مكتبة الأدب العربي و العالمي
حكاية #الرّجل الذي رزقه دينار الجزء الثالث
برّاد شاي في السّقيفة (حلقة 3 والأخيرة )
وبينما هو غارق في التّفكير ،حاءه فارس من شرطة السّلطان ،وقال له : توقف،وأرني ماذا يوجد داخل الكيس الذي على ظهرك !!! إرتبك خليفة ،وأجابه : هذا ذهب ربحته من شغلي ،قال الفارس : لا تحاول خداعي، فمنذ قليل سرق لصّ أحد التجار،وفرّ في هذا الإتجاه، وأخيرا قبضت عليك ،حلف له خليفة أنّ ما في الكيس رزقه، لكن لم يصدّقه، وقال له : الآن تعال معي إلى القاضي ،و لعلمك عقوبة السّرقة هي المشنقة ،ضرب الحمّال كفا بكفّ، وصاح ماذا فعلت يا ربّي ،بعد كل هذا التّعب والمشي في الصّحاري ،يكون جزائي المشنقة !!!
بقي متحيّرا ،وهو لا يدري ما يفعل ،ثمّ قال للفارس: أرجوك لي أطفال صغار تركتهم دون طعام ،فما رأيك أن أعطيك الذّهب ،وتتركني في حالي ؟ حكّ الفارس ذقنه ثم قال : حسنا : ولكن لا أريد أن أرى وجهك مرة أخرى !!! فلمّا إنصرف ،قال خليفة في نفسه : الآن يديّ فارغتين ، وسأرجع للعمل في السّوق كحمّال بدينار ،وهذا لن أقبله ،ثم قرّر أن يعود أدراجه للمدينة التي أتى منها ،ويبحث عن عمل ،وسيرضى بأيّ أجرة يعطونها له . سافر خليفة مع قافلة وكان يخدم المسافرين مقابل إطعامه ،وما إن وصل حتى نزل السّوق ،وأوّل رجل شاهده هو ذلك الشّيخ ،فسأله :ألم يكفك كلّ الذهب الذي أعطيته لك ،فقصّ عليه الحمّال ما حدث له ،وأنّه لم تبق منه قطعة واحدة ،ولم يصل هنا إلا بصدقات المحسنين .
قال الشّيخ : إعلم أنّي رزقك ،ولقد أتيتك ثلاثة مراّت في هيئات مختلفة وأخذت منك الذّهب ،لأنّ الرّزق الذي كتبه الله لك دينار في اليوم ،لا يزيد مليما ،ويجب أن ترضى برزقك ،وتحمد ربك على ما أعطى،وسأمنحك الآن ثلاثة دنانير أجرة الأيّام التي إشتغلتها !!! أخذ خليفة المال ،ورجع إلى قريته ،وهو يفكّئر ماذا سيفعله بهذا القدر القليل الذي لا يغني ولا يسمن من جوع . ولمّا نزل السّوق تعجّب لمّا وجد اللّحم رخيصا على غير العادة ،والنّاس تشتري ،وتملأ القفاف، إلا الفقراء مثله الذين كانوا ينظرون للجزّارين ،ثم يمرّون وعلى وجوههم الأسى ،وقف خليفة أمام دكاّن جزار ،وقال : ثلاثة دنانير تكفي لشراء قطعة لحم ،لكن ماذا سنطبخ بها ؟ فليس لنا شيئ في الدار، ،وفي الأخير أخذ قليلا من القديد، و في طريقه اإشترى الخضار ،والشاي، وقرطاس حلوى .
لمّا رجع إلى داره ، إستراح على حصيرة ،وطبخت له إمرأته كسكسي بالقديد ،فأكل الجميع حتى شبعوا ،وفي الغد سمع أنّ كلّ من أكل من ذلك اللحم الرّخيص قد مرض ،وأنّ صاحب الخرفان باعها للجزّارين بثمن بخس ليتخلّص منها لمّا إكتشف أنّ حالتها سيّئة ،فحمد الحمّال الله أنّه لم يرجع بالذّهب ،وإلاّ لمرض مع عائلته ،وربّما ماتوا ،ثمّ ذهب وعمل في السّوق كالعادة بدينار ،لكنّ البضاعة كانت كثيرة ،والنّاس في بيوتهم مرضى ،لذلك فالتّجار يعطون ما يبقى للفقراء، وصار خليفة يرجع لداره كلّ يوم بقفّة كبيرة فيها الخيرات السّبعة .
لقد بقي رزقه دينار كالعادة ، لكنّ الله قدّر له الأسباب ،ليأكل ما يشتهيه ،وكلّ مساء صار يطبخ برّاد شاي بالنّعناع ،ويجلس مع إمرأته في السّقيفة ينظران إلى الصغار يلعبون، ويأكلون الحلوى ،فأحسّ بالنّعمة التي هو فيها رغم رزقه القليل ،ولمّا سألته إمرأته : وماذا سنفعل لمّا يشفى أهل القرية ؟ هل سنرجع إلى أيّام الحرمان ؟ أجابها : ومن كان يتوقّع أننا سنعيش أيّاما جميلة ؟ الله لا يترك عباده الشّاكرين للنّعمة ،وسيجعل لنا دائما أسبابا لنفرح نحن ،وأطفالنا، والحمد لله على ما أعطى ،وقدّر ،أجابته المرأة :الحمد لله ،هات كأس الشّاي لأملأه لك يا سي خليفة !!! ضحك الرجل وقال :آه من النّساء إذا حملت لهنّ القفّة العامرة جعلوك سي فلان …
من قصص حكايا ألعالم الاخر ” واقعية”
…
إنتهى وشكرا عن المتابعة