مكتبة الأدب العربي و العالمي

الساحرة وكنز سليمان (جزء 3)

الغول يختطف عائشة و يحملها إلى الغابة الملعونة

لم يمانع بائع السّمك عندما علم أنّ عائشة تودّ زيارة أمّها المريضة ،ورافقها حتّى منزل خالاتها أين ترقد زوجته، منذ أن شربت ذلك الماء لم يعد تقوى على الحركة لكنّها ترى وتتكلم ،لقد أصبحت حبيسة في جسدها ،لمّا شاهدت ابنتها و زوجها بكت كثيرا، كانت تتمنّى أن تضمّ ابتنها إلى صدرها لكن يديها لا تطاوعانها بمشيقة إستندت على ظهرها و نظرت إلى زوجها بحزن وقالت ،سمعت أنّك تزوجت ،حسنا فعلت ،فأنا لم أعد أصلح لشيئ ،وهذا المرض لا شفاء منه ،و لقد حار الأطباء حوله
لأوّل مرة منذ مدّة أحسّ بالنّدم لعدم زيارتها ،و السؤال عنها ،فلقد كانت نعم الزوجة ،لكنه أخذ عهدا على نفسه بالقدوم كلّ بضعة أيام مع عائشة ،فهو لم يكن إنسانا سيّئا لكن بديعة كانت تفعل كل شيئ لكي ينساها ،و إعترف أنّها نجحت في ذلك ،لكن الآن كل شيئ سيتغير.
أوصاها خيرا بعائشة ،ثم إنصرف في حل سبيله ، ولم يتفطن إلى أن هناك من كان يراقبها من وراء الأشجار ،وقد كشّر عن أنيابه …
عندما خرجت البنت لتلعب فوجئت بمخلوق قبيح الشكل يمسك بها من ثوبها ،و يرميها في كيس كبير وضعه على ظهره ،و مضى بها إلى الغابة الملعونة التي لا تدخلها الشّمس …
الّنقوش السّرية على حيطان البيت
عندما وصل وجد بديعة في إنتظاره ،كانت في أكمل زينة ،وآنية الخمر بين يديها ،قال لها إسقيني من خمرك ،لنا كل الوقت لنشرب فعائشة عند أمّها ولن تعود إلا بعد أيام ،إبتسمت في سرّها ،فلن يراها بعد اليوم .. أظهرت له التودد و الاهتمام و ناولته الأقداح واحدا تلو الآخر حتى ثمل ،جلست قربه ،و قالت له أريد أن أسئلك سؤالا قد حيرني، بيتك يبدو أوسع من غيره من بيوت القرية المنحوتة في الجبل والحيطان مغطاة بطبقة سميكة من الجير،كانت الساحرة بديعة تعرف أن هذا المكان كان في مضى معبدا جنائزيا، تقام فيه الصلوات من أجل الموتى، و تشعل فيه الشموع ،و تقدّم فيه النّذور ،لكن لا أحد يعلم شيئا عن محتوياته باستثناء أجداد بائع السّمك الذين إكتشفوه و سكنوه و هم من أوائل النّاس الذين سكنوا هذا المكان
نظر إليها وقد لعب الخمر برأسه ،وقال دعينا من هذا الموضوع المزعج ،اليوم أريد أن امرح معك ،تعالي ..إقتربي ،لكنها نهضت، وابتعدت عنه ،فقال أعرف أنّك عنيدة ،أحضري آنية العنب و التفاح ،وأطعميني من يديك الجميلتين ،و أنا أروي لك كلّ شيئ ضحكت ،وقالت له أنت مغفل أجدادك لا يحسنون حفظ الأسرار ،لقد تجوّلت البارحة في الأسواق وحكى لي الناس كل شيئ ،أجابها بتهكم هم حمقى يؤمنون بالخرافات و بالجن ،هل رأيت الخرائب التي في طريق القرية هذه البيوت المحفورة في الجبل هي قبورهم ،وبيتي هو معبد لاعطاء البركة في العالم الآخر لهؤلاء القوم، وعندما دخل جدّي الأكبر و جد كثيرا من الأواني الفضّية و التّحف ،و التّماثيل ، فباع ما وجده من الذّهب و الفضّة ،امّا التّماثيل ،فحطموا أكثرها ،و لم يبق إلا القليل إحتفظوا بها لمّا علموا أنّه يمكن بيعها بثمن جيّد ،ويحكي أنّ الحيطان كانت مليئة بالنّقوش و الرّسوم ،فغطاها بطبقة من الجير ذلك التي ترينه ،تلك هي أسطورة الكنز و لقد عثر عليه جدّي ،وأخذه ،و كلّ ما سوى ذلك أخبار واهية ..
كانت بديعة تنصت باهتمام شديد ،كلّ ما قاله أكّد نظرّيتها ،ما عثروا عليه هو أثاث المعبد لكن الكنز لا يزل في مكان خفيّ و المفتاح هي تلك الرّسوم و النقوش التي تم إخفئها تحت الجير، السؤال كيف ستقنعه بإزالة طبقة الجيرفوق الحائط
الساحرة بديعة تكشف لزوجها سرّ كنز سليمان
قررت أن تقول له الحقيقة ،وعندما تعثر على ما تريده تتخلص منه ،وضعت حبّة العنب في فمه و اقتربت منه لدرجة أنها أحست بأنفاسه السّاخنة و قالت ،لقد أخطأ جدك ،الكنزلا يزال في مكانه و المدخل موجود وراء أحد هذه الجدران ،في الخرائب على طريق القرية هناك عمود يحتوي تاريخ تلك المملكة ،و تقول أن الملك سليمان عندما حضرته الوفاة دفن كلّ كنوزه معه ووضع عليها طلاسم سحرية لكي لا يجدها لا الإنس ولا الجن، و أنا متأكدة بأنّ تلك النقوش لم توضع عبثا وقد تحتوي على المفتاح الذي تقود إلى كنوز سليمان
نظر إليها بائع السّمك مذهولا ، وقد انحبست حبّة العنب في فمه ،هل أنت متأكّدة من هذا الكلام ؟ كنوز سلمان في هذ البيت ؟
أجابته : نعم ..إذا وجدناه سنقتسمه نصفين و سنكون من أغنى الناس على الأرض
قال : لن نخسر شيئا ،لكن قولي لي كيف تعلمت قراءة هذه الخطوط القديمة التي لا يفهمها أحد ،قالت كل شيئ في أوانه
قال لها سأحضر غدا عمّالا لإزالة الجير عل الحيطان ،و سنرى مذا تخفي ،و الآن هيا بنا نعود إلى مرحنا..
حيلة عائشة مع الغول
عندما وجدت عائشة نفسها محبوسة في الكيس في طريقها الى الغابة الملعونة أين يسكن المسوخ، عرفت أن هذا من تدبير بديعة ،وأن عقد اللؤلؤ كان طعما لتصطادها ،تحسّسته ،فإذا به لا يزال على صدرها ،عندما كانت صغيرة حكت لها أمّها على ناس عصوا الله فمسخهم لهم جسم إنسان لكن وجوهم تشبه السّحالي ،ويعيشون في غابة مظلمة و حذّرتها من الخروج بعد مغيب الشّمس ،لأن هولاء يخطفون الناس، و يأكلونهم ،بطبيعة الحال لم تكن عائشة تصدق هذه الخرافات ،لكن الآن صدّقتها و إن لم تجد حلا ستصبح طعاما لهؤلاء االغيلان ،تذكرت أن أمّها قالت هناك طريقا واحدا يقود إلى تلك الغابة ،و تحيط به الرّمال المتحركة التي تبتلع أي شيئ يمر فوقها هذا الطريق لا يعرفه سواهم ،لهذا السّبب لا يمكن لاحد من النّاس الدّخول الى تلك الغابة او الخروج منها ..
كان هناك ثقب في الكيس لكي تتنفّس منه ،لقد كانوا يريدونها على قيد الحياة ،و إلا لقتلوها ،يجب أن تستغل ذلك لمصلحتها ،نزعت عقد اللؤلؤ ومزقته ،و صارت ترمي حبة بين الفينة و الأخرى دون ان يحسّ الغول ،و عندما وصل الى قرية الغيلان و الأهوال رمت آخر حبة من العقد، وقالت في نفسها : تعتقدين نفسك ذكية أيتها الساحرة البغيضة ، سنرى من ينتصر في الأخير …
نجاة عائشة من قرية الغيلان
عندما وصلوا أخرجها الغول من الكيس ،نظرت حولها فإذا هي قرب قرية صغيرة مليئة بالأكواخ التي يسكنها الغيلان، ورأت عظاما كثيرة عرفت أنها لأطفال ،و رغم أن الأمر كان مفزعا لها إلا أنّها حافظت على شجاعتها ،ستفكّر في طريق للهرب ،أمّا الآن ستحاول أخذ نصيب من الراحة ،نامت قليلا ثم إستيقظت على صوت بقربها كانت غولة صغيرة في مثل عمرها ،إقتربت منها ،وقالت بعد أيّام سيأكلك القوم هذا أمر مفروغ منه ،سيطعمونك أعشابا برّية تجعلك أكثر لذّة عندما يضعونك في القدر …
قالت لها عائشة في انتظار ذلك ما رأيك أن نلعب لعبة الإستخفاء ،كانت تتظاهر باللعب لكنها كان تحفظ مداخل و مخارج القرية ،لاحظت أنّها تتحرك بحريّة ،إستغربت لذلك، وسألت صديقتها ،فقالت لا أحد يمكنه الهرب من هنا والموت في خارج القرية أكثر بشاعة، فما أن يعلق احدهم في الرّمال المتحركة حتى يهجم عليه النمل و يفترس عينيه و دماغه، فلا أنصح أحدا بهذا المصير .
سألتها مرة أخرى و أنتم كيف تفعلون للخروج و الدخول ،أجابت :هناك طريق واحد لا نعرفه إلا نحن وهو عند تلك الشّجرة الكبيرة ،و أشارت بيدها ناحية أحد الأشجار ،قالت لها عائشة هيا نلعب هناك،ردت الغولة الصغيرة: الكبار فقط يسمح لهم الإقتراب من ذلك المكان ،قالت لها سأذهب وحدي كانت عائشة تريد البحث عن حبّة الؤلؤ الأخيرة، فلقد كانت محبوسة في الكيس عندما رمتها ،ولا تعرف بالضبط أين، أما الآن فلها دليل،اقتربت من الشجرة ونظرت في جميع الإتجاهات دون أن ترى شيئا عندما تقدّمت قليلا سمعت صوتا أجشّ يقول : ،ماذا تفعلين هنا و من دلّك على هذا المكان أيتها الشقية ،لا تقتربي من هذا المكان و إلا … هربت بأقصى سرعة ، وتأكدت ان الغولة الصغيرة قالت الحقيقة ،ما عليها إلا أن تنتظر الليل عندما ينام الجميع …
عندما أظلمت الدنيا نهضت البنت، كان أكثرهم نائما، لكن كان البعض لا يزال مستيقظا ،و يشكّلون حلقات حول النّار ،فكرت أنّه لا يمكنها الهرب بسهولة إلا إذا شغلتهم بشيئ ،وقالت تريدون أن تطبخوني ،لكن في النهاية أنا من سأطبخكم ايها الأوغاد أخذت عودا مشتعلا ،وتسللت إلى كوخ سيّدهم وأضرمت النار فيه ،كان الكوخ من الأغصان و القش لذلك اشتعلت النار بسرعة، وامتدّت الى الأكواخ المجاورة ،كثر الصراخ و عمّ الهرج في القرية وجرى الجميع إلى ناحية النار ،امّا عائشة فقد جرت باقصى سرعتها نحو الشجرة العملاقة، في الطريق شاهدت بنتا في مثل عمرها خطفها االغيلان البارحة،أخذت يدها وقالت لها أسرعي نجاتنا ستتوقف على سرعتنا ،قالت لها و الرمال المتحركة ردت عليها عندي حلّ للمشكل
تجاوزا الشجرة قالت عائشة ان لم تظهر حبة اللؤلؤ هلكنا، لكن بعد لحظات شاهدت شيئا يتوهّج على ضوء القمر، واتجهت نحوه فاذا به حبّة لؤلؤ واصلت الجري من بعيد شاهدت الحبة الثانية ..
معركة الجن و الغيلان
سمعا اصوات صاخبة ورائهما فاشتد فزعهما ،لقد شرع الغيلان في مطاردتهما، ،وكانوا أقوى من الإنسان و أسرع منه ،بدئوا يقتربون منهما بشكل كبير وفي هذه اللحظة سمعت عائشة و صديقتها أصوات خيول قادمة باتجاهم، و عندما إقتربت منهم صرخت صديقة عائشة : أبي أنقذنا إنهم خلفنا .
كانت الخيل لملك الجان الأزرق، و عندما اكتشف غياب إبنته خرج للبحث عنه وعندما سمع صوت الجري و الصرخات في الليل اسرع نحو مصدر الصّوت ووصل في الوقت المناسب، وضع ابنته و عائشة على ظهر جواد أحد أعوانه وامره بالرجوع الى القبيلة بسرعة ،وان يطلق النّقير للحرب. كانت المعركة بين الغيلان و الجن طاحنة ،لكن في النهاية قتل كلّ الغيلان ،لكن علا غبار كثيف ،و خرج الغيلان في جموعهم للإنتقام.
أوصى الملك رجاله بالصمود لحين قدوم النجدة ،وإلتقى ملك الجان بملك الغيلان في المعركة و قتله ،فإنهزم الغيلان، وفي هذه الأثناء وصل فرسان الجن من كلّ القبائل، وكانت معهم عائشة ،قالت للملك: أنا أقودك الى قريتهم ،فهناك كثير من أطفال الإنس و الجان في مثل عمري، إتبعت الجموع حبّات اللؤلؤ حتّى وصلوا إلى قرية الغيلان، ففرّوا أمامهم ،وتركوا جميع الأطفال المختطفين ورائهم ،قام ملك الجن بإحراق القرية، و تحرير جميع الأطفال ،عندما رجع ملك الجان بالغ في إكرام عائشة، و أعطاها نايا من قصب و قال لها إذا إحتجت لشيئ فانفخي فيه…
(يتبع )

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق