مكتبة الأدب العربي و العالمي

حكاية ترنجة وساحرة الجبل من الفولكلور اليمني المرآة الفضّية (الحلقة 2 )

ولمّا كبرت ترنجة كستها أنثى القرد بجلود الحيوانات، وأصبحت البنت تقفز بين الأشجار ،وتلتقط الثمار،وتشرب من الندى ،وفي الليل تنزل للغدير تستحمّ ،وتمشط شعرها الذهبي ،وكانت تقترب دائما من القرية ،وتختفي لتشاهد البنات في مثل سنها يلعبن ،ويأكلن الحلوى ،وشيئا فشيا حفظت كلامهم، لكنها كانت تخاف من الإقتراب منهنّ، فلقد أوصتها القرود بالحذر من القرويّين ،فهم أشرار لا يتركون شيئا في الغابة إلا أفسدوه ،ولا شجرة إلا قطعوها ،لكن ترنجة ليست من النوع الذي يسمع الكلام ،فكانت تتسلل إلى بستان كبير، وتختفي بين الأشجار ،وتأكل الخوخ والرّمان ولم تكن الكلاب تحسّ بها ،لأنّها فوّاحة مثل ثمرة التّرنج ،لكن صاحب البستان عرف أنّ هناك لصّا ،يأتي كل ليلة ،ونصب له شبكة ،وقال في نفسه: غدا أقبض عل ذلك السّارق ،وأضربه ،فأنا لا أحبّ أن يأخذ أحد شيئا دون إذني .
وفي الصّباح جاء الرجل يحمل عصا في يده، وتعجّب لوجود فتاة صغيرة بارعة الجمال ترتدي جلد ظبية، فأخذها ،وحبسها في الإسطبل مع الخيل ،فجلست في ركن ،وهي حزينة لا تدري ما تفعله ،مضت ساعات طويلة وبدأت تحسّ بالجوع ،وفجأة فتح فتى الباب وفي يده حزمة تبن للدواب، ولما رآها قال لها :ويحك ماذا تفعلين هنا ،ومن سمح لك بالدّخول ؟ أجابته: لقد أعجبها الرمان ،فدخلت البستان لتأكل،لكن أباه قبض عليها، حتى تدفع له ثمن ما سرقته ،ولكن ليس لها مال ،وهي تعيش في الغابة مع القرود ،كانت ترنجة تتكلم والفتى ينظر إليها بحب فأول ما وقعت عليها عيونه عشقها فلقد كانت جميلة مثل الزهور البرية ،أحضر الفتى واسمه محمود خبزا ولبنا وجبنا ،وجلس قربها لكنها كانت خائفة ،قال محمود لقد حلبت اللبن بنفسي والخبز لا يزال ساخنا ثم بدأ يأكل ويشرب أما هي فتشجّعت، فمحمود يبدو لطيفا جدا، ثم مدت يدها وأكلت ،وأعجبها الطعام ،ولم تفتها نظرات الحبّ في عيني الفتى ،ولأول مرة تحسّ بشيئ لم تعهده من قبل فهي أيضا أحبّت الفتى، فلقد كان طويلا ،وسيم الوجه .
وفجأة دخل أبوه ،وقال له :أنا أبحث عنك وأنت تجلس هنا مع هذه اللصّة ،والله لو لم تدفع ثمن ما أكلته لما تركتها تخرج !!! أجاب محمود : لا تكن قاسيا يا أبي ،فلولا الفقر لما جاءت إلى هنا ،قال الأب: حسنا ،سأسامحها هذه المرّة ،هيا أخرجي من هنا ،ولا تريني وجهك بعد الآن ،لكن محمود ردّ على أبيه، وأين ستذهب ؟ دعها تقيم معنا ،وتساعدنا في العمل مقابل طعامها وشرابها ،لما رأى الرجل إلحاح إبنه ،قال له: إذا وافقت أن تبقى في الإسطبل ،فلا مانع عندي ،ولم يجد محمود بدّا من القبول حتى يبني لها كوخا جميلا تسكن فيه ،وسيتعوّد عليها أبوه فهو يكره أن يدخل غريب لبستانه وخصوصا لو كان لصّا .سمعت أمّ الفتى بترنجة ففرحت بها ،وحملتها للحمام ،وأعطتها ثيابا جديدة ،وكل من رأى تلك الفتاة من الجيران إنبهر من جمالها حتى الأب صمت ،ولم يقل شيئا لمّا رآها جالسة في داره كأنّها قمر بين الأقمار .
صارت الفراشات تتجمع في البستان حين تخرج ترنجة ،وتشدو العصافير وازداد الحليب عند الأبقار والنعاج ،ولم يمض زمن طويل حتى تزوّج محمود من الفتاة الشّقراء وحسدتها كل بنات القرية على جمالها وسعادتها بعد أن كانت تعيش مع القرود ،مرّت الأشهر وترنجة في أرغد عيش حتى جاء الخريف وجمع الرجل وابنه الرمان والعنب وقرّرا النزول للمدينة لبيع المحصول للتّجار وكان الذهاب والإياب يستغرق أربعة أو خمسة أيام ،ولم تكد القافلة تبتعد حتى جاءت أحد بنات القرية ،وطلبت من الفتاة المجيئ عندها ،فلديها ثياب وحليّ للبيع ،وحين خرجت إلى الزّقاق رمى عليها رجلان كيسا ،وأخذاها للبرية، وأشبعاها ضربا ورفسا حتى تشوّه وجهها ،وتمزّق شعرها الطويل ،وهي تصرخ وتبكي ،ثم تركاها على الأرض في أسوأ حال ،وهربا .
أمّا هي فتحاملت على نفسها وسارت طويلا حتى وصلت إلى جدول ماء فمسحت عن جسدها الدّماء ، ،ثم أكملت طريقها ،وهي تخشى أن يرجع الرجلان ويقتلانها ،وفجأة عثرت قدمها في شيئ ، ولمّا إنحنت لترى ما هو ،وجدت مرآة من الفضة، فلمّا نظرت إلى وجهها ،تساقطت دموعها ،وقالت: لن يرغب فيّ زوجي بعدما راح جمالي ،ولن أرجع أبدا مثلما كنت !!! ماذا فعلت يا ربي ،ألم يكفيني اليتم والعيش كالحيوان ؟ ثم إستغفرت الله وقالت :سأرجع إلى الغابة ،على الأقل فالقرود لا تهتمّ لشكلي ،بينما هي تخاطب نفسها، سمعت صوتا أنثويا عذبا من المرآة يقول:، ماذا حدث لوجهك الجميل يا ترنجة ؟ أجابت الفتاة :لقد غارت مني بنات جيراننا ،ولم يطقن أن أكون أحلى منهن ،بل ومن كلّ بنات القرية ..

يتبع الحلقة 3 والأخيرة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق