مقالات
أحلامٌ سعيدة ..رياض الصالح
بتعبٍ شديد، و عرقٍ يتصبب على وجنتيه، استوقفني ذلك العجوز ، و أنا أقود السيارة .. لفت انتباهي وسادتان متدليتان من كَفَّي يديه .. و إيماءات تطالبني بالتوقف قليلاً ..
أدركت أن لديه بضاعة يريد عرضها علي .. و لم أحتج لذكاء زائد لأدرك أنه يبيع الوسائد .. فتوقفت و أنا منزعج .. و ذلك بحكم عادتي .. أني لا أرفض طلباً فجائياً .. لكنني أتحلى بشجاعة الرفض لاحقاً إذا أخذت الوقت الكافي لاتخاذ القرار بالرفض .. فأحببت الشروع بالمزاح .. من باب قطع الطريق عليه .. و إبداء عدم رغبتي بالشراء .. باستخدام المزاح كنوع من الذوق في إبداء الرفض .. و إن كان الموقف لا يستدعي المزاح .. فالرجل مجهد .. و الجو حار .. و التعب باد على ملامحه .. فمزاحي سيكون أقرب إلى التهكم .. و فيه صدود واضح عن الشراء .. و لكنه هو الذي جنى على نفسه بإيقافي و أنا على عجلة ..
قلت له .. هل تبيع الأحلام برفقة الوسائد .. قال .. لدي وسائد منقوش عليها جملة ” أحلام سعيدة ” .. ابتسمت و قلت .. و هل تضمن لي إذا اشتريتها أن توقف تلك الكوابيس التي تلاحقني كل ليلة .. فتمنعني النوم .. و تمنحني الأرق ..
تمعن في وجهي هنيهة .. و كأن الرسالة وصلت .. لكنه كان من النوع الذي لا يتراخى أو يستسلم بسهولة .. قال يا أستاذ .. و هل تظن أن كوابيسك تتسلط عليك من ظلام الليل .. أم أن أحلامك السعيدة هبة يمنحها لك ضوء القمر .. لا هذا و لا ذاك .. إنما هو عقلك الذي لا يرحم .. و لا يستجدي الرحمة أو يطلبها لبدنك المنهك .. و رأسك المنتفخ بالأفكار المتعبة .. فلا أظن وسائدي ستُقَدِّمُ لك شيئاً غير الأمنيات لك .. بسعادة لن تعيشها إلا في بعض أحلامك ..
قلت له .. و لماذا حددتَ سعادتي بوقتٍ مُعَيَّن أكون فيه غائباً عن الواقع .. فقال .. لأنك تُحَدّثني عن الأرق و السهر و الكوابيس .. و هذا لا يحصل إلا إن كان ما يدور في رأسك يُشعِلُ عندك هذه المصطلحات .. و يأتي لك بما تتضايق أصلاً من حصوله .. يا أستاذ .. لو كنت تؤمن بالأحلام لسعيدة .. لوجدتها في حياتك قبل أن تراها في منامك .. فلا تلومن غيابها .. و عليك بلوم طريقتك الصعبة في تحليل و فهم ما يدور حولك ..
اكتشفت حينها أنني أحاور فيلسوفاً مختصاً بالرؤى و الأحلام .. و ليس مجرد بائع متجول يسعى لتحصيل فتات العيش .. سررت جداً .. فأنا لا أصادف أمثاله من المتعمقين .. إلا ما ندر .. و علمت أن هنالك رابط أثيري مخفي .. يحرص على جمع الأشباه ببعضهم ببعض .. كإشارة مميزة .. تبين لنا أن اجتماع الأشباه و لو بعد حين .. هواية فريدة يمارسها الكون لتلقيح الظواهر .. و صناعة الحدث .. و تأكيد القواعد و القوانين ..
فسألته مستأنساً و مستلهماً و مستفهماً .. قل لي بالله عليك .. ما هو هادم الأحلام .. فقال .. هو أساس كل ارتباك .. و مصنع كل اكتئاب .. و ناسج كل حزن و قلق .. إنه الخوف .. الخوف يا صديقي .. عدو لدود .. و صديق حسود ..
فنحن المساكين من البشر .. إذا خفنا من افتضاح الماضي أو دفع ضريبته .. أصابنا اكتئاب من اللوم و المراجعة وتأنيب النفس و حسرة الندم .. و إذا خفنا من الحاضر .. أصابنا الحزن .. و تبلد المشاعر .. و اسوداد النظر .. و آلام الخيبة و قسوة الخذلان .. أما إذا خفنا من المستقبل .. كان الحصاد أكواماً من القلق .. و حزمات من ثخين الأرق .. و انقطاع الأمل .. و استبدال الكوابيس بالأحلام .. و حصر الآفاق .. بواحات سرابية ..
قاطعته هنا بمداخلة واقعية .. قلت له .. لكن انعدام الخوف لا يغير من الواقع شيئاً .. فما هو إلا سلوك نفسي .. و السلوكيات النفسية ليس لها يد في صياغة ما ليس بأيدينا .. فقال .. لا أريد أن أقضي يومي بجدال عقيم .. لكن ما أسميته سلوكاً نفسياً تستهين به .. هو الذي حرّك أبطال المعارك .. و المآثر .. من صناع الحياة .. فقلب الموازيين .. و حدد الفائز من الخاسر .. هو نفسه الذي دفع شخصاً للتراجع و التخاذل و دفع آخر للتقدم و المواجهة و التحدي .. هو نفسه يهدم عزيمة صاحبه أو يبنيها و ينعشها بعد موت .. فلا تستهن بالنفس و فحواها .. فهي التي ترسم الأحلام بنفسية و تصنعها بنفسية أو تهدمها بنفسية .. فلا تقلل من قيمة مزاجك .. أو همة نفسك .. و لا حتى بوسادة متفائلة لك بأحلام سعيدة .. أقدمها هدية مني إليك .. لا أطلب لها ثمناً .. خذها و انطلق..
# بقلم
# رياض الصالح