زرقاء اليمامة، شخصية عربية قديمة، هي امرأة نجدية من جديس من أهل اليمامة، يقال أنها كانت ترى الشخص من على مسيرة ثلاثة أيام.
يروى أنه في إحدى الحروب استتر العدو بفروع الأشجار وحملوها أمامهم، فرأت زرقاء اليمامة ذلك فأنذرت قومها فلم يصدقوها، فلما وصل الأعداء
إلى قومها أبادوهم وهدموا بنيانهم، وقلعوا عيني زرقاء اليمامة فوجدوها محشوة بالأثمد وهو حجر أسود كانت تدقه وتكتحل به. وسميت زرقاء اليمامة بهذا الاسم لزرقة عينها.
تضرب العرب المثل بزرقاء اليمامة فيقال “أبصر من زرقاء” لجودة بصرها ولحدة نظرها، ويقال إن اليمامة اسمها وبها سميت بلدتها اليمامة، واسم
البلدة جَوّ وتقع بلدتها اليمامة في سهل فسيح يسمى جو لانه فسيح كجو الفضاء، وربما قيل: زرقاء الجو كما قال أبو الطيب المتنبي:
وأَبصر من زرقاء جو، لأنني *** إذا نظرت عيناي ساواهما علمي
قوة البصيرة
إن التدقيق في قصة زرقاء اليمامة يجعلنا نكتشف أن ميزتها الأساسية لم تكن قوة البصر، بل البصيرة. فالبصيرة هي قوة الإدراك والفطنة أما البصر فهو حاسة أو قوة يمتلكها الإنسان لرؤية ما حوله
إذ يروى عنها أنها حذرت قومها من شجر يسير، وكان الأعداء قد علموا بقوة بصرها فقطعوا الأشجار واستتروا بها حتى لا تكشفهم، فلما أخبرت زرقاء قومها بأن هناك شجرا يسير لم يصدقوها
وسخروا منها، فلما أطبق أعداؤهم عليهم وباغتوهم أدركوا صدق زرقاء، ولكن بعد فوات الأوان.
ولذلك، ربما تكون زرقاء اليمامة قد حذرت قومها من الغزاة، وليس بالضرورة أن تكون فعلت ذلك باستخدام بصرها، بل ربما سمعت عن الغزاة من المسافرين أو العيون “الجواسيس”، أو ربما كانت
تريد من قومها البقاء في حالة استعداد وعدم التراخي حتى لا يكونوا لقمة سائغة لعدوهم الملك حسان الحميري، الذي ينسب غزو اليمامة (إقليم) له. ولكن النهاية المأساوية للقصة التي تمثلت في
اجتياح العدو مساكن قوم زرقاء وقتل الكثيرين منهم، ربما تكون قد تناقلتها الروايات في ما بعد وضخمتها، خاصة أن الملك حسان الحميري اقتلع عيني زرقاء، فماتت بعد مضي أيام قليلة.
معارضة وتشكيك
ويقول المشككون في قصة زرقاء اليمامة إن هناك مجموعة من المبالغات في قصتها: فأولا من الصعب على العين البشرية أن ترى مسافة تتجاوز خمسين كيلومترا، وهذا على شرط أن يكون الأفق ممتدا تماما، كأن يكون على قمة جبل مرتفعة، أما زرقاء اليمامة فلم يرو عنها صعود الجبال.
والمشكلة الثانية في قصة زرقاء نابعة من حقيقة أن الأرض كروية وليست مسطحة، وهذا يعني أن الأفق بعد مسافة تقارب خمسة كيلومترات لا يعود مرئيا، لأنه يغطس وينحني مختفيا مع تكور الأرض، ولا تستطيع أشعة الضوء الالتفاف لتلحقه، ولذلك فمن الصعب رؤية شيء واقف على سطح الأرض يتجاوز بعده عن المشاهد خمسة كيلومترات.
بالمقابل، فإن روايات أخرى نقلت عن زرقاء اليمامة تجعل وصفها منطقيا أكثر، إذ وصفت بأنها ترى الشخص على مسيرة يوم وليلة، وهذا يعني قرابة خمسين كيلومترا. أما بالنسبة لموضوع انحناء سطح الأرض، فربما كانت تصعد هضبة أو تلة قريبة من مساكن قومها مما يتيح لها التغلب على هذه الصعوبة ورؤية مسافة أبعد.
في الكتب
في كتاب العقد الفريد:
«زَرقاء بني نُمير: امرأة كانت باليمامة تُبصر الشَعَرةَ البيضاء” في اللبن، وتَنْظُر الراكب على مسيرة ثلاثة
أيام، وكانت تُنذر قومها الجُيوش إِذا غَزَتهم، فلا
يَأتيهم جَيْشٌ إلا وقد استعدُّوا له، حتى احتال لها بعضُ مَن غزاهم، فأمر أصحابَه فقطعوا شجراً وأمْسكوه أمامهم بأيديهم، ونظرت الزَرقاء، فقالت: إنِّي أرى الشجر قد أقبل إليكم؛ قالوا لها: قد خَرِفْت ورَقّ عقلُك وذَهَب بصرُك، فكذَّبوها، وَصبِّحتهم الخيلُ، وأغارت عليهم،
وقُتلت الزَّرقاء. قال: فَقوَّرُوا عَينيها فوجدوا عُروق عينيها قد غرِقت في الإثمد من كثرة ما كانت تَكْتحل به»
ومن كتاب آثار البلاد وأخبار العباد:
«زرقاء اليمامة، كانت ترى الشخص من مسيرة ثلاثة ايام ،ولما سار حسان نحو جديس قال له رياح بن مرة: أيها الملك إن لي أختاً مزوجة في جديس
واسمها الزرقاء، وانها زرقاء ترى الشخص من مسيرة يوم وليلة، أخاف أن ترانا فتنذر القوم بنا. فمر أصحابك ليقطعوا أغصان الأشجار وتستروا بها لتشبهوا على اليمامة. وساروا بالليل فقال الملك
: وفي الليل أيضاً ? فقال: نعم ! ان بصرها بالليل أنفذ ! فأمر الملك أصحابه أن يفعلوا ذلك، فلما دنوا من اليمامة ليلاً نظرت الزرقاء وقالت: يا آل جديس سارت إليكم الشجراء وجاءتكم أوائل خيل حِمْيَر. فكذبوها فأنشأت تقول:
خذوا خذوا حذركم يا قوم ينفعكم
فليس ما قد أرى مل أمر يحتقر
إني أرى شجراً من خلفها بشـرٌ
لأمرٍ اجتمع الأقوام والشّـجـر
فلما دهمهم حسان قال لها: ماذا رأيت ? قالت: الشجر خلفها بشر ! فأمر بقلع عينيها وصلبها على باب جو، وكانت المدينة قبل هذا تسمى جواً، فسماها تبع اليمامة وقال:
وسمّيت جوّاً باليمـامة بـعـدمـا
تركت عيوناً بالـيمـامة هـمّـلا»
وفي كتاب الأغاني لأبي الفرج الإصفهاني:
إنّ قوما من العرب غزوا اليمامة، فلما اقتربوا من مسافة نظرها خشـوا أن تكتشف الزرقاء أمرهم، فأجمع رأيهم على أن يقتلعوا شجرات تستر كل
شجرة منها الفارس إذا حملها. فأشرفت الزرقاء كما كانت تفعل. فقال قومها : ما ترين يا زرقاء؟. فقالت : أرى شجرا يسير! فقالوا: كذبت أو كذبتك عينك،
واستهانوا بقولها. فلما أصبحوا صبحهم القوم وقتلوا منهم مقتلة عظيمة وأخذوا الزرقاء فقلعوا عينيها فماتت بعد أيام..وعندما ماتت اقتلعوا عينها فوجدوا ان عينها كانت مليئة بالأثمد.
المصادر
العقد الفريد/..من تأليف ابن عبد ربه الأندلسي . 328 هـ)،
آثار البلاد وأخبار العباد/..ألفه أبو عبد الله بن زكريا القزويني.
كتاب الأغاني/ لابي فرج الاصفهاني
التاريخ الاسلامي