحرقونه ،وسنحتاج إلى عدّة أيام ،فيبدو أنّه نبت في كثير من الأماكن ،ولا أحد يعرف لماذا !!!
في المساء كان كلّ شيء جاهزا، اتّفق فؤاد مع سائق شاحنة لينقل العمّال في الصّباح وأجّر مخزنا جمع فيه ما اشتراه من حلزون، في الصّباح انتظر في المكان المحدّد لكن لم يأت أحد لا العمّال ولا السّائق بدأ يشعر بالقلق، ومن بعيد رأى ألسنة اللهب ترتفع من وسط السّوق، والنّاس تجري ،وتصرخ: لقد احترقت المخازن!!! وجم فؤاد، وقال في نفسه: عيونهم في كلّ مكان ،وبالطّبع ليس من الصّعب عليهم معرفة ما أدبّر ،والآن أصبح من الصّعب التّخلص من الفطر قبل وقوع الخسوف ،فلم يبق الآن سوى بضعة أيام ،ويبدأ الجفاف الشّديد ،لكن وعدت البنتين وسوف أنفّذ وعدي ،ليس ذلك فقط،فأنا أصدّق كل أقوالهما ،وهذا يعني أنه ستقع كارثة إذا لم أفعل شيئا ،سأذهب مع سامح الليلة فمعه سيّارة .
مشى فؤاد وهو يتلفّت حوله ،ثم استقلّ أوّل أتوبيس ،ولمّا نزل النّاس اندسّ وسطهم ،وضاع وسط الزحام ،ثم مشى على قدميه مسافة طويلة لكي يتأكّد أن لا أحد يتبعه ،ولما وصل شقّة سامح وطرق الباب .كانت ساقيه تألمانه بشدّة ،لمّا رآه سامح،صاح : ما الذي حصل ؟فشكلك لا يوحي بالخير!!! أجابه فؤاد سآخذ الأول حمّاما ساخنا ،فالأمور أعقد مما أتصوّر .بعد نصف ساعة كان جالسا وعليه الرّوب ،أتاه سامح بزجاجة كوكا كولا مثلجة فشرب ،وأحس بالراحة ثم قال لقد كانوا في انتظاري ،وأفسدوا كل ما قمت به ،وأعتقد أني تمكنت من الإفلات منهم ،جرى سامح إلى النّافذة وأزاح السّتار ،ونظر إلى الشّارع ،وكانت الحركة على أشدّها ،ثم رجع، وقال: ليس هناك ما يثير الرّيبة ،أجاب فؤاد : لن يدوم ذلك طويلا ،يجب أن نفعل شيئا الليلة ،وإلا أصبح كلّ شيء صعبا ،قال سامح وما الذي تنوي عمله ؟ قال فؤاد لا يوجد مائة حلّ سنحرق الغابة التي فيها مغارة الفطر، وليسامحنا الله !!!
قال سامح : المدينة قريبة من ذلك المكان ،أجاب فؤاد لا مفرّ من ذلك ستحترق بعض البيوت والغابة، وهذا لا يقاس بالضّرر الذي سيحدثه الفطر إن بدأ النّاس في أكله !!! فكّر سامح وقال: سأخرج لشراء خمسة صفائح بنزين ،وأعود لآخذك معي قال فؤاد : سنخرج في الظلام ،وسينتشر الحريق بسرعة ،فنحن في موسم الحرارة ،في الليل كانت سيارة مطفئة المصابيح تقترب من الغابة ،وينزل منها شخصان ،وما كادا يبتعدان قليلا حتى أضاءت المكان المشاعل، وكشفت عن عشرات الرّجال الذين يحملون الرّشاشات، وصاح أحدهم : أقبضوا عليهما ،الزّعيم يريدهما أحياء !!!
همس سامح : كيف عرفوا مكاننا ؟ أجاب فؤاد :لا أحد يشتري كلّ ذلك البنزين إلا إذا كان يخطط لشيئ ،كان عليك الشّراء على الأقل من مكانين مختلفين ،يا لك من أحمق !!! والآن لنهرب بدأت المطاردة ،وقال سامح: لا أدري كيف سننجو، بلا سيارة ،ردّ فؤاد : المغارة !!! لا شك أنّها قريبة، لو بلغناها ،فسنختفي داخلها، ولن يعثر علينا أحد ،وبعد دقائق شاهدا شقّا كبيرا في الصّخر، فصاح فؤاد : أنظر إنّها هناك ،ثم جريا ودخلا ،جلس سامح على الأرض وهو يلهث ،وقال: لا أقدر أن أواصل ،لا بد أن أرتاح قليلا ،أشعل فؤاد بطاريته بحذر ثم أطفئها بسرعة ،وقال : المغارة أعمق مما أتصور،من السهل أن نضيع داخلها ولا نخرج أبدا …

يتبع الحلقة 8

معبد في قلب الجبل ( الحلقة 8)

سمع فؤاد صوت أقدام كثيرة تقترب، فقال لسامح : لا وقت لدينا ،هيا إنهض يجب أن تبتعد ،وإلا قبضوا علينا ،ولن يحصل لن خير إن وقعنا في أيديهم !!!بدأ الشّابان يتوغّلان داخل المغارة ،وبعد قليل هدأت الأصوات التي خلفهما ،وأنصت فؤاد قليلا ثم إبتسم وقال أعتقد أنهم قد توقفوا عن ملا حقتنا ،لكن إبتسامته سرعان ما إختفت لما عرف أن المغارة عميقة ومتشعبة ،وأنه لا يمكنه معرفة الطريق الذي جاءا منه ،وأدرك أنه وقع في المصيدة مع رفيقه ،ولعن حظه السّيئ ،فما الذي دفعه للدخول في هذه المغامرة المحفوفة بالمخاطر ، ،لاحظ سامح ملامح القلق على وجه صديقه الذي كان ينظر حوله بحيرة شديدة ،وسأله كأنك نسيت الطريق الذي جئت منه ،أجابه وما فائدة ذلك لعلهم في إنتظارنا الآن علينا أن نجد طريقا للخروج فالمغاور الكبيرة لها أكثر من مدخل ،سارا لمدة نصف ساعة ،وهما يتحسسان طريقهما وسط الأنفاقا لتي تضيق حينا وتتسع في أحيان أخرى .
وبدأ ضوء المصباح يضعف ،فأحس سامح بالذعر وقال : دون ضوء سنضيع في هذه المغارة الواسعة ،لكنه ما أن أتم كلامه حتى رأى ضوءا قويا يأتي من أحد الجوانب فتسللا بحذر وفجأة وجدا نفسيهما في معبد فرعوني كبيروهمس سامح ،إنه لآمون رع كبير آلهة المصريين القدامى ،وهذا عجيب فكأن أحدا يأتي هنا لكن من ؟ وفجأة سمع صوتا وراءه ورأى رجلا يرتدي ملابس الكهنة القدامى ،وهل يقول كيف دخلتما هنا ،لن تخرجا من هنا أحياء ،لكن فؤاد قال لستا من لصوص الآثار ،وكان هناك من يلاحقنا فاختبئنا في المغارة ،ولم نعرف كيفية الخروج من هنا ،دلّنا على الطريق ونعدك بكتمان أمر هذا المعبد ،ضحك الرجل وقال هل تعتقدان أنّي غبيّ لأترككما !!! ثم هم برفع عصاه وفيؤأعلاها رأس كوبرا ،لكن سامح صاح إنتظر لقد جئنا لقلع الفطر دون شك تعرف ما جرى بسببه ،والآن سيتكرر الأمر وبعد أيام سيحل الجفاف الكبير الذي تنبأ به الكهنة .
أنزل الرجل عصاه ،وقال لهما والآن قصّا علي كل شيئ بالتفصيل ولا تحاولا خداعي هل فهمتهما ،ثم أحضر لهما لبنا ،فقصّ عليه فؤاد حكاية البنتين اللتان تخرجان له في الليل والصندوق الذي وجده مدفونا قي البدروم ،قم الكاهن إلى ركن ،وأخرج كومة كبيرة من للبرديات وكانت تبدو جديدة كأنها كتبت الآن وبدأ ينظر إليها ثم قال لا ادرى من أين أتيت بكل هذه الحكاية ولكن أمر واحد هو صحيح فهناك حدث فلكي سيؤدي  لجفاف شديد ،معكما حق يجب قلع ذلك الفطر فلقد كان آبائي شاهدين على المرض الذي إنتشر ودونوا ذلك في كتبهم ،سأله سامح تبدو ضليعا في اللغة الهيروغليفية والبرديات ليس لها سر بالنسبة إليك هل أنت من علماء المصريات ؟ إبتسم الرجل وقال : لقد علمني أبي لغة المصريين القديمة وكتابتها وكل شيئ عن الآلهة القديمة وأنا الآن أحرس هذا المعبد مثلما فعل أجدادي في السابق ،هل تعدني بحفظ السرّ وأنا سأحكي لك عن كل ما تريد معرفته ،وسأريك أشياء لا تخطر على بالك ،لكن قبل كل شيئ سأصنع محلولا سامّا يقضي على ذلك الفطر فلم يعد له قيمة دينية منذ زمن بعيد .
أجابه سامح هل تعتقد أننا لم نحاول لكن هناك من حاول منعنا ،وهم جماعة غريبة تنتظر نهاية الدنيا وبالنسبة لهم فإن ما تنبئوا به سيبدأ في التحقق بعد أيام ،أجاب الرّجل سأجد وسيلة فأنت لا تعلم قوة سحري والآن تعالوا لمساعدتي واشتغلوا كامل الليل في إعداد مسحوق أصفر اللون وقال لهم الرجل سننتظر هبوب الرياح وننثر هذا المسحوق وسأريكم شقا في الصخر نخرج منه دون أن يرانا أحد …

يتبع الحلقة 9 والأخيرة

مع تحيات الكاتبة أليس مرواني

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق