مقالات

أ. د. لطفي منصور / نَقْضُ الْعَهْدِ

قَصٍيدَةٌ نَثْرِيَّّةٌ لِلدُّكْتورَة ريم فَرَحات أَبُو رَيّا، اِمْتَزَجَ فيها الْخَيالُ بِالْواقِعِ ، تُصَوِّرُ فِيها شُعُورَ الْمَرْأَةِ تُجاهَ غَدْرِ الرَّجُلِ
الَّذي يَتَنَكَّرُ لُوُعُودِ الْحُبِّ وَالْعُهُودِ الَّتي قَطَعَها لِمَنْ عَشِقَ، إذا ما تَسَنَّمَ مَنْصِبًا، أَوْ وَقَعَ في هُوَّةِ إغْراءِ حَسْناءَ، شَدَّهُ إلَيْها التَّبَرُّجُ وَالتَّطْرِيَةُ وَالْغَنَجُ.
لَقَدْ أَحْسَنَتِ الشّاعِرَةُ في وَصْفِ رَدِّ فِعْلِ الْأُنْثَى عِنْدَما تَقَعُ في ظُروفٍ كَهَذِهِ. فَهِيَ لا تَسْتَسْلِمُ لِلْغَدْرِ، بَلْ تُعَرِّي الْفاعِلَ مِنْ أَيِّ خُلُقٍ إنْسانِيٍّ
مُسْتَعْمِلَةً الْأُسْلُوبَ السّاخِرَ
ضِدَّ مَنْ يَحْسَبُ كُلَّ ما يَلْمَعُ ذَهَبًا، وَلا يُفَرِّقُ بَيْنَ الْغَثِّ وَالسَّمينِ ، وَالْبَهْرَجِ وَالْجَوْهَرِ.
أَحْسَنَتِ الشّاعِرَةُ في تَوْظيفِ الْمَكانِ ، فَاخْتارَتِ الْمَطْعَمَ الَّذي يَؤُمُّهُ الزُّوارُ، لِزِيادَةِ الْوَصْفِ حِدَّةً وَتَأْثِيرًا. وَاسْتَغَلَّتْ شَخْصِيَّةَ النّادِلَ وَبَراءَتَهُ فِي أَخْذِ أَقُوالِ “الْعاشِقِ” عَلَى مَحْمَلِ الْجِدِّ،
ثُمَّ سَرْعانَ ما تَنْكَشِفُ حَفيقَتُهُ ساطِعَةً كَالشَّمْسِ.
في الْمَطْعَمِ
أَجْلِسُ عَلَى الْكُرْسِيِّ الْوَحِيدْ
هُناكَ في مَطْعَمِنا الْقَدِيمْ
بَيْنِي وَبَيْنَ شُرْفَتِكَ الْمُفَضَّلَةِ
أَلْفُ نايٍ حَزِينْ
تَتَسَلَّلُ نَسْمَةٌ بارِدَةٌ
فَيَتَطايَرُ شَرْشَفُ الطّاوِلَةِ الْخَمْرِيُّ الْعَتِيقْ
أَلَمْ تَضُمَّني فَوْقَهُ بِعِطْرِ الْحَنِينْ؟
أَلَمْ تَخُطَّ هُنا أُولَى خَرْبَشاتِ آمالِكَ؟
(تَرْمُزُ الشّاعِرَةُ هُنا إلى الْفَقْرِ الْمُدْقِعِ الَّذي كانَ يَغْرَقُ فِيهِ هَذا الْمُدَّعي. الشَّرْشَفُ وَالطّاوِلَةُ والْمَطْعَمُ الْقَدِيمُ كُلُّها تَرْمُزُ لِلْفَقْرِ)
وَالْيَوْمَ أَنْتَ زَعِيمْ
(سُبْحانَ مُغَيِّرِ الْأَحْوالِ!!)
كَيْفَ كَسَرْتَ عَتَبَةَ وُعُودِكَ
لِامْرَأَةٍ تَوَّجْتَها مَلِكَةً مِنْ تُوليبْ؟
(كَسَرْتَ عَتَبَةَ وُعُودِكَ. جُمْلَةٌ مَجازِيَّةٌ بَلِيغَةٌ، فَكَأَنَّهُ داسَ عَلَى وُعودِهِ كَما يَدُوسَ عَلَى الْعَتَبَةِ، التُّوليب: نَوْعٌ مِنَ الزُّهورِ الَّتي تَطُولُ وَتَرْتَفِعُ)
هَلْ خَطَفَكَ مَنْصِبُكَ الرَّفِيعُ
أَمْ حَسْناءُ رَأَيْتَها في الْأَمْسِ الْقَريبْ
تَرْتَدِي ثَوْبًا قَصِيرًا مِنُ حَرُيرْ؟
وَهَلْ تَفْهَمُ الْحَسْناءُ هَمْسَ الْعَصافِيرْ؟
وَكَمْ خَبَّأْتَنِي أَنْتَ وَراءَ حُبِّكَ الْمَتِينْ!؟
أَتَذْكُرُ يا سَيِّدي الْقائِدَ الْوَسِيمْ
إذْ رَمَقَنا النّادِلُ وَهُوَ يُلامِسُ شارِبَهُ الْكَثِيفْ
تَبَسَّمَ وَهَتَفَ بِأُذُنِ الذِّكْرَى: يا لِحُبِّهِما السَّرْمَدِيِّ!!
لَنْ يَتَخَلَّى عَنْها يَوْمًا
سَيَحْمِيها مِنْ جُنُونِ الرِّيحْ
سَيُنِيرُ قَلْبَها عِنْدَما تَخُونُها أَنْوارُ الْقَنادِيلْ
ما زِلْتُ أَجْلِسُ هُنا وَرائِحَةُ الْخُبْزِ الشَّهِيَّةِ وًالْمَرايا قُبالَتِي بَلُّورِيَّةْ
كُلُّ شَيْءٍ يُذَكِّرُنِي بِأَيّامِكَ الْوَرْدِيَّةْ
النّادِلُ يَهْمِسُ في أُذُنِي:
سَيِّدَتِي وَصَلَتْكِ بَرْقِيَّةْ
كَما في الْماضِي
——-
تَرَكَتِ الشّاعِرَةُ النِّهايَةَ لِلْقارِئِ وَرَمَزَتْ إلى ذَلِكَ بِ “كَما في الْماضِي”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق