مكتبة الأدب العربي و العالمي

حكاية #الجارين النصف الاول

يحكى أنّه عاش في مدينة حماة تاجر من الأتقياء اسمه صالح ، وكان له جار شقيّ لا يتورّع عن فعل أقبح الأفعال ما ظهر منها وما استتر، إسمه فالح، وهو مايزال شاباً أعزب، ولا يرغب لا في الزّواج أو العمل أمّا أمّه فهي إمرأة فقيرة مغلوبة على أمرها ،ودائما كانت تدعو له بالهداية ،وأن يرزقه إبنة الحلال، ،ولا يزيده ذلك إلا تعنّتا، وإمعانا في سوء سلوكه، وهي تقول له :من أين سيأتيك الفلاح يا إبني، وأنت على هذه الحالة ؟ والله لو كنت أعلم، لسميتك طالح ،هذا أنسب لطباعك أيها اللعين !!! وذات يوم قرّر صالح الجار التّقي أداء فريضة الحجّ، فهيّأ نفسه للسّفر، وأعدّ العدّة ،والزّاد ،ثمّ ودّع أهله وأصحابه، وانطلق مع القافلة، وكان السّفر إلى الحجّ يستغرق أشهراً طويلة على الإبل، ، فيمضون شهرين في الذّهاب، وشهراً في الحجّ، وشهرين في الإيّاب، فكان الحاج يغيب عن أهله خمسة أو ستة أشهر.
‏أحد الأيام جاء جيران جدد ،وسكنوا مقابل دار فالح ،وكانت لهم صبيّة جميلة تخرج دائما لدكاكين الباعة لشراء حاجيات أهلها ،ورآها ذلك الفتى، فأعجبته ،وصار يكلّمها في الزّقاق لما يصادفها ،فلمّا رأت أمّه إهتمامه بها سألته هل تريد أن أخطبها لك ؟ وتتوب عن شقائك ،ففكر قليلا ثم قال :أعدك يا أمي فأنا أوّل مرة قلبي يحبّ إنسانا ،فقبّلته أمّه، وقالت :عسى أن يكون صلاحك على يد تلك الفتاة !!! لكنّ المرأة كانت تخشى من عدم الموافقة على إبنها العاطل عن العمل ،ولاستغرابها الشّديد وافق أهل الفتاة ،وتمّ الزواج، ،ومثلما وعد أمه تاب عن كان ما يفعله في حق الناس من نصب واحتيال، واستقر حاله، وحسنت توبته
،و صار ينزل إلى السّوق يبيع شيئا من فول وحمص على قارعة الطريق ،وفي أحد الأيام جاءه شيخ أبيض الشعر، لا يعرفه ،وطلب منه أن يعمل عنده في دكانه ،فوافق الشقي ، ومن الصّباح بكّر إلى السّوق، فوجد ذلك الرّجل في انتظاره وقال له :اسمع يا فالح، هذا المفتاح ،و هيّا قم اشتغل ،وانفق على امرأتك ،فلقد أتم الله نعمته عليك !!! ثم رمى رداءه على كتفيه، ورحل أمّا الفتى، فتملّكته الدّهشة فمن أين يعرف إسمه ؟ ثمّ جرى وراءه، لكنه اختفى عن الأنظار وسط الناس،كأنّه فصّ ملح وذاب .
وفي تلك الأثناء كان الجار التقي في الحجاز، يؤدي مناسك الحج، وبينما هو في الحرم الشريف، يطوف حول بيت الله الحرام، ويدعو الله، ذكر جاره، فدعا له بالرزق الحلال وأن يغفرالله له ذنوبه، وإذا رجل أبيض الشعر واقف بجانبه : يقول له: آه لو تعلم يا صالح !!! جارك الشقي أعطاه ربك من رزقه وكتب له الجنة قبلك، وسيجد بابها مفتوحاً يوم القيامة ، فذهل صالح لما سمعه ولما فرك عينيه لم يجد ذلك الشيخ الأشيب،فسبح ، وفاضت عيناه بالدموع، وتمنى أن يعرف سر مغفرة الله تعالى لجاره مع ما فيه من لؤم، وذنوب وبات ينتظر العودة إلى بلده، ليلتقي جاره، ويسأله عما فعل، حتى عفا الله عنه.‏
وانتهت أيّام الحجّ، ورجع التقي إلى بلده، وأمضى بضعة أيّام يستقبل النّاس القادمين لتهنئته بالرجوع من الحج ،وحين لم يأت جاره ،سأل عنه فقيل له أنّه في دكّانه، ولقد أكرمه الله بخيره ،ولمّا ذهب إليه، وجده يبيع ويشتري، فسلّم عليه، وفرح به فالح، ودعاه لشرب القهوة ،فنظر إليه جاره ،وتعجّب من حسن أدبه مع النّاس ،وتذكّر ما سمعه في الحرم ،فقصّ عليه حكاية الشّيخ الغريب ،فحمد فالح الله ،وقال له: لقد جاءني ذلك الشّيخ أيضا !!! وسأحكي لك ما كان من أمري، و سرّ مغفرة الله ،وما حدث لي عجيب لا يصدقه العقل ،لكنه مع ذلك الحقيقة ،ثم صبّ له ولضيفه فنجان قهوة ،وبعد أن أخذ رشفة ،نظر إل السّقف كأنه يستجمع أفكاره المبعثرة ،ثمّ قال :لقد بدأ كلّ شيئ عندما رأيت تلك الفتاة ..

يتبع الحلقة 2 والأخيرة

من قصص. وحكايا العالم الآخر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق