مقالات

لَيْسَ هُناكَ مُسْتَحِيل /أ.د. لطفي منصور

ساقَتْني الذّاكِرَةُ إلى بِدايَةِ السَّبْعِينِيّاتِ مِنَ الْقَرْنِ الْماضِي.
كُنْتُ قَدْ أَنْهَيْتُ سَنَتَيْنِ مِنَ اللَّقَبِ الْأَوَّلِ في اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ، وَعُلُلُومِ التَّرْبِيَةَ، وَسَنَةً مِنْ شَهادَةِ التَّدْرِيسِ، وَبَقيَ عَلَيَّ الَسَّنَةُ الثالِثَةُ وَهِيَ أَصْعَبُها، لِمَلْءِ الْواجِباتِ الْأَكاديمِيَّةِ، وَكِتابَةِ بَحْثَيْ سِمِنار، وَإكْمالِ شَهاداةِ التَّدْريسِ. أَقُولُ بِاخْتِصارٍ سَنَةٌ مُثْقَلَةٌ بِالْمَوادِّ الدِّراسِيَّةِ. وَتَمَكَّنْتُ مِنْ إعْدادِ بَرْنامَجَنِي التَّعْليمِيِّ بِإتْقانٍ تامٍّ. لَكِنْ عِنْدَما ذَهَبْتُ لِتَقْدِيمِهِ لِلْمُصادَقَةِ عَلَيْهِ مِنْ قِبَلِ الْفُروعِ الْمُخْتَصَّةِ فُوجِئْتُ بِسِتِّ ساعاتٍ جَديدَةٍ أَخْتارُها مِنْ غَيْرِ تَخَصُّصِي. ضَرْبَةٌ كادَتْ
تُفْقِدُنِي أَمَلَ إنْهاءِ اللَّقَبِ الْأَوَّلِ وَشَهادَةَ التَّدْرِيسِ بِثَلاثِ سَنَواتٍ وَواجِبٌ عَلَيَّ الرُّجُوعُ سَنَةً رابِعَةً لِدِراسَةِ السّاعاتِ السِّتِّ الْجَدِيدَةِ.
وَعِنْدَما اسْتَفْهَمْتُ إدارَةَ الْجامِعَةِ عَنْ قِصَّةِ هَذِهِ الزِّيادَةِ، وَأَنا طَبَّقْتُ الْبَرْنامَجَ التَّعْليمِيَّ بِقَضِّهِ وَقَضِيضِهِ. قالُوا هذا ما تُقَرِّرُهُ الْجامِعَةُ زِيادَةً في الثَّقافَةِ.
نَظَرْتُ في الْمَواضِيعِ الَّتِي يِمْكِنُ أَنْ أَخْتارَ مِنْها السّاعاتِ الْمَزِيدَةَ. وَجَدْتُ عِلُومَ الشَّرْقِ الْأَوْسَطِ أَقْرَبَ الْمَواضِيعِ إلَى قَلْبِي.
دَخَلْتُ قِسْمَ دِراساتِ الشَّرْقِ الْأَوْسَطِ، وَقابَلْتُ الْمَكْتَبَ الْمُوَكَّلَ بِإعْدادِ الْبَرْنامَجِ الدِّراسي، وَأَخْبَرْتُهُمْ بِمُشْكِلَتِي فَرَفَضُوا إعْفائي لِأَنَّ الْقَرارَ جامِعِيٌّ.
فَسَأَلْتُ هَلْ أسْتَطِيعُ الِاسْتِغْناءَ عَنِ السَّماعِ ، وَأَتَقَدَّمُ إلَى الِامْتِحاناتِ النِّهائِيَّةِ. قالُوا: شَرْطَ أنْ يُوافِقَ الْمُحاضِرونَ.
وابْتَسَمَ لِيَ الْحَظُّ وَقابَلْتُ الْمُحاضِرينَ الَّذينَ وافَقُوا عَلَى طَلَبي مَشْكورينَ.
وَتَقَدَّمْتُ إلَى الِامْتِحاناتِ الثَّلاثَةِ دُونَ الِاسْتِعْدادِ عَلَى أَيٍّ مِنْها، واللَّهُ شَهيدٌ عَلَى ذَلِكَ وَاجْتَزْتُها جَميعًا بِنَجاحٍ تامٍّ.
لَمْ أَكْتُبْ عَنْ تِلْكُمُ الْحادِثَةِ اعْتِزازًا بِنَفْسِي، وَإنَّما لِأَنِّي أُومِنُ بِأَنْ لا هُناكَ مُسْتَحِيلٌ، إذا سَعَى الْإنْسانُ بَعَزيمَةٍ قَوِيَّةٍ سَعْيًا صَحِيحًا مُتَواصِلًا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق