مقالات

إشراقه ..بقلم رياض الصلح

لاحقاً و في تلك الليلة يا عزيزتي .. تراءت لي سماء جديدة غير تلك السماء التي تظلنا نحن البشر .. و لا أظنها تنتمي للسماوات السبع كذلك .. كانت من كون غريب علي .. لم أعهده قبل ذلك .. و لم أنتمي إليه يوماً ما ..
لم يكن لتلك السماء شمس و لا قمر .. يا عزيزتي .. فلم أعرف الاتجاهات و لم تعرفني .. أدركت حينها أنك أنت جميع اتجاهاتي ..
أيتها الضائعة في ظلمة الكون مثلي .. كنت قلقاً وقتها أن تعاني الأحاسيس التي كنت أعانيها .. لكنك كنت بعيدة جداً .. لم أستطع بلوغ إيحاءاتك الصامتة .. و لا صوتك الغائب في العتمة ..
لا أعرف إن كنت ترين نجوم السماء الجديدة كما كنت أراها .. لا أظن ذلك .. فأنت لست مثلي .. و لا تمتلكين عيوناً حادة كعيوني .. عرفت و لا تسأليني كيف عرفت .. أنك لم تلاحظي النيران المشتعلة في تلك السماء .. لقد حسبت بداية الأمر أنها مجرد نجوم .. لكنها كانت قاتمة .. لقد ذكرت لك أنها ليست سماءً عادية .. فنجومها لا بد أن تكون غريبة الأطوار .. ثم إنها كانت تشع مرضاً معدياً .. أصابني مباشرة .. فاشتعلت ..
لقد اشتعلت يا عزيزتي .. و لم أجدك تتجاوبين مع ما أطلقته من صراخ .. جيد أنك لم تقتربي مني وقتها .. و لو اقتربت لوليت عنك لائذاً بالفرار .. ما كنت أسمح لك بملامستي .. خشية أن تحرقك ناري .. و يملؤك ظلامي .. فقد أشعلت وقتها تلك الغابات الخضراء التي كانت تملأني جمالاً .. و أحرقت المدن الآمنة التي كانت تنتشر في ربوعي .. و أحرقت السفن و الموانىء و أشعلت البحار بناري ..
لا أعرف ما الذي كان يحدث معي وقتها .. فقد كنت أظن أنني أملأ الكون نوراً .. فإذا بالكون قد أقحل عرض الآفاق .. لقد ضللت الطريق يا عزيزتي .. أو أن الطريق هو الذي أضلني .. لست أدري ..
و عندما كنت أستشعر الظلام و هو يسري في عروقي .. و أعاني كآبة الوحدة وحدي .. كنت أركض في ربوع كوني الخالية .. أستنشق بقايا الدخان .. و غبار الرماد .. و سواد السماء .. كنت أستنشق هذا الهواء المسمم .. و أزفره انتقاماً .. و حسرة .. فلم أكن أنا الذي استجلبت تلك العدوى .. بل أنني منعت نفسي عنك طويلاً .. خشيةً عليك .. فلستُ الملامُ .. و ما كنت لألوم أحد .. غير تلك السماء ..
أعلم أنك تستغربين الآن .. و تظنين بي أسوأ الظنون .. لكنني أطلب منك أن ترحَمي حالتي التي أسردها تلفاً أمامك .. و لا أريدك أن تعذريني ..
أعلم أنك تطلبين لقائي .. و لا تسأليني كيف أعلم .. أنك تكرهين بقائي .. فقد ملأتك اضطراباً .. و أهلكتك عذابا .. لكنك لا زلت شمسي التي ما غابت من فؤادي .. فأشرقي فيه من جديد .. و أشعليه بنورك الذي لا يمتلك سمة الإحراق .. إلا دهشة الإشراق ..

# بقلمي
# رياض الصالح

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق