منوعات
تُوفي رافضا الكشف عن مكان جثتي ضحيتين قتلهما قبل 46 سنة
استغرق التحقيق ستا وأربعين سنة وبعد إدانة المجرم الحقيقي توفي بعد خمسة أشهر فقط من إدانته.
إنه ويليام ماكدويل الذي قتل عشيقته وابنهما البالغ من العمر ثلاث سنوات في المرتفعات الاسكتلندية، من دون أن يقبل بكشف مكان وجود الجثتين، اللتين لم يعثر عليهما لحد الآن.
توفي يوم الأربعاء عن 81 عاما في مستشفى فورث فالي الملكي، بعدما أدين في سبتمبر/أيلول من عام 2022 في جريمة قتل عشيقته رينيه ماكراي التي كان عمرها 36 عاما وطفلهما أندرو، عام 1976، وقد تخلص من الجثتين بطريقة لا تزال غامضة حتى اليوم.
وقال القاضي لورد أرمسترونغ، الذي أصدر الحكم على القاتل بعد أن أدانته هيئة المحلفين، “يبدو أن جريمة القتل هذه قد تم التخطيط لها مع سبق الإصرار والترصد وبطريقة ذكية للغاية”.
وأضاف أنها “كانت عملية إعدام لشخصين. لقد قتلت ضحيتيك، وتخلصت من جثتيهما، وقمت بخطوات مختلفة لتجنب الكشف”.
وقالت موراغ غوفانز، أخت القتيلة رينيه في بيان أمام المحكمة “إن مرور الوقت لم يخفف من معاناتنا. لم يُسمح لنا بالحزن كما ينبغي”، وأشارت إلى أن معاناة الأسرة تفاقمت بسبب عدم العثور على الجثتين.
وأضافت “إن التفكير في الرعب الذي شعرا به عندما قتلا بطريقة محسوبة وقاسية، لا يزال يطاردني”.
ونفى ماكدويل، وهومن من بنريث، كمبريا، التهم الموجهة إليه في قضية تعد إحدى أطول قضايا التحقيق في المملكة المتحدة، ولكن حكم عليه بالسجن مدى الحياة ولمدة 30 عاما على الأقل.
ووجدت الشرطة بقعة من دم رينيه في صندوق السيارة، وكان ذلك هو الأثر الوحيد منها ومن طفلها، ولم يعثر عليهما أبدا منذ ذلك الحين، رغم عمليات البحث المكثفة التي أجريت في المنطقة.
وقال أشخاص إنهم سمعوا صرخة مخيفة في الظلام، ورأوا رجلا بعيون واسعة ومحدقة، يدفع عربة أطفال على طول حافة الطريق السريع في تلك الليلة العاصفة.
كانت رينيه قد انفصلت عن زوجها، مدير الشركة المليونير غوردون ماكراي بعد 12 عاما من الزواج وإنجاب طفل كان في التاسعة من عمره، وكانت على علاقة سرية مع ويليام ماكدويل، المحاسب في شركة زوجها، والذي كان متزوجا وعمره 34 عاما.
كان غوردون ماكراي يعيش مع امرأة أخرى، ويعلم أن رينيه على علاقة غرامية بشخص آخر، وأن أندرو ليس ابنه، ولكنه لم يكن يدري أن العشيق هو محاسب شركته.
في الأيام التي سبقت اختفاءها، أخبرت رينيه صديقتها المقربة والوحيدة التي تعلم بأمر علاقتها بماكدويل أنها ستلتقي به ليمضيا عطلة نهاية الأسبوع معا. ووفقا للصديقة، فإن ماكدويل طلب أن تصطحب معها طفلهما أندرو. وقد تركت رينيه ابنها الأكبر مع والده.
كما كانت تخطط للانتقال إلى الإقامة مع ماكدويل بصحبة طفليها في جزيرة شاتلاند الاسكتلندية، وأخبرت صديقتها أنه وعدها بمنزل كبير بشرفة واسعة هناك.
لكن ماكدويل قال للشرطة إنه لم يلتق بهما أبدا تلك الليلة، وإنه كذب على رينيه بشأن العطلة.
وفي منزل رينيه كانت هناك دلائل على استعدادات للانتقال، وكانت قطع الزينة وبعض الأدوات المنزلية ملفوفة بورق جرائد ومعبأة في صناديق من الكرتون المقوى، وملابس أندرو الشتوية مصفوفة وموضوعة على سريره، ولعبه مكومة في زاوية من غرفته.
لكن ماكدويل قال إنه لم تكن لديه أي خطة للانتقال مع رينيه إلى شاتلاند.
وعلى خلاف رينيه التي كانت تخطط لحياة سعيدة مع حبيبها، لم يكن وليام ماكدويل يرغب في أن تنكشف علاقته بها، الأمر الذي سيهدد أسلوب حياته المرتاح، وينهي دخله الجيد من عمله، ويحطم زواجه.
وكشفت العلاقة السرية خلال التحقيقات الأولية، واستجوبت الشرطة ماكدويل، وكان نتيجتها أنه طرد من وظيفته، أما زوجته روز ماي فظلت معه وعلى وفائها له.
تعاملت الشرطة مع القضية في البداية على أنها قضية شخصين مفقودين، وواجهت تحديات كبيرة، وقال ستيوارت ليندسي، الصحفي المقيم في المنطقة حينها إن ما جعل التحقيقات أكثر صعوبة هو “حقيقة أن الواقعة جرت ليلة الجمعة، ولم تبدأ عمليات البحث فيها إلا يوم الإثنين”، مضيفا أن “عطلة نهاية الأسبوع كانت ممطرة للغاية، وقد تسبب المطر الغزير في إتلاف الأدلة، ما أعطى الفاعل 72 ساعة للقيام بكل ما كان عليه القيام به. لقد كان حظا سيئا”.
كان الشتاء قاسيا، والتضاريس في المنطقة التي عثر فيها على السيارة صعبة، وسط مساحة واسعة من المستنقعات والتلال والمحاجر المهجورة والصخور والغابات والبحيرات.
لكن لم يُعثر على أي أثر لرينيه أو أندرو رغم 8 أسابيع من بحث مكثف شارك فيه 200 متطوع و100 شرطي، إلى جانب طائرة من السلاح الجو الملكي قامت بمسح المستنقعات بأجهزة يمكنها اكتشاف الأرض التي حفرت حديثا بعد ردمها.
وبدا الأمر كما لو أنهما اختفيا عن وجه الأرض، كما قال أحد الضباط الذي شاركوا في التحقيقات.
ونظرا لقسوة الشاء وهطل ثلوج كثيفة انجرفت التربة بعمق 6 أقدام، وتوقف البحث، على أن يستأنف في العام التالي.
ولم يكن لدى الشرطة متهم رئيسي محدد، ورغم أنها حققت مع ماكدويل، لكنها لم توجه إليه الاتهام، وخصوصا أن زوجته أكدت وجوده في المنزل تلك الليلة.
وخلال السنوات أعيد التحقيق في القضية عدة مرات في أعوام 1978، و2004، و2006، وتحدثت الشرطة إلى 1500 شخص، وحفرت الأرض ورفعت آلاف الأطنان من التربة بالقرب من المنطقة التي عثر فيها على السيارة المحترقة، وأزيلت نحو 2000 شجرة، لكن لم يعثر على شيء.
وشارك في العمليات علماء أدلة شرعية وخبراء في فحص التربة.
وظهر خيط جديد في القضية عندما تلقت الشرطة من شخص مدان يدعى دينيس تيروني رسالة قال فيها أن رجلا عرفه بشخص ماكدويل عرض عليه مبلغا ماليا عام 1976 مقابل “قتل زوجة وطفل” عن طريق صب الأسيد عليهما، ولكن المحققين اعتبروا أن ذلك لا يستند على أدلة كافية لاتخاذ إجراء أو يساعد في التحقيق.
خلال تلك السنوات، عانى ماكدويل من مشاكل مالية عديدة بعد أن طرده زوج رينيه من العمل، وفي عام 1990، سُجن مدة 30 شهرا بعد إدانته بالاحتيال وسرقة 238 ألف جنيه إسترليني، وبعد عام من الإفراج المشروط، وجد نفسه في المحكمة مرة أخرى، بتهمة احتيال جديدة.
مرت قضية مقتل ريني وأندرو بفترة طويلة من الهدوء، إلى أن أعيد التحقيق عام 2017، وأعيد فحص كافة السجلات المتعلقة بالقضية بشكل دقيق.
وفي أكتوبر/تشرين الثاني عام 2018 ، الشهر الذي كان أندرو سيبلغ فيه الخامسة والأربعين، وجهت الشرطة نداء جديدا للمساعدة في حل القضية، وأصدرت صورة لعربة أطفال مشابهة لعربة أندرو.
وفي العام التالي، أعادت الشرطة فحص مقلع قديم للحجارة وجففت منه كمية ماء تقدر بـ 13 مليون لتر. وعثرت على أجزاء من عربة أطفال، وأرسلت لاختبارات الطب الشرعي.
وألقي القبض على ماكدويل في سبتمبر/أيلول عام 2019 وقدم للمحاكمة، وكان حينها يعيش مع زوجته في كوخ في مزرعة منعزلة بالقرب من كمبريا.
وأضافت “إنه في الواقع رجل ميت يمشي”، وأوضحت أن زوجها حالته الصحية متردية بشدة، لدرجة أنه في الحالة التي تسمى “لا تنعش”، وتعني أن لا يحاول أحد إنعاشه في حال توقف قلبه أو تنفسه.
بعد وفاة ماكدويل قال المحقق برايان غيديس، الذي قاد التحقيقات الجديدة في القضية، والتي أدت إلى محاكمة القاتل “لم يعثر على جثتي رينيه وأندرو، لقد باءت محاولاتنا الأخيرة بالفشل في تشجيع ويليام ماكدويل على القيام بما يتوجب فعله، وإقناعه بالكشف عن أي معلوات لديه، والتي كان من الممكن أن تساعد الشرطة”.
وناشد أي شخص يمكن أن تكون لديه معلومات حول مكان جثتي رينيه وأندرو، إعلام الشرطة “لكي يدفنا بالكرامة التي يستحقانها