الدين والشريعة
قصة نبي الله زكريا عليه السلام
زكريا عليه السلام هو أحد الأنبياء الذين بعثهم الله إلى بني إسرائيل. يعود نسب زكريا عليه السلام الى نسل النبي داود من سبط يعقوب بن إسحاق عليهما السلام، وقد كفل زكريا مريم أم النبي عيسى عليهما السلام، ويتبين من ذلك أن عهد النبي زكريا كان قريباً من عهد النبي عيسى عليه السلام، قال الله تعالى: ” وكفلها زكريا” (آل عمران:37).
أما عن قصة نبي الله زكريا فقد وردت في القرآن الكريم، وذلك في ثلاث سور قرآنية، وهذه السور هي” آل عمران، ومريم، والأنبياء”. وقد جاءت قصته مفصلة أكثر في سورة مريم. وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: “كان زكريا نجاراً”.
عندما تقدم نبي الله زكريا في العمر كثيراً، وأبيض شعره، وبلغ فيه الشيب كل مبلغ، وكانت زوجته أيضاً كبيرة في السن وزجته هذه هي (إليصابات) وهي ابنة ماثان بن لاوي بن ملكي من نسل هارون وأختها هي السيدة حنا والدة السيدة مريم العذراء !
وكانت زوجة زكريا عاقراً لا تلد، فلم تلد له من الولد ما تقر به عين نبي الله زكريا، وكان يخاف زكريا عليه السلام من انقضاء الأجل، ومغادرة الحياة إلى حياة غير هذه الحياة، دون أن يكون له ولياً يرث عنه الحكمة، ويطبق ويحافظ على أمر الدين، فقد كان بنو عمومته أشرار فجار، لا يأمن عندهم الدين، وإذا وكلت إليهم هذه الأمانة فإنهم سيقومون بمحو الدين، وإزالة الشريعة، ونشر الإفساد في الأرض، وسيقومون بتحريف الكتاب، ولهذا فقد دعا زكريا ربه أن يعطيه ولياً صالحاً طيباً يرث الحكم والنبوة عنه، ويحافظ على أمر الدين، ويحمي الشريعة والكتاب، قال الله عز وجل: ” قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّاً (4) وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً (5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً (6)”…
يقول ابن كثير في التفسير: أن خوف زكريا نابع من أن يتصرف من هم بعده تصرفاً يسيء للدين، ويقومون بتحريفه، لذلك فقد سأل الله تعالى أن يرزقه الولد، وأن يكون من بعده نبياً، يحافظ على الدين، ويسوس العالمين بالعقيدة السمحة، عقيدة التوحيد.
وما برح نبي الله زكريا تراوده وتجيئه هذا الأفكار والخواطر، وهو مشغول البال بالتفكير، وذات يوم ذهب إلى معبد يتعبد الله فيه، فوجد هناك مريم بنت عمران عليها السلام، ووجد عندها أمراً غريباً لم يعتده، فوجد عندها فاكهة الصيف وهم ما زالوا في فصل الشتاء، فاستغرب زكريا عليه السلام ذلك، وسأل مستفسراً، “يَا مَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَذَا”، فردت عليه بفطرة سليمة، ولسان صادق، ” هُوَ مِنْ عِندِ اللهِ إِنَّ اللهَ يرزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ”.
وبعد أن سمع نبي الله زكريا عليه وسلم هذا الحديث الغير العادي، أصابته حالة جدية، ودخل بعدها في تفكير عظيم، وزاد حنينه إلى الولد، وقال في نفسه إن الذي أبطل الأسباب الظاهرة المألوفة من أجل مريم عليها السلام، ورزقها برزق على الرغم من أنه في غير أوانه، قادر على أن يرزقني الولد حتى وأنا بهذا العمر، وبعد أن اقترب من الموت أكثر منها إلى الحياة، وزوجته أيضاً، ليرثه في عمله وسلوكه، ولم يطل زكريا عليه السلام هذا التفكير، بل توجه بسرعة، بقلب حاضر وفكر خاشع إلى الله وقال: “رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء”، وقال في موضع آخر من القرآن أيضاً: “رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ”.
ونجد أن زكريا كان قد تأدب وتلطف وتوسل إلى خالقه في الدعاء بكبر سنه، وضعف بدنه، وشيب رأسه، فالشيب وقار للمسلم، وكذلك دعاه بما قد اعتاده من الله من إجابة الدعاء. وكان دعاؤه فيه أسمى آيات الأدب مع الله، فكان أكرم على ربه من أن يرد دعوته، ويخيب رجاءه به، كيف لا والله يقول لنا ادعوني استجيب لكم، فقد طلب الله منا الدعاء ووعدنا بالإجابة، فكيف إذا دعاه نبي من أنبياءه؛ يحرص على الدين ويخشى ضياعه، عندها جاءت الملائكة إلى زكريا عليه السلام تحمل البشرى له، “يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيّاً”، أي أنه لم يسمى أحد من قبله بهذا الاسم “يحيى”.
سمع هذا الدعاء نبي الله زكريا، فعاد إلى ربه يطلب الطمأنينة، وليزداد قلبه إيماناً مع إيمانه، كما فعل نبي الله إبراهيم عندما طلب من الله أن يريه كيف يحيي الموت، فقال زكريا عليه السلام، ” قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيّاً”، فأجابته الملائكة: أن الذي خلقك من العدم، ولم تكن عندها شيئاً يذكر، قادر على أن يرزقك الولد وإن كنت وزوجك طاعنين في السن، قريبين من الآخرة.
لقد منَّ الله على نبيه زكريا بولد اسمه يحيى، بعد أن ظن أنه لا مجال للولد، ولا سبيل إلى ذلك. بيد أن قدرة الله لا تخضع للأسباب، ولا تقاس بالعادات، بل {إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون}.
وفاةُ سيدنا زكريا حسب الروايات :
عاش سيدنا يحيى مع أبيه الشيخ الكبير سيدنا زكريا عليهم السلام حياةً مليئةً بالدعوة والتقرب إلى الله تعالى، ولكن بني إسرائيل الذين قتلوا الأنبياء والرسل قد تآمروا على قتل سيدنا زكريا، وقد ورد معناه في حديث رواه إسحاق بن بشر في كتابه المبتدأ حيث قال: عن ابن عباس أن رسول الله ﷺ ليلة أسري به رأى زكريا في السماء، فسلم عليه وقال له: “يا أبا يحيى أخبرني عن قتلك كيف كان، ولم قتلك بنو إسرائيل؟” قال: “يا محمد أخبرك أن يحيى بن زكريا كان خير أهل زمانه، وكان أجملهم وأصبحهم وجها، وكان كما قال الله تعالى: { وَسَيِّدا وَحَصُورا } وكان لا يحتاج إلى النساء، فهوته امرأة ملك بني إسرائيل، وكانت بغية، فأرسلت إليه وعصمه الله وامتنع يحيى وأبى عليها، فأجمعت على قتل يحيى بن زكريا، ولهم عيد يجتمعون في كل عام، وكانت سنة الملك أن يوعد ولا يخلف ولا يكذب”. قال: “فخرج الملك إلى العيد فقامت امرأته فشيعته، وكان بها معجبا، ولم تكن تفعله فيما مضى، فلما أن شيعته قال الملك: سليني فما سألتني شيئا إلا أعطيتك، قالت: أريد دم يحيى بن زكريا، قال لها: سليني غيره. قالت: هو ذاك. قال: هو لك”. قال: “فبعثت جلاوزتها إلى يحيى وهو في محرابه يصلي، وأنا إلى جانبه أصلي، قال: فذبح في طشت وحمل رأسه ودمه إليها”. قال: فقال رسول الله: “فما بلغ من صبرك؟”. قال: “ما انفتلت من صلاتي”. قال: “فلما حمل رأسه إليها، فوضع بين يديها، فلما أمسوا خسف الله بالملك، وأهل بيته وحشمه، فلما أصبحوا قالت بنو إسرائيل: قد غضب إله زكريا لزكريا، فتعالوا حتى نغضب لملكنا فنقتل زكريا”. قال: “فخرجوا في طلبي ليقتلوني، وجاءني النذير فهربت منهم، وإبليس أمامهم يدلهم علي، فلما تخوفت أن لا أعجزهم، عرضت لي شجرة فنادتني وقالت: إليّ إليّ، وانصدعت لي ودخلت فيها”. قال: “وجاء إبليس حتى أخذ بطرف ردائي، والتأمت الشجرة وبقي طرف ردائي خارجا من الشجرة، وجاءت بنو إسرائيل فقال إبليس: أما رأيتموه دخل هذه الشجرة، هذا طرف ردائه دخلها بسحره، فقالوا: نحرق هذه الشجرة، فقال إبليس: شقوه بالمنشار شقا”. قال: “فشققت مع الشجرة بالمنشار”، قال له النبي: “هل وجدت له مسا أو وجعا؟”. قال: “لا، إنما وجدت ذلك الشجرة التي جعل الله روحي فيها”.
المصدر : التاريخ الاسلامي