مقالات

فاصل انساني ضروري في زمن الحرب / إشراق كرونة

هذه نبتة قهوة اشتريتها من غرب فرنسا منذ ما يزيد عن السنة. أحاول منذ عادت معي إلى العاصمة أن أبقي عليها حيّةً، أن أرعاها وأن أجعلها تمضي نحو حالٍ أفضل. قرأت عن فصيلتها على الانترنت. حمّلت تطبيقات تُعنى بالنباتات الداخلية. اشتريت لها ترابا خاصا مخلوطا بالسماد. أضعها صباحا على الطاولة قرب نور الغرفة في زاوية أضمن معها أن يكون الضوء خفيفا على عودها الرقيق ومساء أضعها جانب فانوس الغرفة الكبير. هي أوّل من أتفقّد صباحا وهي آخر من أداعب ليلا. أسارع إليها فور عودتي من السفر أو من العمل. بل أهرول إليها حالما أغلق باب البيت ورائي.
أصبحت علاقتي بها حميمة منذ أمسى بقاؤها على قيد الحياة تحدٍّ لي ولها. أحاول تخفيف عللها الكثيرة عنها فأقول لها إن حياتها وصمودها يعني حياتي وصمودي أيضا.
تشعر النباتات بأحاسيسنا وقلوبنا فعندما تمرّ أيام عجاف عليّ أرى أوراقها تنكمش وتضمر. وعندما يتحسّن مزاجي أراها تورق وتونع.
أعتذر منها كلّما قلّمت أوراقها الذابلة مثل أمّ تقنع صغيرها بضرورة “تنعيم” شعره وبأنّ المقص لا يؤذي الفروة. أودعها عند صديق/ة أنتقيه/ا بعناية قبل السفر ثمّ أرفد طلب الاعتناء برسالة هي آخر ما أكتبه قبل إقلاع الطائرة عن خصوصيتها وعن كميّة الماء وموعد السقو وعن الضوء المناسب لها. يقرصني قلب الأمومة داخلي تجاهها جدا وأشعر أنّها تبادرني شعورا نظيرا عندما ينجح مثلا برعم جديد في الخروج من جسدها الهزيل. هي تعرف جيدا أنّني أحب الانتصارات الصغيرة. لقد فاضت مشاعري تجاه هذا الكائن الصامت الذي آثر البقاء معي في البيت “حيًّا” ينعش نفسيتي الميّتة منذ أشهر كثيرة. آثرت أن تصمد من أجلي لتعيد النضارة إلى قلبي فكيف لا أعطيها ماء عينيّ؟ إنها أمانة عندي وأنا أمانة عندها. وعلى هذا المبدإ تمتّنت صداقتنا وعلى هذا المبدإ صارت لي أمّا وصرت لها غصنا وصرتُ لها جذرا صلبا وصارت لي برعما وليدا : تشاهد معي الأخبار مساء إذ أضعها بين يديّ تحت الغطاء فتدفأ. علّمتني أن أنشج أمامها بلا خجل وأنّ “الدمع هو الإنسان” وأنّ الوفاء خصلة لا تؤتى أيا كان وأن هزال جسمنا المشترك لا يحجب قلبنا الكبير الممتلىء بالقدرة على العطاء دون حساب
نسيتها قليلا الأسبوع الماضي في زاوية مشمسة – وهذه نقطة أخرى مشتركة فنحن لا نحب الشمس كثيرا لأنها تضرّ بشرتنا – فصبغت الشمس أوراقها ببعض الاصفرار الذي انعكس على وجهي. ومنذ يومين بعد اعتذار شديد مني واعتناء مشدّدٍ إضافي، رأيت براعم جديدة تنبثق خضراء لا شية فيها …
من علّم نبتتي الصغيرة أن تقول لي براعمها الوليدة: إن الحياة مازلت ممكنة؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق