في العام 2002 فرضت علينا السلطة البحرينية رأيها ورؤيتها في تدشين أول عملية إنتخابية برلمانية تشهدها البلاد بعد حل المجلس الوطني المنتخب (البرلمان) وتعطيل المواد الحيوية من دستور البحرين الشرعي للعام 1973 وقد أسفرت نتائج هذه العملية عن ولادة أول (فولكلور نيابي) في البحرين، أي “برلمان بلا ديمقراطية وتشريع” وكان لا يملك سمعة طيبة كبرلمان يدعم القضايا الاساسية للمجتمع، وقد طعنت في شرعيته الغالبية الشعبية، حيث كان يشرعن لسلطة سياسية مستبدة وطاغية، وكان في نفس الوقت غير قادرا تماما على لعب أي دور في القضايا الرقابية والتشريعات والعمل على فرض التغيير الحقيقي والجوهري، الذي ظل يطالب به المجتمع على امتداد عقود من الوقت. وفي العمليات الانتخابية الأخرى الاربعة التي إجريت بعدها في البلاد عملت السلطة البحرينية الاشياء نفسها ونفدت كل ما كان يمليه عليها فكرها وتوجهها نحو نهج التمسك بجميع الاساليب التي كانت قد فرضتها فرضا على مجالسها البرلمانية والشورية السابقة، وارادت من خلالها تشويه وقتل الديمقراطية الواقعية . حملت جميع المجالس البرلمانية الخمسة، التي فرضتها علينا السلطة، أغلبية ساحقة من لون وتوجه واحد وهم الاشخاص الموالين والداعمين لسياساتها الاستبدادية القمعية ومشاريعها المشبوهة، وأقلية من صفوف المعارضة، ولذلك ظلت هذه المجالس على الدوام تلبي رغبات السلطة وتضمن لها امتيازاتها ومصالحها، وهذا يعني بان أركان الحكم وحدهم فقط ظلوا هم المستفيدين من وجود تلك المجالس وليس الشعب الذي ظل يأمل في وجود ديمقراطية واقعية، وتدشين مجلس وطني حقيقي تشارك فيه جميع الاطياف ويمتلك كامل الصلاحيات الرقابية والتشريعية، ويتحدث بإسم الأمة وينوب عن المجتمع، ويحمي الوحدة الوطنية والحياة السياسية وجميع الحريات المجالس البرلمانية الخمسة المنتخبة باصوات مزورة وبدعم وبمباركة السلطة، لم تستطيع جميعها أن تغير شيئا ملفتا من معالم الدولة كلها ولا عالم السياسة فيها، ولم تستطيع أن تزيح الاحمال الثقيلة التي أنهكت كاهل المجتمع البحريني برمته، بقدر ما كان همها الاول والاخير هو الدفاع عن مصالح وامتيازات النواب والسباق المحموم للحصول على حصصهم من بقرة الدولة الحلوب فقط، في وقت كان فيه المجتمع البحريني بجميع أطيافه وتياراته الشعبية يتطلع إلى مرحلة تكون فيها أغلبية برلمانية وطنية تستطيع أن تكسر حاجز الخوف من السلطة والحكم، وتستمع إلى أصوات الشعب، وتحقق للوطن والمواطنين مكاسب سياسية واجتماعية واقتصادية كبيرة ومهمة. واليوم تستعد السلطة البحرينية لاجراء انتخاباتها البرلمانية السادسة في 12 تشرين الثاني/ نوفمبر 2022 وهي تريد أن تعيد عقارب الساعة إلى الوراء بنفس قواعد اللعبة الجهنمية الخبيثة التي مارستها في السابق، وتفرض علينا رأيها ورؤيتها من خلال تمسكها الشديد والصارم بقانون انتخاباتها السيء الصيت التي إختارته من وحي عقيدتها المستبدة والظالمة، وقننته بنفسها من دون استشارة المجتمع، وواجهت به كافة الانتقادات والاعتراضات الشعبية والدولية الهائلة، وبالتالي تعيدنا إلى قيم الدكتاتورية القبلية التي عفا عليها الزمن، وذلك من أجل أن يصفوا لها الجو وتفعل كل ما يمكن أن يصب لصالحها ومصالحها في ساحة المعركة الانتخابية الخالية تماما من منافسة الآخر المختلف، وتمنع كافة قوى المعارضة والتغيير في البلاد عن ممارسة دورها وحقوقها وقيمها ومثلها في ساحات هذه المعركة، ومحاولة استتباع كل ما حاولت فعله جاهدة في جميع العمليات الانتخابية السابقة عبر الغاء وجود المعارضة في المجالس النيابية المنتخبة، في نفس الوقت الذي مابرحت تتبجح فيه وتتفاخر على مختلف منصات وسائل الدعاية والاعلام والمنابر الديمقراطية والحقوقية المحلية والعربية والدولية بانها “دولة النظام والقانون وواحة الحريات الديمقراطية والعدالة الاجتماعية وحقوق الانسان”. وعلى كل حال، فان هذه الانتخابات حتى لو كانت حرة وقانونية، كما تدعي السلطة البحرينية، فأن الناخبين الذين سوف يتوجهون إلى صناديق الاقتراع في 12 تشرين الثاني/ نوفمبر 2022، يدركون ويجزمون بشدة بأن جميع الاعضاء الذين سوف يحالفهم الحظ ويصلون إلى قبة البرلمان، سيصبحون بمثابة دمى تحركها أيادي السلطة، وانهم في نفس الوقت لا يستطيعون تغيير الواقع المتردي والمأزوم في البلاد، ولا حتى المكاشفة والمحاسبة، أو يكونون قادرين على تمرير أية مشاريع سياسية واجتماعية واقتصادية قد تخدم اهداف وتطلعات وأماني المواطن البحريني، وعلى العكس من ذلك فانه، أي المواطن البحريني، سوف يظل وبصورة أكيدة انه خارج حساباتهم وخارج اهتماماتهم، لانهم سوف يفضلون الدفاع عن مصالحهم وامتيازاتهم أولا وأخيرا، ويتحاشون سيوف ورماح السلطة المسلطة دائما على رقابهم، قبل أن يفكروا في الدفاع عن جميع القضايا الوطنية الكبرى ومصالح الناس، وأنهم يبقون يدركون بالتأكيد أن جميع همومه الحياتية والمعيشية اليومية لا تؤرق بال نواب يمكن أن يكون بعضهم إذا ما كانت غالبيتهم من الطارئين على عالم السياسة أو من الانتهازيين والمتعطشين إلى المال وأصحاب المصالح الشخصية. وأخيرا، فانه يؤسفنا أن نرى أناس يذهبون إلى صناديق الاقتراع ويصوتون لمصلحة برلمان صوري، لا يحل ولا يربط، وقد ينقطع فيه جميع أعضائه المنتخبين، إلى الثرثرة الفارغة وخداع العامة، وينسون دماء وعذابات الضحايا الابرياء الذين سقطوا في ساحات النضال الوطني من أجل الدفاع عن الحريات الديمقراطية والعدل الاجتماعي والمساواة وحقوق الانسان في البحرين، وتشييد أركان دولة مدنية وبرلمان دستوري، وكذلك الاعداد الهائلة من النشطاء السياسيين والحقوقيين الذين مازالوا يرزحون في معتقلات وسجون النظام الخليفي، ويرفض بكل تعنت أن يطلق سراحهم، ونأمل بأن لا يكون أحدا من أفراد هذا المجتمع المتطور والمتحضر أن يقدم نفسه كشاهد زور على هذه الانتخابات. والمطلوب اليوم من جميع أعضاء المجتمع، هو التوجه للعمل على تشييد اطار وطني جامع يحمل قضايا التغيير الحقيقي والجوهري وبناء النظام الوطني الديمقراطي الذي يستطيع أن يوفر للناس حاجاتهم الاساسية ولقمة العيش، ويحقق المساواة والعدل وينهض بجميع ميادين التطور والتقدم والتنمية الشاملة. هاني الريس