ثقافه وفكر حر

الشك والغيرة :الشاعر وحيد راغب

الغيرة : بمعنى عام هى الاهتمام بالغير , تكون ايجابية تجاه من نهتم به من محبوب كالزوجة أو الاقارب أو غيرة أعلى على الوطن والدين , وغيرة سلبية نقول عنها الشك ,أى خروج ايجابية الغيرة الى التفريط أى الجنوح الى مايؤدى الى الحزن والهم تجاه المحبوب , ويؤدى الى توتر العلاقات وسوء الفهم , وهذه الغيرة مرفوضة لانها شك ليس منهجى بل تعدى على حرية الآخرين بسوء الفهم .فالغيرة الايجابية فضيلة , والغيرة السلبية منقصة واساءة ورذيلة , والغيرة السلبية قد تكون دياسة بالتفريط فى الحقوق لصالح الهوى والمنفعة الدنيوية وسقوط الضمير .
وهذا نظيره للتقريب : الحياء والخجل :
فالحياء الايجابى فضيلة لانه يبعد عن الشر والفساد , فالحياء هنا شعبة من شعب الايمان , ويعنى أنك تستحى من اقتراف الذنب مثلا لان الله يراك , وتستحى أى تخاف أن تسرق وتزنى وتأتى القبائح لان ضميرك صاحى وتعلم أن ذلك يسىء الى المجتمع والبشر , فالحياء خوف ايجابى من ارتكاب المعاصى أو الخروج عن النص , ولهذا كان هو الوصف لسيدنا عثمان بن عفان ذو النورين , ولكن الحياء السلبى ما نسميه الخجل , فالخجل مرض وليس فضيلة , بمعنى أنك لا تستطيع أن تكون ايجابى فى مواقفك , فعندما تتعامل مع النساء : وجهك يحمر , وتنظر الى الأرض , وتتلجلج فى الكلام لآنك لاتستطيع التعامل مثلا مع النساء ,أو لا تستطيع مواجهة زملائك ومديرك فى العمل أو المجتمع فتجنح الى الانعزالية , فالخجل خوف ليس ايجابى , وضعف فى الشخصية .
نرجع الى موضوعنا وهو الغيرة : فالغيرة الايجابية نادى بها الاسلام ونادت بها المجتمعات المستقيمة , فالنبى محمد “ص” فى أحاديثه قال : أنا أغار والله يغار فلا تعجبون من غيرة سعد بن معاذ ( معنى الحديث “) أى كان سعد يغار على أزواجه حتى المطلقة منهن ( ونحن لسنا مع غيرة سعد على المطلقة ليس له حق فى غيرته هذه ), ولكن مجملا كان رجلا غيورا غيرة ايجابية بدليل حديث النبى “ص”
فغيرة الرسول “ص” على الدين والصحابة وعلى حرمة أزواجه امهات المؤمنين , وغيرة الله عز وجل ليست غيرة بشرية وانما تكون على عباده الصالحين فيريدهم أكثر اصلاحا , وعلى الآبقين فيريدهم أن يعودوا الى حضرته بالتوبة والاستغفار
وغيرة الرجل على أزواجه مطلوبة ما لم تؤدى الى الشك السىء والغيرة السلبية التى نتيجتها الوسوسة وسوء الظن بلا داعى لان الشيطان يزين له أفكارا بعيدة عن الحق والصواب
فتجد الرجل عندما يرى امرأته تكلم أحدا يوسوس له الشيطان انها تحبه وقد يصل الشك الى الظن السىء فيبحث تحت السرير وفى الحجرات كأن هناك من تخونه امرأته معه , وللأسف لن يجد أحدا , ولكنه يستمر تحت ضغط وسوسة الشيطان الى أن يصبح لعبته وتكون العواقب وخيمة , ويبدأ يقول لها لا تخرجى الى البلكونة ولا الفراندة ولا تكلمى هذا ولا تفعلى هذا حتى يزيد فى الخناق على زوجته فتكرهه ,لأنه قيد حريتها تماما , وقد علمت قصة حقيقية أن رجلا ما فعل ذلك مع زوجته فكان يغلق عليها شقتها عندما يخرج حتى ذبلت وماتت .
ومن الطرق الحديثة من الغيرة السلبية القاتلة هو البحث فى الموبايل أو صفحات الفيس , لعله أو لعلها تجد شيئا يثبت الوسوسة الشيطانية من الغيرة الممقوتة ,أو يذهب أحدهم الى التجسس عبر الموبايل بخاصيات معينة ..وللاسف وبدون بحث يحدث المحظور ويكتشف أحد الطرفين هذه الافعال المشينة , ويحدث من وراء هذا الشك الملعون بعد وتجافى أو أكثر من ذلك .. ولو فهم صاحب هذه الغيرة السلبية قول رسول الله “ص” فى حديث معناه : أن الرجل المسافر بعيدا عن زوجته . عند رجوعه يصلى أولا فى المسجد , ويرسل من يخبر أهله أنه عائد , فتبدأ تتزين له , ولا يرى منها الا الحسن . ولكننا نفاجىء الاهل ونتربص بغيرتنا السيئة أن نرى مالا يسرنا .. وكان الأولى بنا الثقة بالاهل , واشعارهم بذلك . فاعطاء الثقة يكفل للأهل السلوك الحسن والسيرة الحسنة , بل يظلل الامن والاطمئنان على البيوت
ولكن هناك شك منهجى وليس غيرة :
وهو ما كان يفعله ديكارت الفيلسوف , أى يكون محايدا فى التعامل مع النص فيبدأ بفرضية الشك فيه , حتى وصل ديكارت وغيره الى ادخال نصوص التوراة والانجيل تحت الشك المنهجى , لانهم وجدوا نصوص فيهما تحارب العلم وتدعوا الى الحروب , فخرجوا الى أن التوراة والانجيل بهما نصوص محرفة ادخلها الحواريون الكذبة . وهنا حاول عميد الادب العربى أن يفعل مثل ديكارت على القرآن كنص , ولم يفهم ساعتها أن القرآن محفوظ من الله وليس كنص التوراة والانجيل , فنظرية الشك هنا لا تطبق على القرآن , فخرج طه حسين بكتابه الذى ادعى فيه أن سيدنا ابراهيم وابنه لم يوجدا فى الجزيرة العربية وأن ما وجد فى القرآن مخالف التاريخ , وهنا جانب طه حسين الحق لانه خالف النص الربانى الثابت , ولو انتهج الحياد طه حسين ساعتها لوجد البيت الحرام ومن الذى رفع قواعده الا ابراهيم واسماعيل “ع” ولكن طه حسين تراجع عن ذلك وقال انه كان متأثرا بالغرب عندما عاد من فرنسا .
وفعل ذلك د. مصطفى محمود فى رحلته من الشك الى الايمان فهو لم يلحد كما فهم البعض ولكنه : حاول أن يدرس الاديان بحيادية بعيد عن انه مسلم ليخرج بنتيجة الشك المنهجى الى ان القرآن والاسلام حق , وأن الاديان الاخرى حرفت على يد مبلغيها من انصار الرسل لانهم رجعوا الى هواهم وشياطينهم ..
وقد فعلت ذلك انا من جانب معرفة الاديان ومقارنتها بالاسلام فخرجت بنفس نتيجة د.مصطفى محمود أن القرآن هو خاتم الرسالات وصالح لكل زمان ومكان.
فالغيرة السلبية مهلكة للحياة الاسرية والاجتماعية , ونتيجتها تفسخ الاسر وضياعها , لذلك أدعوا النلس جميعا أن يغاروا غيرة ايجابية للصالح وللحمة الاسر والمجتمعات .فالذى نجده فى الغرب من عدم الغيرة كان سببا فى الاسر المفككة , وعدم النخوة , فالانفتاح على الشهوات والانهماك فيها تحت مسمى الحريات أودى بهذه المجتمعات الى اللا مبالاة والحس المتبلد والشذوذ , بل وصل الى زنا المحارم , وتخطى الى أنه لايهم فى البنت بكارتها , فالبكارة تخلف شرقى كما يدعون أى لا غيرة على الشرف , فنجد الصداقة أو الخدانة متفشية فالزنا أولا ثم الزواج , أى مقلوب الفطرة السليمة صاحبة الغيرة الايجابية , فالعلاقات الجنسية مباحة طالما لم يشتك الطرفان .. قوانين أرضية لحضارة بعدت عن دستور السماء .. الجسد والمتعة أولا ولا مجال للأرواح النقية الطاهرة الغيورة .

مقالات ذات صلة

إغلاق