سنستعرض معا كل يوم بإذن الله
نبذة مختصرة عن احد عظماء الاسلام لنقف معا علي روح ودوافع البطولة ولنحيي ذكري العظماء
حفل التاريخ الإسلاميّ على مرّ سنواته بشخصيَّاتٍ عظيمةٍ، عملت بكلِّ جدٍّ وبذلت الكثير في سبيل الله؛ نصرةً للإسلام والمسلمين، ولعلّ من أعظم الشخصيات في الإسلام بعد شخص النبيّ -عليه الصلاة والسلام-، وأعظمهم دورًا في نشر رسالة الإسلام: الصحابة -رضي الله عنهم- والتابعين
{رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ}
١٧ – (السيدة هاجر)
(آللَّه أمرك بهذا يا إبراهيم؟ فلن يضيعنا اللَّه إذًا)
(السيدة هاجر)
نصيب نساء الإسلام يفوق النصف بين عظماء هذه الأمة، إمّا بأفعالهن أو أفعال أبنائهن الذين تربوا على أيديهن،
فأمة الإسلام أمة ممتدة لا تعرف حدودًا للعنصر البشري، فضلًا من أن تعرف حدودًا لزمان أو مكان، فالعظماء في هذه الأمة تجمعهم ثلاث صفات أساسية شكلت هويتهم الفريدة وميزتهم عن باقي البشر:
(الوحدانية في العقيدة – والتنوع في العنصر – والسمو في الهدف)
فعلى الرغم من أن السيدة هاجر قد ماتت قبل بعثة محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- بمئات السنين، إلّا أنها تنتمي لنفس العقيدة ونفس الدين، ألا وهو دين الإسلام، الدين الذي دعا إليه آدم ونوح وإبراهيم وإسماعيل وإسحق وإسرائيل ولوط وموسى وعيسى، فالدين عند اللَّه هو الإسلام،
وعظيمتنا التي نحن بصدد الحديث عنها تنتمي لهذه الأمة العظيمة، أما عنصرها فهو عنصر رائع كان وما زال يخَرِّج العديد من عظماء أمة الإسلام، إنه العنصر المصري أو القبطي، ولفظة القبط تعني سكان وادي النيل، وفي تعريب للكلمة اليونانية أَيْجيْتيوس التي تعني مصري! وليس كما يظن البعض أن القبطي هو المسيحي أو النصراني المصري، فالغالبية العظمى من الأقباط هم أقباط مسلمون! ومن هذه الأرض بالتحديد وُلدت بطلتنا القبطية التي كانت جارية في مصر إبان عهد الهكسوس، قبل أن يتزوجها إبراهيم عليه السلام لتنجب له إسماعيل عليه السلام ليكون فيما بعد أبًا للعرب العدنانيين (العرب المستعربة) الذين خرج منهم أفضل مخلوق خلقه اللَّه في الكون، محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-، فالمصريون إذا هم أخوال العرب!
المهم في القصة أن اللَّه أمر خليله إبراهيم أن يصطحب هاجر ورضيعها إسماعيل من فلسطين إلى وادٍ غير ذي زرع في الحجاز عند جبال فاران، هناك أمر اللَّه نبيه إبراهيم أن يترك امرأته ورضيعها ليقصد هو فلسطين راجعًا، عندها سألت هاجر زوجها وعينيها تملؤها الدهشة من قرار زوجها الغريب، فلم يجب إبراهيم زوجه بشيء، فسألته هاجر: آللَّه أمرك بهذا؟! فهز إبراهيم رأسه بالإيجاب، وهنا يخرج جواب من فيهِ هذه السيدة العظيمة ليكون سببًا في خلودها في ذاكرة الزمان إلى أن يرث اللَّه الأرض ومن عليها فقالت بكل ثقة: فلن يضيعنا اللَّه إذًا!
وسر عظمة هذه المرأة يتمثل بتطبيقها لشرطي النصر: الإيمان والعمل! فهاجر وثقت أولًا باللَّه عز وجل، ثم قامت بعد ذلك بكل ما في استطاعتها من سعي بين الصفا والمروة لإنقاذ ابنها الرضيع الذي كان يئن من ألم الجوع والعطش، حينها علم اللَّه أن هذه المرأة قامت بتنفيذ الشرطين اللازمين للنصر: الإيمان والعمل، وعندها -وعندها فقط- أتى الأمر الإلهي اليسير: كن! حينها خرجت من بين أقدام الطفل الذي أوشك على الهلاك عينُ ماءٍ تحمل في كل قطرة من قطراتها حكاية النصر والبقاء، لتجري هذه العين بشكل إعجازي من بين الصخور الصماء في مكة إلى يومنا هذا، وكأن اللَّه يقول لنا إن ينبوع النصر لا ينضب أبدًا!
وفي زماننا هذا وجب على كل مسلم أن يتخيل نفسه في مكان هاجر عليها السلام، وأن يتخيل أن الأمة الإسلامية الآن هي ذلك الطفل الذي يبكي ويوشك على الهلاك في تلك الصحراء القاحلة التي لا يبدو فيها أي مظهر من مظاهر الحياة، فإذا قام كل واحدٍ منا بتنفيذ الشرطين اللازمين للنصر والبقاء “الإيمان والعمل”، فكنا مؤمنين أولًا بأن أمتنا لا بد لها وأن تنهض، ثم قام كل واحدٍ منا بواجبه لإنقاذ وإحياء هذه الأمة التي هي الرضيع الذي يئن من الألم، فلا شك وقتها أن النصر سيكون حليفنا في النهاية، حتى لو كان ما نقوم به يبدو للآخرين شيئًا من العبث، فقد كانت أمنا هاجر تقوم بنفس هذا “العبث” في بحثها عن أسباب الحياة بين الصفا والمرة لسبع مرات!
من أجل ذلك استحقت السيدة هاجر أن تكون من أعظم عظيمات أمة الإسلام، لتصبح هذه الجارية المصرية أمًا للعرب والمسلمين،
رضي الله عنها وارضاها
مصطفي ابو ستيت