على صخرة ، بين جبلين ، ينكسر الضباب . يفتح الضوء كوّةً .
وانا في الطريق أراقب حوار الطبيعة . كأنّ المكان يكثُر في الطريق ، ومن حفيف الدهشة يولد الزمان .
ماذا لو غرفت من الضوء ما تسع راحتيّ لأصبّه على جبل جائع للدفء ؟
ماذا لو لي وسعُ لأزحزح الصخرة ، قليلاً عن سجنها ؟
ماذا وماذا وماذا ؟
كل صباح تلقنني الطبيعة ابجديّة الجمال المدهش واطلق الخيال من محبسه في لعبة البعيد بعيداً قبل أن أدخل إلى الاستوديو وتتسّع المساحة للموسيقى المكتوبة على ورق ولشعر الحياة ووحشة الموت .
يستقبلني ” إيلي ” ويغمره كرم فائض في الوداعة لم يدوّنه كتاب .
” بلاكو ” القطة الصغيرة ولا بأس من أن تنحني وتداعبها فتحرّر وقفتها فجأة من شِبَاكي وبعينين مصوبتين على ” فريسة ” يسيل لعابها وتغيب .
يبدأ ” إيلي ” يجلّل الأصوات وترتسم قسماته ” ما تِعْتَلْ هَمْ ”
ارمي بالسماع نغمة تبدّد ما يعتلي الجوّ من حيرة .
يبدأ الصباح باكراً ، نهيء الوقت لما يجعله وقتاً فائضاً وملائماً لإشعال الموسيقى والمكوث قعوداً على جمر الاختبار .
اشهر كثيرة ونحن في الاستوديو نطلّ على شبّاك خالٍ إلاّ من خيالاتنا . نذرنا أياماً نقيس فيها الفارق بين النوتة والجداريّة .
من أولعني بالأوزان ؟! ألأَنَّ في القصيدة إيقاع ، أم لأنّ الكلمات فيها تتحرّك . لعلّ الغناء زفّ لي القصيدة وَلَعَلَّني أدري أن الموسيقى تروّض الشعر على التحليق بعيداً .
لقد كنت مولعاً بالشعر ، مُذْ تعلمت الاستظهار في نص مدرسيّ . وكان المدرّس من غايتي بعيد . فقد كان قلبي جائع إلى حب الشعر والموسيقى ولا يعرف كيف يَشْهَدُهُ خارج الدرس .
وانا اليوم أمام جداريّة لا تقيم في الكلمات وإنما في البلاغة والاستعارة والبيان والمعاني وأخوض في مياه الشعر بريشة العود ومركب من مقامات .
استراحة القهوة مع الياس وام الياس وابو الياس وشيرين وحوار صامت ولم نحسب للمفاجأة حساباً حين داهمت صمتنا ” سما ” البنت الصغيرة بزهوها ومرحها وأسئلتها . وتهبّ العاصفة وينزل الضباب ويغطي المكان في دمع سحابة ما يغري بالموسيقى .
وتعلمت طوال هذه المدة وبعد هدوء العاصفة ما تقول الشمس للإسفلت عند انتصاف النهار ، وما يُرسل الجبل من زفير بياضه في أولّه .
نحن في لحظة السماع المُحَايد ، حيث يستوي الشعر والنَغَم .
يا ” ايلي ” للنهاية بداية ، لم يبدأ شيٌ حتى ينتهي .