مكتبة الأدب العربي و العالمي

التغريبه الكسلاويه الحلقه الرابعه جرح الطفوله

جما شدافنة

كلما اقترب شهر رمضان المبارك اعادني الى ذالك الماضي السحيق حيث حل رمضان في فصل الخريف فهو يتقلب بين الفصول في دوره الحياه
كان ذالك في ساعات العصر والقريه وادعه هادئه والوقت يمر متثاقلا في انتظار وجبه الافطار
ورياح الخريف تهب على الحارات فتثير الغبار وتهب زوبعه تلف وتحمل التراب والاحجار الصغيره
خرجت الى الحاره فاذا من يمرون ينظرون اليي نظرات غريبه مشفقه ويتهامسون وكذالك الامر في الحارات الاخرى .
وكأن خبرا جلل وصل الى القريه فقلب كيانها وافقدها اتزانها
ولم تكن وسائل الاتصال متاحه وقتها الا هواتف قليله في بضع بيوت وحوانيت
وساد صمت رهيب فلا تسمع الا همسا
ورويدا رويدا بدأ الامور تتكشف والرؤيا تتضح عن حادث عمل رهيب
فقد وقع انفجار للغم ارضي جنوب البلاد في منطقه عسكريه في مكان العمل اللذي عمل فيه شبان من القريه راح ضحيته اخي محمد وهو لا يتجاوز الاثنين وعشرين ربيعا واصيب الشاب خضر دراوشه اصابه بالغه في الرأس توفي على اثرها بعد ايام
وكان خضر رحمه الله يتجهز لعرسه وقد ملأت الكراسي ساحه الدار
كان وقع الصدمه شديدا على القريه عامه وعلى عائله الفقيدين اشد
وتوافد اهل القريه على البيتين الثاكلين يتنقلون بينهما يعزونهم ويواسونهم حتى تخف حده الصدمه عليهم .
وامتلا بيتنا بالرجال والنساء
الرجال يتحدثون بصوت منخفض عما حدث والنساء تحمل كل واحده منهن منديلا تبكي تعاطفا معنا من جهه وتتذكر من فقدت من اهلها من جهه اخرى
فيصبح الحزن مشتركا .
وبدا الليل يرخي سدوله على الحاره والقريه
وهبت رياح خريفيه بارده .
وتحدد موعد الجنازه الى اليوم التالي فقرر ابي ان نذهب الى المدرسه في يوم الجنازه ليبعدنا عن هذه الاجواء وتؤثر على نفسياتنا في المستقبل .
وفي الطريق الى المدرسه كانت رياح الخريف تهب والاوراق تتساقط وسبحن الله بدا معلم اللغه العربيه يقرا قصيده اوراق الخريف بصوت مرتفع ( تناثري تناثري يا بهجه النظر يا مرقص الشمس ويا ارجوحه القمر يا ارغن الليل ويا قيثاره السحر )
وانا اجلس بجانب الشباك انظر الى الخارج والاشجار تتمايل والاوراق تتساقط وصفير الهواء من طرف الشباك يرن في اذنيي
وكأن تساقط اوراق الخريف يتزامن مع وفاه اخي وقد سقطت ورقته في اللوح المحفوظ
واكمل المعلم يشدوا (تعانقي وعانقي اشباح ما مضي وزودي انظارك من طلعه الفضى
هيهات هيهات ان يعود ما انقضى )
وحينما وصل المعلم الى البيت (عودي الى حضن الثرى وجددي العهود
وانسي جمالا قد ذوى
ما كان لن يعود )
حينها لم استطع ان احبس عبراتي وبدات تسيل على خديي بهدوء
ويبدوا ان المعلم لاحظ ذالك فاذا بيد حانيه تمسح على راسي وتربت على كتفي
ووضع الكتاب على الطاوله وخيم الصمت على غرفه الصف
ويرن جرس المدرسه معلنا انتهاء الحصه .
وفي الحصه التاليه دخلت معلمه الموسيقى لا ازال اذكرها ممتلئه الجسم عيناها خضراوان وشعرها قد صبغته بلون مائل الى الصفره ولاحظت جوا غريبا في الصف فسألت واخبرها الطلاب فقالت : الله يرحموا يا خلينا نبلش الحصه وقد علت وجهها ابتسامه صفراء!! واخرجت الكمان وبدات تنشد والطلاب يرددون ورائها بامتعاض حتى ان بعضهم توقف عن الانشاد تعاطفا معنا .
ومر يوم الدراسه متثاقلا وحينما رن جرس المدرسه معلنا انتهاء الدوام توجهنا الى البيت وما زالت رياح الخريف تهب والاشجار تتمايل والاوراق تتساقط
وانا احمل على كاهلي كيف ستكون الاجواء في البيت وكيف سيحمل ابى وتحمل امي والعائله جميعها هول الصدمه
وصوت المعلم لا يزال يتردد في اذني (تناثري تناثري )

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق