مكتبة الأدب العربي و العالمي
عظماء الإسلام اليوم الرابع عشر / مصطفى ابو ستيت
سنستعرض معا كل يوم بإذن الله
نبذة مختصرة عن احد عظماء الاسلام لنقف معا علي روح ودوافع البطولة ولنحيي ذكري العظماء
حفل التاريخ الإسلاميّ على مرّ سنواته بشخصيَّاتٍ عظيمةٍ، عملت بكلِّ جدٍّ وبذلت الكثير في سبيل الله؛ نصرةً للإسلام والمسلمين، ولعلّ من أعظم الشخصيات في الإسلام بعد شخص النبيّ -عليه الصلاة والسلام-، وأعظمهم دورًا في نشر رسالة الإسلام: الصحابة -رضي الله عنهم- والتابعي
{مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا}
١٤ – (عكرمة بن أبي جهل)
” القائد الميداني لوحدة الموت الإسلامية”
” سيأتيكم عكرمة بن أبي جهل مؤمنًا مهاجرًا”
(رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-).
إن هذا الرجل العظيم الذي نحن بصدد الحديث عنه يكفيه أن يخلَّد التاريخ عظمته من خلال اسمه فقط، ولا أدري إن كنت في حاجة للكتابة أصلًا عن ما قدمه هذا البطل الإسلامي للإسلام لكي أبرر أسباب ورود اسمه في قائمة المائة، فلولا أنني رأيت في قصة هذا البطل ملحمة للفداء لا تتكرر في تاريخ البشر كثيرًا، لاكتفيت بكتابة اسمه فقط وذِكر ملحوظةٍ صغيرةٍ بجانب اسمه تشير بأنه مسلم! فمجرد إسلام هذا الرجل يكفيه لكي يكون أحد العظماء المائة في أمة الإسلام، فهو ابن فرعون هذه الأمة (أبي جهل)! وحكاية هذا العملاق الإسلامي تبدأ من على متن سفينة في منتصف بحر هائج قبالة سواحل اليمن، فلقد هرب عكرمة بن أبي جهل من مكة هائمًا على وجه لا يعرف إلى أين يتجه بعد أن دانت مكة بأسرها لعدوه وعدو أبيه من قبل محمد بن عبد اللَّه، فأصبح عكرمة طريدًا في صحاري العرب، وضاقت به الأرض بما رحبت، فقرر أن يتجه إلى اليمن ويبحر بسفينة تأخذه إلى أي مكان يبعده عن أولئك المسلمين الذين لا يطيق حتى رؤيتهم، وبينما عكرمة بن أبي جهل على ظهر السفينة يتأمل البحر اللامتناهي الآفاق، جاءت مرحلة الاختيار الرباني له لكي ينضم إلى قافلة الصحابة العظماء، وأبى اللَّه إلّا أن يعيد ذلك الهارب من اللَّه إلى اللَّه! وبشكل غريب تحولت أمواج البحر الصافية تلك إلى أمواج عاتية تعصف بالسفينة، وعندما أدرك الربان أنهم غارقون لا محالة توجه نحو ركاب السفينة وبينهم عكرمة وقال لهم: اتركوا دعاء أصنامكم الآن واخلصوا الدعاء للَّه وحده، فإن آلهتكم لا تغني عنكم هاهنا شيئًا. فتعجب عكرمة من قول ذلك الرجل وقذف اللَّه في قلبه الإيمان وقال لنفسه: إذا كان الذي ينجيني في البحر هو اللَّه وحده، فلا بد إذًا أنه هو وحده الذي ينجيني في البر! اللهم إن لك علي عهدًا إن عافيتني مما أنا فيه أن آتي محمدًا حتى أضع يدي في يده، وعندها هدأت الريح وسكن البحر، فرجع عكرمة إلى مكة، فلما رأى نبي الرحمة ابن أبي جهل ألدِّ أعدائه قادمًا نحوه وثب من غير رداء فرحًا به وقال: مرحبًا بالراكب المهاجر. فتحول قلب عكرمة بن أبي جهل من قلب رجلٍ مبغض حقود للإسلام والمسلمين إلى قلب رجلٍ لا يحب في الدنيا أكثر من هذا الدين الذي لطالما حاربه، فقرر عكرمة أن يتحول إلى جندي ينشر هذا الدين الذي لطالما حاربه، فلم يترك عكرمة بن أبي جهل بعد إسلامه غزوة مع رسول اللَّه إلا وشارك فيها، وفي عهد أبي بكر أصبح عكرمة قائدًا لجيش من جيوش الإسلام العظيمة التي حاربت الردة، قبل أن يتحول إلى قائد عظيم من قادة المسلمين في بلاد الشام.
ثم جاءت المعركة التي خلدت اسمه في حروف من نور، هناك في وادي اليرموك عندما أوشك نصف مليون من الروم على تدمير جيش المسلمين بعد أن قاموا بمحاصرتهم من كل جانب، تناول هذا البطل الإسلامي الفذ سيفه وكسر غمده واتخذ القرار الأصعب على الإطلاق في حياة أي إنسان، لقد اتخذ عكرمة قرار الموت، فنادى بالمسلمين بصوت يشبه هزيم الرعد: أيها المسلمون من يبايع على الموت؟ فتقدم إليه ٤٠٠ فدائي من فدائي الإسلام، ليكوَّنوا ما عرف في التاريخ باسم “كتيبة الموت الإسلامية”، عندها اتجه خالد بن الوليد نحو عكرمة وحاول منعه من التضحية بنفسه، فنظر إليه عكرمة والنور يشرق من جبينه وقال: إليك عني يا خالد فلقد كان لك مع رسول اللَّه سابقة أما أنا وأبي فقد كنا من أشد الناس على رسول اللَّه فدعني أكَفّر عما سلف مني، ولقد قاتلت رسول اللَّه في مواطن كثيرة وأفر من الروم اليوم؟!! إن هذا لن يكون أبدًا!
فانطلقت كتيبة الموت الإسلامية، وتفاجأ الروم بأسود جارحة تنقض عليهم لتدكدك جماجمهم، وتقدم الفدائي تلو الفدائي من وحدة الموت العكرمية نحو مئات الآلاف من جيش الإمبراطورية الرومانية، وتقدم عكرمة بن أبي جهل بنفسه إلى قلب الجيش الروماني ليكسر الحصار عن جيش المسلمين، واستطاع فعلًا إحداث ثغرة في جيش العدو بعد أن انقض على صفوفهم انقضاض طالب الموت، فأمر قائد الروم أن تصوب كل السهام نحو نحو عشرات الآلاف من الروم يقاتلهم بسيفه، عندها صوب الروم سهامهم إلى قلبه، فلمّا رأى المسلمون ذلك المنظر الإنساني البطولي، اختلطت المشاعر في صدورهم، فاندفع فدائيو كتيبة الموت العكرمية نحو قائدهم لكي يموتوا في سبيل اللَّه كما بايعوه، فلم يصدق الروم أعينهم وهم يرون أولئك المجاهدين الأربعمائة يتقدمون للموت المحقق بأرجلهم، فألقى اللَّه في قلوب الذين كفروا الرعب، فرجع الروم القهقرة، ولاذوا بالفرار وصيحات اللَّه أكبر تطاردهم من أفواه فدائيي عكرمة، فاستطاعت تلك الوحدة الاستشهادية كسر الحصار عن جيش المسلمين،
رضي الله عنه وارضاه
مصطفى ابو ستيت