مكتبة الأدب العربي و العالمي

حكاية العطار وبناته السّبعة من الفولكلور الليبي الأمير والمرأة العجوز (الحلقات 1+٢+٣ )

يحكى عن عطار غنّي ،والغنّي هو الله ،ذلك الرّجل عنده سبعة بنات ماتت امّهم و تولى هو تربيتهم،و.كنّ على خلق وادب وجمال. راح زمان وأتى زمان ،و كبرت البنات، وقرّر أبوهم الذهاب لأداء شعائر الحج، وكان السّفر في ذلك الوقت يستغرق عاما لانهم كانوا يحجّون على الابل ،.وأوصى الاب بناته لكي لا يرحن خارج البيت ،ولا يكلّمن أحدا ،ولا يفتحن الباب لمخلوق سواء كان رجلا او امرأة من اقربائهم او غيرهم. ووفّر لهم كلّ ما يحتاجونه من طعام وشراب. وتوكّل على الله وذهب للحج. بقوا ايّاما لم يطرق بابهم احد ،ولا سأل عليهم احد ،ونفذوا وصية أبيهم .ولم يخلفوا وعدهنّ له .
سمع امير تلك البلاد بجمال أولئك البنات، وأدبهم ،فقد كان كلّ الناس يتحدّثون عنهنّ ،وعرف أنّ أباهن غائب في سفر، ولن يعود قبل زمن طويل ،لكن لم يطق صبرا ،وأراد رؤيتهنّ مهما كلفه الأمر. فكّر في حيلة تمكنه من ذلك دون أن يكتشفن أمره . وفي الأخير نادى العجوز خديجة ،قهرمانة القصر ،وهي امرأة لها ذكاء وفطنة ،وقصّ عليها حكايته ،ثم قال لها : أطرقي بابهم وأخبريهنّ انّك عمّتهنّ وتريدين أن تسالي عليهنّ!!! ،لكن خديجة ردّت عليه لست متأكدة أنهن سيفتحن الباب ،فإنّ أباهنّ أوصاهنّ بذلك ،وهن لا يخالفن أوامره .
حزن الأمير، وإغتمّ لذلك كثيرا ،إلى أن قلقت القهرمانة عليه ،وعرفت أنه لا يقصد سوءا ،وإنّما يريد أن يختار إحداهن للزواج ،فذهبت إليه، وقالت له :سأبذل جهدي، ولن أتراجع إلا بعد أن أحقّق رغبتك!!! لكن أريد منك أن تعدني بشيئ، قال: وما هو ؟ أجابت: أن تراهن مرة واحدة ،ولن تطلب منيّ أمرا بعد ذلك ،قال: أنا موافق : وسأشغل نفسي بالصّيد، والفروسّية حتى يعود أبوهنّ من السّفر.
في الغد غيّرت العجوز هيأتها ،وتلحفت بعباءة، ثمّ أمسكت بالحلقة، ودقّت الباب ، إنتظرت قليلا، فلم يجبها أحد .لمّا رجعت إلى القصر وجدت الأمير في إنتظارهاا ،وسألها ماذا فعلت يا خالة ؟ أجابت :كما توقّعت، لا أحد منهن يردّ ،لكنّي سأحاول غدا !!! في اليوم الثاني ذهبت ،وطرقت الباب ،وكالعادة رجعت دون نتيجة. وإستمرّت على هذه الحال ستّة أيام ،وكلّ يوم يزداد إلحاح الأمير عليها .
صباح اليوم السّابع قالت له : من أجلك سأذهب اليوم، لكن إعلم أنّها ستكون الأخيرة ،فلقد رآني الجيران،وسألوني من أنت ؟ لكن كذبت عليهم ،ولو أنّهم أخبروا البنات لإنكشف أمري !!! أجابها : موافق ،حاولي هذه المرّة ،فقد يفتحن لك ،من يعلم.
وقفت ،وطرقت بقوة ،فسمعت رنين الحلقة في وسط الدّار، إنتظرت كالعادة قليلا ،ولمّا إستدارت لتنصرف سمعت صوتا خافتا يسألها من بالباب ؟ وماذا تريد ؟ فرحت ،وقالت أنا عمّتك “عيشة” ، علمت أن أباك الحاج صالح ذهب للحج فأتيت لأطمئن عليكنّ !!! أجابتها البنت: لكن ليس لنا عمّات !!! قالت المرأة :أبوك يخاف أن تجئن عندي، لأنّ كلّ أبنائي أولاد، لذلك كتم الأمر عنكنّ حتّى تتزوّجن !!!
ضحكت البنت ،وقالت : أبي يخاف علينا حتى من الهواء فما بالك بقطيع من الأولاد !!! لم تتمالك العجوز نفسها من الضحك ،فلقد أحسّت أنّ البنت ظريفة ،قالت لها : أعرفك لما كنت صغيرة أما الآن لا أشك أنك كبرت، فإفتحي الباب لأراك ولو للحظة !!!ردت عليها : أوصانا أبونا أن لا نفتح لأحد في غيابه، فاعذريني يا عمّتي !!!
رجعت للامير أخبرته بما حصل ،وقالت له :عليك أن تنتنظر أباهم، فالبنت التي كلمتني لطيفة جدا ،وصوتها مثل العصفور الصغير!!! ،لكنّ الأمير لمّا سمع ذلك ،قال لها :أرجوك لقد عرفتني طفلا ،والآن ذلك الطفل أصبح شابّا يافعا ،وعشق صاحبة الصوت الجميل ،إن لم تذهبي إليها ،فسأمرض ،هل هذا ما ترغبين فيه ؟جزعت القهرمانة لما رأت حالته ،وندمت أنها سمعت كلامه ،ولم يعد لها إلا أن ترجع لدار الحاج صالح،وتتحايل على تلك البنت الشقية لتفتح لها الباب وتراها …

( يتبع الحلقة 2 )

حكاية العطار وبناته السّبعة

من الفولكلور الليبي

البنت ياسمينة (حلقة 2 )

فكّرت العجوز، وقالت في نفسها ما هو الشّيئ الذي تحبه البنات ؟ ثم قالت طبعا العطر !!! أخذت معها قارورة عطر ورد جوري، ومشطا ومرآة من الفضّة المنقوشة ،وذهبت إلى دار الحاج صالح . طرقت الباب ،فأجابتها البنت: هذا أنت يا عمتي ؟ قالت لها : نعم ،ولقد أحضرت لك هديّة ستعجبك ،صاحت البنت: أنا أحبّ الهدايا ،لكن لا أقدر أن أفتح لك ،أنت تعلمين هذا !!! قالت العجوز : لا بأس ،سأصبّ شيئا من العطر تحت الباب ، وقولي لي ما رأيك ؟ كان العطر فوّاحا ،وغالي الثمن ،وإنتشر في الدّار، فجاء كلّ إخوتها ،وسألنها من أين جاءت هذه الرّائحة الفوّاحة يا ياسمينة ؟ أجابت: هو هديّة من امرأة تقول أنها عمتنا عيشة ،وهي لطيفة جدا .
لمّا عرفت العجوز أنّ كلّ البنات قرب الباب ،وأنهنّ بدأن بالإهتمام بها ،أدخلت المشط والمرآة ،ولمّا رأت البنات جمال تلك الأشياء تنازعن فيما بينهن ،وكلّ واحدة تقول هذا لي،إلا الصغرى التي لم تتحرك ،ولم تهتم بذلك .إبتسمت العجوز ،وقالت لا تتنازعن ،سأعطي كل واحدة منكنّ هدية :هيّا كلّ واحدة منكنّ تقول لي ماذا تريد !!! صاحت البنات في فرح :واحدة تقول عطر ،والأخرى حليّ …
كالعادة لم تطلب ياسمينة شيئا، وقالت لإخوتها : أنا مثلكن أشتهي هديّة لكن أوصانا أبونا أن لا نفتح ،وإن علم سيغضب ،قلن لها لن يعلم ،سنفتح الباب قليلا ،ونأخذ ما تعطينا إياه ،ثم نعيد إغلاقه ،ولن يحسّ أحد . قالت العجوز خديجة :غدا صباحا سآتيكم بما وعدتكم به ،قالوا لها : نحن في إنتظارك يا عمتي،لا تتأخري علينا !!!
لما رجعت إلى الأمير ضحكت ،وقالت غدا يفتحن لي الباب، وأراهنّ ،والصّغرى إسمها ياسمينة ،وهي ذكيّة ،وتحترم الوعود ،لقد كانت مستعدّة للتضحية بهدية نفيسة ، لأنّها وعدت أباها بعدم فتح الباب، ولا شيئ يثني عزيمتها .زاد عشق الأمير للبنت ،وقال لها :إذهبي إلى خزائني ،وخذي منها ما شئت من هدايا لهنّ .
في الصّباح وصلت للدّار ،ولمّا وطرقت الباب ،فتحت لها السّبعة أخوات ،فسلمتهنّ صرّة ،لمّا رأين ما بداخلها صحن من الفرح ،فلقد وجدت كلّ واحدة منهنّ ما إشتهته ،نظرت العجوز إلى البنات فتحيّرت من جمالهن ،ولمّا تأمّلت الصغرى لم تجد ما تقوله، فلقد كانت أجمل من الورود المتفتحة، وأرقّ من قطرات النّدى ،أحسّت القهرمانة خديجة بالحبّ لأولئك البنات، فقبّلتهم ،وحضنتهم ،أمّا هنّ فأصبحن ينادونها عمّتي ..
لمّا رجعت خديجة للقصر ،قالت للأمير :لقد رأيت البنت ياسمينة وإخوتها ،وأنا أعذر الشيخ صالح لخوفه عليهنّ !!! قال لها: أريدك أن تصفيها لي ،أجابت : سبحان الله على بديع ما خلق :

لها سواد عيون الرّئم..
والحاجب فوق العين..
قوس هلال..
هي قمر الليل المظلم..
وكوكب درّي..
نورها نجم الشّمال..
إذا مشت بين الزهور
زادتها حسنا وتألقا..
وجمالا على جمال..

لمّا سمع الأمير شعرها تحير في أمره ،وقال لها :لا أستطيع صبرا عليها لا بدّ أن أرى ياسمينة، فلم تعد لي القوة أن أبعد طيفها عني، فلقد شغلت أيامي و سكنت أحلامي !!! وإن تواصل هذا الأمر فلن يبقى منس سوي جلد على عظم ،أجابته أعلم ممّا أنت فيه ،لكن هون على نفسك يا مولاي ،قال لها عليك أن تجدي حيلة لكي أراها وأكلّمها ،فكرت قليلا ثم إبتسمت وقالت : ستراها ولن تعرفك لا هي ولا أحد من الناس ،سألها بفضول وكيف ذلك ،قالت إقترب لأقول لك في أذنك !!!
إنزعج، وقال : أليس هناك حل آخر ؟ أجابت :إذا كنت تودّ رؤيتها فهو الحلّ الوحيد ،قال لها :حسنا ،لكن يبقى الأمر سرّا بيننا ..

(يتبع الحلقة 3 )

حكاية العطار وبناته السّبعة

من الفولكلور الليبي

الأمير في دارالشّيخ صالح (حلقة 3 )

في اليوم الموالي زارت العجوز البنات ،وحملت معها كثيرا من اللحم ،ولمّا أرتهم ما في القفّة ،فرحن وقلن لها : لقد مللنا من أكل القديد ،فأبونا حرّم علينا الخروج .عجنت البنات خبز الشعير، وأشعلن فرن الفخّار، ووضعن أقراص العجين لتنضج .أما العجوز فشوت لهم اللحم والشحم ،وأعدّت مرقا بالفلفل الحار، وإبتهجت ياسمينة وقالت :كأنّنا اليوم في عيد ،ومنذ ذهاب أبي نحسّ بالملل ،ولا نجد شيئا نفعله سوى ترتيب البيت، والنظر من النافذة للشّارع ،وللباعة المتجولين ينادون على بضائعكم.
في اليوم الموالي أحضرت لهن سلة مليئة بالسمك، وقواقع البحر،وكلّ يوم تحضر لهن شيئا حتى تعوّدن عليها ،وأصبحت تقضي معهن كامل اليوم تقصّ عليهن أعجب الحكايات . وفي يوم من الأيام قالت لهن: لقد رزقت أربعة أولاد ،وكنت أشتهي دائما بنيّة، وبعد أن مرّت السنوات الطوال ،زقني الله بنتا مثل كالقمر وهي في مثل عمر أكبركنّ ،ولقد تزوج الأولاد ،أما هي بقيت معي ،وكل مرة آتيكم فيها أتركها بمفردها وهي لطيفة ،وتحب اللعب مع بنات الجيران!!!
قلن لها بفرح :المرة القادمة أطلبي منها أن تأتي معك ،فنحن أيضا نحبّ اللهو والمرح قالت :سأفعل ذلك من أجلكنّ .لمّا رجعت إلى القصر، قالت للأمير : عليك أن تستعد للذهاب لدار الحاج صالح ،فأنت مدعوّ عندهم غدا. ،سأعدّ لك ثياب بنت على مقاسك ،وعليك أن، تنتف لحيتك، وتتجمل مثل البنات !!!
قال لها: لا أحد يلمس لحيتي !!! ردّت: لا تغضب ،سنكتفي بشيء من الكحل على عينيك، وبعض العطر . وسأغطّي وجهك، وأقول لهنّ أنّ الطبيب أوصاك بعدم التعرض للهواء لأنّ صحّتك ضعيفة ،قال الأمير سيتفطّنون لي لمّا أتكلم، أجابته :أنظر بعينيك فقط ،سأقول لهم أنك بكماء ،هل إرتحت الآن ؟على كل حال لن نبقى كثيرا، ترى ياسمينة ،وتخرج ،لو عرفوك لصرخن، وجمعوا علينا الجيران.
في الصّباح خرجت العجوز و الأمير ،كان تنكره متقنا إلى درجة كلّ من رآه يعتقد أنّه إبنتها .لمّا وصلا إلى دار صالح فتحت لهن البنات ،وقلن لها إبنتك جميلة العينين ،لكن نحن بمفردنا، فلماذا تغطي وجهها ؟ قالت لهن :الهواء بارد اليوم ،وهي تمرض لأقل هبّة هواء !!! سألنها لماذا لا تتكلم ؟ أجابت للأسف أنها بكماء ،قلن لها : إنه أمر محزن أن لا نتكلم معها، فهي تبدو لطيفة جدا .ردّت العجوز :إنها ذكية ، وتحسن ضرب العود، فمن منكنيعرف الغناء ؟صاحت ياسمينة :أنا ،لنا عود في الدار ،ودف، سأحضرهما ،قالت: البنت الكبرى سأحضر لكم طبق الشاي بالنعناع والبندق ،إنتظروني قليلا فهذه الليلة ستكون طويلة:
أخذ الأمير العود ،وعدل أوتاره ،وعزف تقاسيم جميلة تمايلت لها البنات طربا، ثمّ غنّت ياسمينة على أنغام العود ،ونقرات الدّف :

دون مبعاد
أو انتظار أمام النّافذة
دقّوا علينا الباب
زارنا خير أصحاب
نسينا وحدتنا
وبعد الأهل والأحباب
آه .. في دارنا أغراب
رفيقنا قمر و سحاب
تحلق أرواحنا في السماء
بعيدا مع الطير
فرادى وأسراب

صمت الجميع ،حتى القطة أوقفت أذنيها ،وقد أعجبها الغناء والعزف ،كان الأمير وياسمينة منسجمين كأنهما يعرفان بعضهما من زمن طويل ،كلّ كلمة تصاحبها ضربة عود تغرقها في الجمال، كأن العود يغنّي مع البنت ،ويغازلها، ويهمس إليها . لمّا إكتمل العزف، جاءت البنات ،وقبّلن الأمير ،وهنّ يعتقدن أنّها فتاة، فلم يسمعن في حياتهن مثل هذا العزف .أمّا ياسمينة ،فأشارت له بيدها ،ولم تقترب منه .
دار الجميع حول صينيّة الشاي المنعنع ، وصاحت البنات :قصي علينا خرافة يا عمّة ،فلقد حلى السّهر : تنحنحت العجوز ،وقالت :كان يا مكان، في الأرض الحبق والسّوسان ،والصلاة على النبي العدنان ،ومضت تحكي … وأحسّ الأمير بسعادة لم يشعر بها من قبل، رغم كلما عنده في القصر من جواري وقيان ،وندماء .
كان يسترق النّظر إلى ياسمينة دون أن يلاحظ أحد، لكن لم تغب عنها نظراته فلقد كانت ذكية وفطنة جدا . لمّا أتمّت العجوز الحكابة ،وشربوا الشاي ،إستئذنا في الإنصراف ،وفي الطريق قالت القهرمانة خديجة : لقد حققت لك كل ما ترغب فيه،وأضعت لي وقتي ،الآن عليك أن تتعقّل ،وتنتظر رجوج الحاج صاح !!! لكن الأمير قال لها: وهل من يرى ياسمينة، ويسمع غنائها الرخيم يبقى له عقل ،إسمعي !!! غدا سنرجع معا ،هل فهمت ؟

يتبع الحلقة 4

 

من حكايا العالم الاخر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق