مكتبة الأدب العربي و العالمي

حكاية #التّفاح_الحباري الجزء الاول

يحكى أنّ امرأة شابّة تزوّجت ولم يرزقها الله بذريّة ،وكان هذا سبب تعاستها وحزنها ،وكانت كثيرا ما تقف في النافذة تشاهد أبناء جاراتها يلعبون في الزقاق ويصيحون بمرح ،وتحس بدموعها تنزل حارّة على خدّها،فهي تعرف أنّ زوجها قد نفذ صبره ، وقد تجد نفسها  في يوم من الأيّام مع ضرّة تقاسمها دارها ،وهذا ما لا يمكن أن تقبله أبدا..ذهبت إلى العراّفين، وقدّمت النّذور للأولياء الصّالحين ،لكن شاء الله أن لا تتحقق رغبتها ،ولم يبق لها إلا الدّعاء كلّما تنهض كلّ صباح .في أحد الأيّام لمّا كانت تطلّ من النّافذة شاهدت عجوزا شمطاء تحمل سلة تفّاح جميل اللون وهي تنشد :

عنــدي التّفـاح الحـبــاري
شجرتـه في آخر البـراري
ينفخ الرّوح في بطونكنّ
وينجــب للعقيـم الذّراري
غلـمانـا كانـوا أم جــواري
أطـفــال حـبّ كالملائـكة
ببركة الله الواحـد البـاري

تعجّبت المرأة فهي لم تسمع بهذا التّفاح ،ولم تر هذه العجوز من قبل ،فخرجت إليها ونادتها : يا خالة هل صحيح كلّ ما تقولين ؟ فأنا لم أرزق أطفالا منذ سنين !!! أجابت العجوز :يا إبنتي إن الله خلق الدّاء والدّواء ،خذي هذه التّفاحة واطبخيها مع العسل والسّمسم ،ثمّ كليها عند إكتمال القمر غدا ،ونامي مع زوجك، بعد تسعة أشهر سيكون لك مولود جميل ،قالت المرأة : يا ليتها تكون بنتا أسمّيها قمر !!! ردّت العجوز ستكون بنتا بإذن الله ،وناولتها تفاحة من سلتها ،نظرت المرأة للتّفاحة الحمراء التي في يدها، وعندما رفعت رأسها إختفت العجوز ،سألت الصبيان الذين كانوا يلعبون أمام الدار أين ذهبت تلك العجوز التي كانت أمام داري ؟ أجابوها لم يكن هناك أحد، علت وجهها الدّهشة ، وقالت : ويحكم !!! من أعطاني التّفاحة إذن ؟
في الغد طبخت تلك التّفاحة كما قالت لها العجوز، ثم تركتها تبرد على الطاولة، وذهبت للحمّام ،وفي تلك الأثناء رجع الزوج منهكا من العمل ،فوجد الصحفة فإعتقد أنّها له وأكل جميع ما فيها ،أحسّ بالشّبع ،وذهب لكي ينام . عندما رجعت المرأة لم تجد شيئا ،فلطمت وجهها ،وبكت ،ثم إستغفرت الله ،وقالت :كل شيئ قسمة ونصيب ، لعل في ذلك خير !!! ثم من أدراني أنّ تلك العجوز تقول الصّدق ؟
بعد شهر ظهر على الرّجل ورم في جنبه، أخذ يكبر مع الوقت إلى أن أصبح بحجم البطيخة ،وحار الأطباء في علاجه ،ولم يعد يقو على الحراك ،في أحد الأيام إسيتدعى الحلاق وطلب منه أن يجرح الورم ويفكّ عنه الدّم ،وما إن جرحه حتى خرجت منه رضيعة ،وكان الشّباك مفتوحا فدخلت حدأة ، واختطفتها ،وطارت بها إلى شجرة عالية ،ووضعتها في عشها ،وبدأت تسرق لها الحليب والملابس من ضيعة مجاورة ،ولما كبرت قليلا أطعمتها من الفرائس الصغيرة التي تصدادها من الجبل، مع الأيام أصبحت الرضيعة صبية فاتنة الجمال ،وحذرتها الحدأة من النزول، فلن يمكنها بعد ذلك الصعود ،وعلى الأرض فالمخاطر لا حصر لها، وخصوصا في الليل لمّا تخرج الذئاب والخفافيش للصّيد .
وعدتها قمر أن لا تفعل فهي تحب العيش على الأشجار، تقفز من غصن إلى غصن ،وتمرح مع العصافير ،وتغني معها . مضى ردح من الزّمن ،وجاء النّاس وسكنوا قرب الشّجرة ،وكانت تسمع صياح البنات وهن يلعبن، ويجرين في المروج، ويقطفن الزّهور ،وتشمّ رائحة الطعام المتصاعد من القدور ،وكانت تتمنّى أن تنزل ويكون لها صديقات وتفعل مثلهنّ ،وتشبع من الطعام السّاخن ،لكنّها في كلّ مرّة تتذكّر تحذير أمّها الحدأة .
ذات يوم ،جاءت امرأة ،وجلست تحت الشّجرة لتزيّن أحد العرائس ، كانت قمر تنظر إلها بإهتمام ،وأعجبتها النّقوش التي عملتها على يدي العروس، وعندما إنتهت، أعطتها قطعة فضّية أجرتها ،ثمّ إنصرفت في حال سبيلها. كان في العشّ الكثير من قطع الفضّة التي سرقتها الحدأة من الدّيار ،فأخذت واحدة، ونادت المرأة من فوق الشّجرة : يا خالة أريدك أن تزيّنيني مثل تلك العروس!!! هل يمكنك ذلك ؟ رفعت المرأة رأسها ،و،شاهدت بنتا صغيرة بين الأغصان ،فسألتها :هل لديك مال ؟ فرمت لها القطعة، .فأجابتها حسنا !!! إنزلي ،فأنا لا يمكنني الصّعود إليك ،تردّدت قمر قليلا ثمّ نزلت إليها.
كان ذلك أوّل مرّة تلامس فيها قدماها الأرض ،فجلست وزيّنتها ،وهي تتعجّب لجمالها الفتّان وعينيها السّاحرتين كأنّهما كوكبان من السّماء ،لمّا إنتهت المرأة من عملها ،أرادت قمر الرّجوع، لكنها لم تتمكّن من تسلّق الشّجرة الشّاهقة ،حاولت كم مرّة، لكنّها لم تنجح، جلست تحتها تبكي إلى أن رجعت الحدأة ،ولمّا رأتها غضبت غضبا شديدا ،وصرخت في وجهها : لماذا لم تسمعي كلامي ؟ لمّا كنت صغيرة لم يكن من الصعب حملك، أمّا الآن فلقد كبرت وأصبح ذلك متعذرا ،الآن ستهيمين على وجهك في أرض الله ،ولن أكون قربك لمساعدك ،هيا إرحلي من هنا قبل أن يتفطّن القرويّون لوجودي، ويعرفون أنّني من كنت أسرق حاجياتهم وأرمي بها في عشّي …

كانت قمر تأمل أن تسامحها أمّها الحدأة، لكنها أصرّت على موقفها ،وقالت :أنا لا ألومك ، أعرف أنّه سيأتي اليوم الذي تريدين فيه العيش كالبنات في مثل سنّك، لقد كنت تنظرين إليهنّ كلّ الوقت،لم يترك النّاس مكانا إلا وجائوا إليه ،تبّا لهم !!! أيقنت البنت أن عليها أن ترحل ،فسارت لا تدري أين تسوقها قدماها ،تناثرت دموعها ،وبدأت تغنّي :

آه .. كم أنت يا دهر قاسي
اشتهت وجودي أمّي
لكن حملني في جنبه أبي
الحدأة على جناحيها خطفتي
وعلى شجرتها رمتني
لا أحد مثلي .. حبيسة سجني
الآن .. فقدت الأمان
أحسّ طعم المرارة في حلقي
فقد زاد للعشّ شوقي

بعد أيّام عانت فيها من الجوع والبرد رأت نارا من بعيد ،وإذا بأعراب يذبحون جملا صغيرا ،ويسلخونه ،ثم طبخوه ،وعنما شبعوا تركوا ما تبقى للكلاب ورحلوا ،تنافست البنت معهم ،وأخذت عظما لا يزال فيه شيء من لحم وشحم أكلتهم ،ومصّت مخّ العظم ،فرجعت إليها نفسها ،ثم جفّفت جلد الجمل في الشمس وألصقت فيه الرّأس، وكلّما رأت أحدا وضعته على ظهرها ،وكانت تلك الأرض مليئة بالكمأ ،فكانت تحفر الأرض، وتستخرجها ،و تأكلها. وفي أحد الأيام مر بها رجال يسوقون قطيعا من الجمال، ولما توقفوا للرّعي وضعت الجلد ،ودخلت وسط الجمال، وقالت في نفسها : عندما نقترب من أحد القرى أو المدن فسأهرب دون أن يلاحظني القوم ،وملأت صرّة من الكمأ ،وحملتها معها ،والجميع كانوا يرونها ويعتقدون أنها جمل ،فلقد كانت تقلدهم في كلّ شيئ حتّى في أصواتهم ،وحركاتهم .
واصلوا السّير حتى بلغوا بستانا كبيرا يملكه السلطان ،وكان فيه أصناف الثمار و التمر ،كانت تأكل من الأشجار ما يطيب لها ،لكنها لا تنزع الجلد،فلقد كانت تخشى أن تفطن إليها الكلاب وتفضح سرّها ،وذات ليلة شوى الحارس لحما وأعد خبزا ،وكانت البنت تراقب وإشتهت أن تأكل منه ،فأحدثت ضجّة ولمّا قام لينظر ما الأمر أخذت طعامه وإختفت عن الأنظار،رجع الحارس وعندما نظر إلى الطبق وجده فارغا ،فأخذ يسبّ ويلعن، وقال: لعله أحد الكلاب إنفك عنه قيده أو قطّ تسلل إلى البستان ،لكن جميع الكلاب كانت مربوطة ولا وجود لقطط ،ولا حتى فأر صغير .
في الغد أحضر دجاجة من كوخه وشواها، لكن قمر إحتالت عليه وسرقتها منه ،وكانت تأكل وتضحك كلّما سمعته يسبّ ،إحتار الحارس ،فكلما وضع طعاما ،لاحظ أنه يختفي في دقائق ،ورغم بحثه في كل مكان فلم يجد شيئا سوى العظام ،في البداية إعتقد أن الجنّ هي التي تفعل ذلك ،حتى وجد يوما آثار أقدام صغيرة ،فقال في نفسه: هناك لصّ في البستان ،وسأعرف من هو ، وأجعله يدفع ثمن ما سرقه !!!
بدأ براقب كلّ شين بعين متفحّصة ،فلاحظ أنّ أحد الجمال يقف مع القطيع لكنه لا يأكل رغم وفرة الطعام،قال في نفسه: لعله شبعان ، في الأيام الموالية اكتشف ،أنّ بقية الجمال لا تقترب منه كأنّه ليس منهم ،زاد تعجبه ،وأخذ يراقبه من بعيد ،لكن قمر كانت ذكية ، وكلّ ما تراه تتظاهر أنّها تسرح مع الجمال ،وتأكل مثلها الأعشاب.رجع الحارس لعادته في شواء اللحم ،وقال في نفسه :هل من المصادفة أنّني لمّا راقبت ذلك الجمل، لم يسرق أحد طعامي!!! أنا متأكّد أنّ وراءه سرّ وسأكشفه .
في أحد الأيام أتى السّلطان لزيارة بستانه ،وسأل الحارس عن أحوال الإبل ،فقال له : إنها بأحسن حال ،لكن أحدها يبدو غريبا في تصرّفاته ،وكلما أقترب منه يسرع بالاختفاء ،وأعتقد أنّه يسرق طعامي !!! ضحك الملك ،وقال : لعله أيضا يسرق خمرك ،إبتسم الحارس ،و أجاب : عندما تراه يا مولاي ستعلم أني أقول الصّدق ،إقتربا من الجمل الصغير، لكنّه إلتفت إليهما ،وهرب بين الأشجار ،قال الملك : يبدو خبيثا، على عكس القطيع الذي لا يبالي بوجودنا ، إسمع يا رجل !!! أرسله إليّ ،سأضعه في حديقة القصر، فهي مليئة بالورود،و هناك بحيرة جميلة ،وسأرى ما يفعل عندما يجد نفسه بمفرده …

من قصص حكايا العآلم الآخر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق