مكتبة الأدب العربي و العالمي

حكاية إبن الصّياد والطائر الأسود من الفولكلور السّوري ولد ضائع في السّوق (حلقة 1 )

بقلم : احمد حمدي / حكايات زمان

كان يا مكان في سالف العصر والأوان رجل فقير كثير العيال يعيش في كوخ صغير ،وكان يخرج كل يوم للغابة لينصب شبكته ،ويصيد الطرائد من أرانب برية أو حمام، ثم ينزل بهم السّوق ويبيعهم مقابل بضعة دراهم يشتري بهم طعاما لامرأته ،وصبيانه ،وكلما ينهض في الصباح كانت المرأة ترفع يديها إلى السّماء وتدعوا الله أن يرزق زوجها ،وترّدد الدعاء حتى تسيل دموعها على وجهها الذي كساه الفقر بالتجاعيد رغم جمالها الباهر، وصغر سنها ،أمّا الرجل فكان يقول لها : إسمعي ،عوضا عن الدعاء ،اذهبي لجمع البيض من أعشاش السّمانى والحجل لكي أبيعه ،لكنها تردّ عليه :سينتهي جمال الغابة إن جردناها من الأشجار والطيور والحيوانات الصّغيرة .وفي أحد الأيام لمّا هم الصياد بالرّجوع لداره ،بعد أن باع بضاعته وجد ولدا ضائعا في السوق يلبس ثوبا قديما يبكي، فانتظر لعلّ أحدا يأتي ويأخذه ،لكن انتصف النهار ولم يسأل عليه أحد ،فأخذته الشفقة عليه ،وقال: أحمله عندي اليوم ،وغدا أرجع به إلى السوق وأرى ما يكون من أمره .وإن شاء الله يكون خيرا .
ولما شاهدت امرأته الغلام البهي الطلعة قالت لزوجها: لا شك أن ذلك الولد يتيم، أتركه يعيش معنا، ورزقه على الله !!! فأجابها: ألا يكفي ما نحن فيه من فقر يا امرأة ؟ لنزيد هذا الولد لعيالنا !!!وفي الغد حمله معه إلى السوق ،وهو يتذمر منه ،وكالعادة لم يسأل عنه أحد ،والأكثر من ذلك اعتقد الناس أنه ولده ،وسرعان ما أحبوه، وصار كل واحد منهم يعطيه شيئا ،واحد رغيفا ،والآخر ثمرة ،ورجع الصياد، ومعه قفة ،وجاء صبيان الرجل يجرون لما دخل عليهم أبوهم، فنبشوا القفّة وأخذ كلّ واحد ما راق له من ثمار أو حلوى أو مربى ،تعجبت المرأة فلقد وجدت في القفة قرطاس شاي فأشعلت الكانون، وطبخت برادا بالنعناع ،وشرع الصياد يترشف فنجانه ، وهو ينظر لذلك الولد باستغراب ،فلقد كان أشبه بالروم منه للعرب، ثم سأله عن اسمه ،أجابه : من إسمي يجيئ الفأل الحسن ،والسّعادة والاكتفاء والرخاء ،حك الصياد ذقنه وقال له: لا توجع رأسي من اليوم إسمك سعد ،أومأ له الغلام برأسه ،ثم تحلق مع بقية العيال حول القفة، وبدأ يأكل معهم ولم يمض النهار حتى صار واحدا منهم ،ونادته البنية الصغيرة نوسه كما تنادي إخوتها ،وتقول له يا أخي ،صمت الصياد ،ورضي أن يتركه معهم ،بعدما رأى سعادة  عائلته ذلك اليوم ،فلأول مرّة يأكلون شيئا غير خبز الشعير ،والخضار المطبوخة دون لحم .
ومنذ أن جاء ذلك الصّبي عنده زاد الخير ،وأحد الأيام لما إختلى الرجل بإمرأته قال لها هناك شي يقلقني ،فلقد صار سعد يدور في السّوق، ويرجع لي بصرةّ دراهم، ولمّا أسأله من أين يأتي بها ي،خبرني أنها رزق من الله !!! قالت المرأة : لو سرق شيئا لجرى ورائه أصحابه ،كفّ عن التفكيريا إبراهيم ،فلقد جازاني الله على دعائي كل يوم، ،وكان سعد لما يرى تاجرا غنيّا يقف أمامه ،ثم يمدّ إليه يده ،ويقول :حقّ الله يا رجل !!! ودون أن يشعر ذلك التّاجر يعطيه ما تيسّر من الدراهم ،لما حاول بعض الصّبية تقليده أطردهم التجار ،ولم يعطوهم شيئا ،أحد الأيام كان سعد يرافق أباه للصيد وفجأة رأى حدأة سوداء قد إنكسرجناحها فلم تعد تقدر أن تطير ،فحملها إلى الدار ،وضمد جرحها ،وأطعمها فلما شفيت صارت لا تفارقه وكلما ذهب إلى مكان طارت وراءه وسماها سليمة، ولما يجتمع الصبيان للأكل لتجلس وسطهم تنقر معهم من القصعة، وفي الليل تنام في حجر نوسة .
في نهاية السنة دار جباة السّلطان في المدينة لجمع الضرائب ،وظلموا الناس ،ولما جاءوا لأبيه ، قال لهم أنه لا يملك مالا فلم يصدقوه ،وانهالوا عليه ضربا ورفسا أمام أعين عياله الذين شرعوا في الصياح،ثم مزقوا شبكته ،وجمعوا من وجدوه أمامهم من دجاج وبيض ،وأخذوا عنزة البنية الصغيرة وانصرفوا ،بكت نوسة كثيرا عن عنزتها التي إشتراها لها سعد، فجاء لأخته وقال لها :والله لأشترينّ لك بدل العنزة عشرة ،وبدل دجاجات أمّي مائة ،ثمّ جرى ورائهم ومعه الحدأة واختفى في الغابة ورغم رجاء أبيه إليه ليرجع، لم يسمع الكلام ،فجلس الصّياد على كرسي مكسور ،وهو يمسح الدم عن وجهه ،وقالّ حسبي الله ونعم الوكيل، يضيّق علينا السلطان في الرزق ،ولا يرانا أو يستمع إلينا ،ولا يتذكرنا سوى وقت جمع الضرائب، فيتركنا عظاما لا تقدر أن تربي لحما ،ويله يوم القيامة حين يبعث دون مال أو أعوان …

يتبع الحلقة 2

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق